5 آب 2021 | 21:51

المكتب السياسي

السنة "أمة" .. فهل من يلجم طيش الجاهلين؟! - زياد ضاهر

السنة

كتب زياد ضاهر (*) :

لم يكونوا يوما أقلية، هم "الأمة" كما قالها كثر من الأقربين والأبعدين و رواد الفكر والضالعين بتاريخ هذا الشرق العربي.

الارتباط بين سنة لبنان و الأمة العربية ارتباط هوياتي قائم على واقع الجغرافيه السياسية منذ ما قبل الاستقلال. نشأت الدولة الوطنية على أنقاض السلطنة العثمانية، التي لم تستطع أن تذيب الهوية القومية العربية في بوتقة الأمة الاسلامية. كما هو حال كل التجارب الامبراطورية التي سعت لصَهر الهويات القومية لصالح هوية الدولة الجديدة او الحاكم الجديد.وكذا ما حصل مع الاتحاد السوفييتي الذي انتهى الى ١٥ عشرة دولة.

لبنانياً لم يكن بمقدور اي أقلية أن تنشئ حكما على أعقاب انهيار السلطنة العثمانية لولا وجود الرضى والقبول من نخب وأعيان الفئات اللبنانية كافة ومنهم السنة، فيما يحاول البعض تزوير التاريخ و استبعاد السنة عن الارادة باستقلال لبنان، الذين كانوا يتغنون بارتباطهم القومي وامتدادهم العربي ودخلوا مرحلة تأسيس الجمهورية مستندين الى هذا الامتداد الطبيعي . من ينكر عليهم الشراكة الحقيقية في تأسيس الجمهورية الأولى فهو إما حاقد على التاريخ أو مزور له أو متملق يلوي عنق التاريخ خدمة لمصالحه.

بالطبع كان لهذا الالتزام بهوية لبنان العربية أثمان دفعت ، وذلك لوجود صراع مع من حاولوا تغريب لبنان عن هويته ولم تكن العلة في التمسك بالهوية العربية.

ذلك الامتداد الاقليمي لسنة لبنان يعمل بإتجاهين، فقوة العرب تنعكس على سنة لبنان و كذلك ضعفهم.

الان تعاني اغلب حواضر العرب من تهتك في دولها و مؤسساتها ودورها. كان يمكن ان ينتقل هذا الواقع الصعب الى سنة لبنان بأشكال اكثر عنفا و تدميرا ، الا ان الخيارات السياسية التي انتهجها ممثلوا السنة وخاصة تيار المستقبل و سعد الحريري ، امنت حماية لوجودهم و الحد من الخسائر .

في دور سنة لبنان يجب أن نقرأ في دور الأمة العربية التي كانت حاضنة للأقليات والأديان المختلفة عن دين الاكثرية المسلمة، فكانت مستقرا لها من الأيزيديين على ضفاف دجلة الى اليهودية والمسيحية ، فكانت دور العبادة الخاصة بهم قائمة ولم تزل.

وكذلك سنة لبنان هم حاضنة للتنوع الديني والثقافي في اطار هوياتي عربي، مسؤوليتهم الحفاظ على التنوع والاستقرار والدولة، يتشاركون تلك المسؤولية مع الآخرين ولكن حصتهم من المسؤولية أكبر.

يتعرض السنة الى ضغوط كبيرة تقارب الاضطهاد و محاولات الاقصاء و يصرح البعض خلسة وعلانية عن موقف شبيه بالمواقف النازية اتجاه السنة، في مرحلة ضعف دولهم ويحاولون تغيير الخرائط في غفلة عن التاريخ والجغرافيا.

ما لا يعيه أعضاء حلف الأقليات، أن تحول السنة الى أقلية يعني بالحد الادنى سلوكهم مسلك الأقليات التي كونت ميليشيات بدعوى حماية وجودها، و انقلبت على الصيغة الوطنية الجامعة ، واستخدمت خطاب التخويف من الآخر لاستحكام قرار جماعتهم. عدى عن التصفيات التي طالت كل رأي آخر ضمن كل أقلية ليستتب لهذه الميليشيات الحكم و الاستحكام بالجماعة الدينية كممثلين حصريين لها.

ما لا يعيه هؤلاء أن التعاطي مع سنة لبنان كأقلية سيعود عليهم بالوبال، والخاسر الأكبر هي وحدة البلاد و الصيغه الجامعة التي دفع فيها السنة أكثر من غيرهم و من رصيدهم. هم من قيل فيهم أنهم "أم الصبي" ، هذا المصطلح يجمع تراكم تاريخي خلاصته أن السنة في كل مرة يتعرض فيها الكيان لمهددات التفكك والاغتراب عن هويته العربية تجدهم يواجهون تارة و يعقدون التسويات تارة أخرى و دونها خسائر اعتبروها واجباً للحفاظ على لبنان.

حجم الاستهداف لدور السنة الميثاقيين كبير، حاولوا محاصرة ممثليهم المنتخبين و صولا لاختيار من يمثلهم في النظام في موقع رئاسة الحكومة وهو فاقد للشرعية التمثيلية و يعطون لانفسهم الحق الحصري باختيار ممثليهم في الرئاساة الأولى حتى لو كلف ذلك ادخال البلد في جهنم، وغيرها الكثير من الممارسات التي وصلت لتعطيل الدولة من اجل حاجب يعتبرونه من حصة أقليتهم!.

بقي سعد الحريري في خياراته منسجما مع دور جماعته و قائدا لهم نحو الشراكة مع الآخر و بناء مشروع الدولة لخدمة جميع اللبنانيين دون تمييز، و يشكل هذا الخط السياسي المعتدل هدفا للمتطرفين في الداخل ولمرجعياتهم في الخارج. لم يخرج سعد الحريري عن قواعد السنة التأسيسية للبنان القائمة على بناء الدولة و العودة الى المؤسسات في كل اختلاف وان لا يحتكم لشارع ولا لخطاب مذهبي بل الثبات على خطاب وطني جامع لقيادة وحدت المكونات السنية ًوطنيا وليس اصطفافاً مذهبياً. 

يصح القول في سنة لبنان الميثاقيون، بدونهم لا قيامة لدولة ولا نجاح لثورة، فهل من عقلاء يلجمون طيش الطائشين.

(*) عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" 

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 آب 2021 21:51