زياد سامي عيتاني*
حلت بصمت ذكرى ميلاد الفنان رياض القصبجي الشهير بشخصية "الشاويش عطية"، المولود في 13 سبتمبر (أيلول) عام 1903، بمدينة "جرجا" في محافظة "سوهاج" والمتوفي في 23 أبريل (نيسان) 1963، عن عمر ناهز 60 عاماً، أضحكنا خلال سنوات تمثيله كثيراً، ثم مات مريضاً وحزيناً وعاتباً ومتألماً من أوجاعه النفسية أكثر بكثير من أوجاعه الجسدية، بسبب إهمال الفنان إسماعيل ياسين له طيلة فترة مرضه، بالرغم من أنهما شكلا سوياً ثنائيا ناجحاً وشهيراً في السينما المصرية، إستطاع أن يحقق العديد من النجاحات لسنوات طويلة، وكذلك رسم الضحكة على شفاه الجمهور بمختلف الأجيال!!!
فالفنان الكبير رياض القصبجي أحد عمالقة "الكوميديا" في زمن الفن الجميل بالرغم من أنه لم يحصل يوماً على أدوار البطولة، وظل طوال حياته يؤدي الدور الثانى والثالث ، لكنه ومن خلال مشاهد قليلة في الأفلام التي شارك إستطاع أن يخلد إسمه فى سجلات عمالقة الفن ومبدعيه الذين حفروا أسماءهم في وجدان وذاكرة الملايين.
"شغلتك على المدفع بروروم"...
لا يستطيع أحد من محبي أفلام الزمن الجميل عدم تذكر صاحب هذا "الأفيه" (كلمة فرنسية (effet) معناها المؤثرات، حيث يستعملها اهل الدراما والتمثيل بمعنى جملة تهريجية أو كلام ذوتأثير)، تلك "الأفيه" لصاحب الإبتسامة والضحكة المميزة، الذي عمل في بداية حياته العملية "مساري" بالسكة الحديد، وكان يمارس رياضتى رفع الأثقال والملاكمة، ونظراً لحبه وإهتمامه المبكر بالتمثيل إنضم إلى فرقة التمثيل الخاصة بالسكة الحديد، وأصبح عضوا بارزا بهذه الفرقة، قبل الإنضام لاحقاً إلى فرق مسرحية إحترافية عديدة، انضم لفرق مسرحية عديدة، منها: فرقة الهواة وفرقة أحمد الشامي، وفرقة علي الكسار، وفرقة جورج أبيض، وأخيراً فرقة إسماعيل ياسين المسرحية.
وإستطاع أن يجسد الطيبة والبساطة وفى نفس الوقت يؤدى أدوار الشر كأخطر رئيس عصابة، غير أن شهرته جاءت بعد أن شارك إسماعيل ياسين في أفلامه فإشتهر بشخصية "الشاويش عطية"، بالرغم من أنه قدم العديد من الشخصيات في عشرات الأفلام السينمائية، لكن الجمهور يتذكره دائماً بدوره الأشهر في سلسلة الأفلام التي حملت اسم الفنان إسماعيل ياسين، وهو الدور الذي ظل لصيق به حتى يومنا هذا، فلا يعرف كثيرون اسمه الحقيقي، لكن يعرفون أنه الشاويش عطية!!!
**
•الهروب من الثأر إلى الفن:
بعدما أصبح رياض القصبجي عضواً بارزاً في "جماعة" التمثيل بالسكة الحديد، نصحه زملاؤه بالسفر إلى القاهرة والاستقالة من وظيفته، والعمل في إحدى الفرق المسرحية.
إلا أن القصبجي وهرباً من ثأر، وحباً بالفن، قرر التوجه إلى الإسكندرية أولا، وأقام لفترة في منزل مواجه لمنزل "ريا وسكينة" (أشهر مجرمتين في تاريخ مصر)، دون أن يدري، ثم ترك الإسكندرية متجهاً إلى القاهرة.
وكان أول أعماله فيلم "اليد السوداء" عام 1936، ثم جاء العمل الثاني والثالث في العام التالي بعد أول بدايته الفنية بفيلمي "سر الدكتور إبراهيم" و"سلامة في خير" عام 1937، بعدها "التلغراف" و"بحبح باشا" رابع وخامس أفلام "الشاويش عطية" 1938.
بعد ذلك تعرف على الفنان محمود شكوكو، الذي قدمه للفنان علي الكسار، لينضم لفرقته، وقدم معه دوراً في فيلم "سلفني 3 جنيه" عام 1939، ليحصل منه على أول أجر في حياته السينمائية وكان 50 قرشا.
