8 آب 2021 | 14:37

منوعات

شاطئ الرملة البيضاء.. "سان بلاش" الفقراء! (٣/١)‏

زياد سامي عيتاني*‏





منذ منتصف القرن الماضي، كان ذوي الدخل المحدود والفئات الإجتماعية المتواضعة من الناس، ‏الذين لم يكن بمقدورهم إرتياد المسابح الخاصة والفخمة وإنفاق بضعة ليرات للتمتع ببحر بيروت ‏والإسترخاء تحت ظل الشماسي الملونة و التمدد على كراسي الإستلقاء، كان هؤلاء الناس ‏يستعيضون عنها بالنزول إلى شاطئ "الرملة البيضاء" المجاني، الذي أطلق عليه البيروتيون إسم ‏‏"السان باليش"(!)، كإشارة مسلية للدلالة على مجانيته، دون أن يخلو الأمر من التهكم والطرافة ‏في نفس الوقت بالنسبة للمسابح الخاصة، التي حمل كثير منها أسماء القديسين، والتي لا تبعد عنه ‏أكثر من عدد قليل من الكيلوميترات...‏

فهذا العظيم الأزرق الذي إكتسب زرقته من صفاء السّماء وجمالها، والمنطلق من شاطئ ذات ‏رمال بيضاء-ذهبية، وُجد للناس جميعاً، لا سيما البسطاء منهم، لا أحد يملك البحر ولا أحد ‏يستطيع أن يضع له نظاماً خاصاً به.. روح التجدد وذهاب الموج وعودته تذكر الناس الطيبين ‏عن أنه ملك التجديد وغاسل أدران الحياة دائماً وأبداً، كيف لا؟! وهم الباحثين عن أمل جديد ‏وإنشراح لرؤية الماء...‏

فالحياة بالنسبة لهم "ماء وضوء ونسمة"، حيث يأتيهم الفرح من على شط "الرملة البيضاء" مثل ‏أسراب الأمواج المبتسمة المتدفقة إلى الشاطئ، مكان جلوسهم، ذلك الشاطئ الذي رسموا ‏بدعسات أقدامهم المتناسقة والهادئة على رماله لوحة فنية تعبر عن حياتهم اليومية المنسجمة ‏والمنضبطة مع موسيقى صوت الأمواج المتراقصة على أنغام الرياح التي تلامس زبدها، تحت ‏أشعّة الشمس التي تشبه سنابل القمح المداعبة لشعر فتاة ذهبيّ أصفر لامع، تطيب النفوس عند ‏رؤيته...‏

فعلى هذا الشاطئ، كان البسطاء من الناس العاديين الوافدين من أحياء بيروت الشعبية، يتأملون ‏البحر وهو يأخذ ما يجول في داخلهم من هموم الحياة مع كل موجة تأتي وتذهب وتعلو وتنخفض ‏مع تكرار المد والجزر، كأنها تحمل معها الإبتسامة والفرح، مبددة الملل والضجر، ومبشرة بحياة ‏متجددة، بعدما تكون قد غسلت رواسب التعب والعناء والفراغ، رغم الصخب الذي يكتنف أهداب ‏مدينتهم...‏

‏**‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آب 2021 14:37