9 أيلول 2021 | 20:14

فن

في ذكرى ميلادها.. إنعام سالوسة نجمة الأداء الصعب وخفة الظل

زياد سامي عيتاني - إعلامي وباحث في التراث الشعبي


تحتفل اليوم الفنانة الكبيرة إنعام سالوسة بعيد ميلادها (٩-٩-١٩٣٩)، في وقت ما يزال الجمهور يتشوق دائماً لرؤيتها في أي عمل فني، سيما وهي شريكة العباقرة في صناعة أجمل الأعمال الدرامية خلال فترة العصر الذهبي للدراما، ولازالت تبدع في كل ما تشارك فيه من أعمال، ولو كانت مشاركتها مجرد مشهد واحد في العمل.

فإنعام سالوسة كقطعة ألماس تضئ العمل، وهي الأساس الذي يعتمد عليه  البناء فيمنحه القوة والبقاء، كما أنها إحدى أسطوات التمثيل المخضرمين الذين يمنحون الأعمال الفنية من روحهم وإبداعهم وأدائهم الرصين قبس من نور العصر الذهبى للدراما.

تحمل إنعام سالوسة من الطيبة والهدوء، كما تحمل من الإبداع الذي لم تأتيه الفرصة ليظهر كل إمكانياته رغم كثرة أدوارها وتألقها فى كل منها.

كذلك تتمتع بالموهبة والخبرة ما يجعلها تخطف الكاميرا وتخلق من المشهد الصغير حباً وإرتباطاً وإبداعاً يربطها دائماً بالجمهور، الذي يبتهج حين تطل عليه النجمة التي لم تحصل على ما تستحق من أدوار توازى عبقريتها ومحبتها فى القلوب أو تكريم يناسب مكانتها وإبداعها...

**

•بداياتها:

ولدت إنعام سالوسة في 9 أيلول عام 1939 بمدينة دمياط، وأحبت التمثيل والموسيقى منذ صغر سنها، وتعلمت العزف على آلة "الأكورديون" فى المرحلة الثانوية، وعندما إلتحقت بكلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة عين شمس شاركت في المسرح الجامعي وقدمت عددا كبيرا من العروض، وخلال دراستها الجامعية تعرفت على زوجها المخرج المسرحي الكبير سمير العصفوري ، وتزوجا بعد التخرج أثناء دراستهما بمعهد الفنون المسرحية الذي التحقا به بعد تخرجهما من كلية الأداب، وتحمس لموهبتها أساتذتها عباقرة الفن حمدي غيث ومحمود مرسي وعبدالرحيم الزرقاني.

وفى عام 1964 رشحها المخرج نور الدمرداش للمشاركة فى بطولة مسلسل "لا تطفئ الشمس" الذي ضم عددا كبيرا من النجوم الكبار أمثال كرم مطاوع وصلاح السعدني وزوزو ماضى، وحقق المسلسل نجاحا كبيرا.

بعدها إنهالت عليها العروض، على مستوى السينما والدراما والمسرح، ونجحت في أن تعبر عن نفسها كممثلة فريدة من نوعها، يمكن أن تعطي للعمل قيمة وثقلا وجماهيرية ولو بأدوار هامشية، لكن لا غنى عنها بالنسبة للجمهور، وما ساعدها في الماضي، أن الناس كانت تميل للفنان الذي يمثل بتلقائية وواقعية وعفوية ولا يركز على الثرثرة من أجل الشهرة السريعة.

**

•قدرات فنية تتجاوز أدوارها:

تمارس سالوسة الفن كهواية أكثر من كونه احترافا، وتتمرد على وتتحدى كل شيء، حتى تظهر للجمهور على هيئة نجمة، ليس مهما حجم الدور ولا مساحته، بل مضمونه وطريقة الأداء، ولا ترفض عملا يُعرض عليها مهما كان صغيرا، المهم أنها سوف تخرج ما بداخلها من طاقات فنية، والأهم أنه يصعب وربما يستحيل عليها تكرار نفس الشخصية التي سبق وأدّتها في أي عمل.

فهي بطبيعتها متمردة على النمطية، وتقدم نفسها للمخرج والمنتج على هيئة فنان من قطعة صلصال، يشكلها كيفما يشاء، بما يتناسب مع الدور، كوميدية، تراجيدية، شرسة، هادئة، كئيبة، مرحة، المهم أنها في كلّ الحالات سوف تعيش الدور وتؤديه كما قال الكتاب.

وتميزت بأنها غير باحثة عن التمثيل إنما تبحث عنها الأعمال، فعند كتابة مؤلف لشخصية بها ملامح إنعام سالوسة، لا يتردد مخرج فى أن يسنده إليها، وحدث هذا فى كل أعمالها، إذ لديها قدرة على تطويع الشخصية وفهمها نفسيا.

تعد سالوسة مدرسة قائمة بذاتها فى الأداء السلس المعبر، والدليل أنها لا تختلف في رد الفعل أمام نجم كبير أو نجم شاب، مع صلاح السعدني في "ليالي الحلمية"، يكاد يجهد أمامها من شدة ثورتها ورد فعلها، لكنهما نجمان قويان كانا المشاهد ينتظر صراعهما اليومي على الشاشة ليعثر على الضحكة فى مسلسل درامي لم يكن الحوار فيه مكتوبا ليضحك المشاهد، لكنهما صنعا منه مباراة ممتعة.

كذلك، لك أن تتخيل ممثلة أخرى للموظفة فى مؤسسة حكومية تقوم بتقميع البامية على مكتبها، لا يمكن أن تجسد هذا الدور بهذا الأداء ممثلة أخرى، أو في فيلم "إكس لارج" مع أحمد حلمي، أو "عسل أسود"، هى أيقونة فنية لم تنل حقها من التكريم الحقيقي.

بإختصار الفنانة أنعام سالوسة صاحبة الموهبة الفنية الفريدة من نوعها التى لم تتخيل أى عمل فني من دونها فهى الأم والخالة والجارة والصديقة على الرغم من كثرة أعمالها الفنية إلا أنها زادت شهرتها فى الخمسينات من عمرها.

•الأم التلقائية بأدوار مختلفة:

تحمل تلقائية الأمهات وموهبة وإبداع العباقرة وتواضع وبساطة الكبار الذين يبدعون فقط دون ادعاء أو ثرثرة.

فقد جسدت تفاصيل آلاف الأمهات فى دور "أم سعيد" بفيلم عسل اسود، و"أم حسن" في فيلم أبو على، أو "أم صابر" فى فيلم" عايز حقي"، وغيرها من الأدوار...

ومن أبرز أدوار الأم التي لعبتها سالوسة في السنوات الأخيرة أيضا دورها في مسلسل "تامر وشوقية" حيث السيدة الشعبية خفيفة الظل وكذلك دورها في مسلسل "جبل الحلال" عندما لعبت شخصية والدة الفنان الراحل محمود عبد العزيز تلك السيدة العجوزة خفيفة العقل التي يعاملها نجلها وكأنها طفلة صغيرة، وذلك بإقناع شديد برغم أن الفارق العمري بين النجمين ليس بقليل.

هي فعلاً المرأة المصرية الأصيلة تحمل روحها البسيطة، خفة ظلها، صاحبة ملامح مميزة، تجدها في كل الأدوار تخاطب مشاهدها وكأنها تفتح معه حوارا خاصا فلا يمكن أن ينتهي أحد من مشاهدة فيلم أو مسلسل إلا ويتذكرها.

وقفت أمام الكبار والصغار فأصبحت عن جدارة مستحقة للقب "الست إنعام".

نعم.. إنعام سالوسة المرأة التي تمثل رمانة الميزان في جميع الأعمال المقدمة حاليا والتي أختفت فيها بتقادم الزمن شخصية الأم والجدة، في وقت خلت الساحة الفنية من وجود هذا النموذج الفني الخاص الذي يجمع بين الكاريزما الشخصية ومدرسة الأداء المتفردة، التي تمزج بين لغة الجسد والإحساس الداخلي بالشخصية التي تجسدها لتبدو في أدائها ملتحمة مع الدور، مما يجعلها أكثر تلقائية وقربا من الجمهور...

**

•نفي تدريبها لسعاد حسني:

ومن أهم المعلومات الخاطئة المتداولة عن الفنانة الكبيرة أنها قامت بتدريب السندريلا سعاد حسنى على الإلقاء والتمثيل فى بدايتها، وهى المعلومة التى نفتها الفنانة الكبيرة في تصريحات صحفية، حيث تقول في هذا السياق بغضب يخالف طبيعتها الهادئة الطيبة وبمشاعر حب ووفاء شديد لرفيقة عمرها سعاد حسنى، وبشجاعة وحسم من يكره الادعاء والكذب حتى وإن كان سيمنحه دورا أكبر: "أنا مادربتش سعاد على التمثيل والإلقاء زى ما بيقولوا والكلام ده كذب وبيزعلنى جدا".

وأشارت الفنانة القديرة إلى أن علاقتها بالسندريلا بدأت وهما في سن صغيرة فى بداية مشوارهما الفن، قائلة: "أنا ماكنتش أعرف حاجة عن التمثيل وقتها، وكنت لسه طالبة فى الجامعة بكلية الآداب، ولم ألتحق بعد بمعهد التمثيل، واتعرفت على سعاد فى فرقة عبدالرحمن الخميسى، ولم أعلّمها شيئا".

وتابعت: "ماكنش حد يعرفني ولا يعرفها وكنا إحنا الاتنين مجهولين ولا كان حد فينا لسه اشتغل فى أى عمل، إزاى أدربها وأنا ماكنتش وقتها أعرف أمثل، وكنت لسه مبتدئة"، مؤكدة أنهما تعرفتا على بعضهما فى فرقة الخميسي ولم تعملا بها"...

**

طوال مشوارها الذي تجاوز 350 عملا، ظلت سالوسة كما هي لم تتغير أو تتبدل، إنسانة بسيطة هادئة قنوعة مجتهدة في صمت، عندما تؤدي دور الأم تُشعر من يشاهد الدور الذي تؤديه أن أمه هي التي تمثل، ولم يعرف عنها تقديم مشاهد مبتذلة، بل مارست الفن الذي يقبله كل بيت شرقي.

وهي من القلائل في الوسط الفني عموما، الذين تجاهلوا اكتساب الشهرة على حساب الفن، فهي تمثل من أجل أن تشبع رغباتها بحب الفن فقط.

رغم تقدمها في السن، لكنها لا تعيش على نجومية الماضي، ولا تحتمي في الميراث الذي تركته لسنوات، ولا رصيدها عند الجمهور، واستطاعت أن تتلون بشكل عصري مع متطلبات الفن الحديث، فتراها تطور من الأداء لتخاطب الأجيال الجديدة بطريقة أقرب إلى تطلعاتهم وعقلياتهم، حتى لا تضع نفسها في خانة الفنان الكبير الذي يستهدف أرباب الأسر.

ما يميز سالوسة التي تجاوزت الثمانين عاما، أنها لم تتأثر بعدم تكريمها، أو بمعنى أدق تجاهل ما قدمته للفن المصري في مسيرة يصعب تكرارها، كأنها تريد توصيل رسالة للجمهور وشباب المهنة من زملائها، بأن الاجتهاد والمثابرة حتى النفس الأخير وإتقان العمل على الوجه الأكمل، هما التكريم الحقيقي للإنسان، قبل أن يمنّ عليه الآخرون بالاعتراف بقيمته.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

9 أيلول 2021 20:14