وتوقف القصبجي عن المشاركة في الأعمال الفنية لعام واحد ثم استأنفها بـ"ليلى بنت المدارس" و"ألف ليلة وليلة" عام 1941، واصل إبداعاته الفنية بـ"عايدة" و"علي بابا والأربعين حرامي" و"بحبح في بغداد" عام 1942 و"جوهرة" 1943.
وفي عام 1945 بدأ القصبجي تكثيف أعماله الفنية، حيث شارك بـ6 أعمال فنية وهم "أميرة الأحلام"، "البني آدم"، "الحظ السعيد"، "عنتر وعبلة"، "حسن وحسن"، و"قصة غرام"...
**
•ثنائي فني مع إسماعيل ياسين:
بعد تلك الأعمال إستقر القصبجي في فرقة إسماعيل ياسين، ليشاركه بطولة سلسلة من الأفلام السينمائية، من بينها الأفلام التي حملت إسمه، وكان أولها "إسماعيل ياسين في الجيش"، وهو الفيلم الذي حضر إفتتاحه المشير عبدالحكيم عامر، في سينما ريفولي، وظل يتحدث عن هذه الذكرى بسعادة طوال الوقت.
أصبح رياض تميمة حظ إسماعيل ياسين لا يستغنى عنه في معظم أفلامه، ورغم ذلك فإن علاقته بإسماعيل ياسين لم تكن علاقة صداقة بل كانت علاقة عمل فقط، فعندما ينتهيا من التصوير لا يلتقيا ويذهب كل منهما لشأنه!
وقدم عدد من الأعمال الفنية مع الفنان إسماعيل ياسين منها، "إسماعيل يس في "البوليس"، "إسماعيل يس في الجيش"، "مغامرات إسماعيل يس"، "الآنسة حنفي"، "إسماعيل يس في الأسطول"، "ابن حميدو"، "إسماعيل يس بوليس حربي"، "بحبوح أفندى"، "إسماعيل يس في مستشفى المجانين".
وكانت آخر أعمالهما "إسماعيل يس بوليس سري"، و"إسماعيل يس في الطيران" سنة 1959...
**
•إصابته بالشلل أثناء التصوير:
ظل رياض القصبجى يعمل فى التمثيل ويبدع فى الكوميديا حتى أصيب بالشلل نتيجة إرتفاع ضغط الدم، وإبتعد عن الأضواء وظل لسنوات حبيس بيته، وذلك من جراء إصابته بمرض نادرعام 1959 عندما كان يصور فيلم "أبو أحمد" مع ملك "الترسو" فريد شوقي، في عرض البحر، وبسبب إختلاف درجات الحرارة تدهورت حالته الصحية، فنقل إلى المستشفى ليكتشف الأطباء إصابته بشلل نصفي في الجانب الأيسر نتيجة إرتفاع ضغط الدم ولم يستطع أن يغادر الفراش ولم يستطع أيضاً سداد مصروفات العلاج!
**
•معاناته مع المرض:
في عام 1959 ذهب محرر من مجلة "الكواكب" إلى الفنان الكوميدي في منزله البسيط القديم في شارع "قطة" بشبرا.
وكان رياض القصبجي كما وصفه محرر "الكواكب" يغالب مرضه وحده ويرقد على فراشه عاجزاً وحوله العديد من الأدوية بعد أن أصاب الشلل ذراعه وساقه ، يرتدي جلبابا من "الكستور"، وحاول أن يرفع يده ليصافح محرر "الكواكب" لكنه عجز، وبعدها بدأت تغالبه دموعه وهو يتمتم بكلمات بسيطة قائلا: "الحمد لله مستورة".
وقال محرر "الكواكب": "إن القصبجي الذي شارك في أكثر من 100 فيلماً، وكان دخله في السنة لا يزيد عن 25 جنيهاً، ينفق منها على أسرته وعلى تعليم إبنه فتحي الذي كان طفلا فى المدرسة وقتها، وبعد أن أقعده المرض ساءت أحواله المادية خاصة مع حاجته للعلاج".
بعد نشر هذا الموضوع عن حالة الفنان الكوميدى الحزين تعاطف معه عدد من زملائه وقرر كل منهم التبرع بمبلغ لعلاج رياض القصبجى وأعلنت "الكواكب" عن الأسماء وقيمة التبرعات التي لم تتجاوز وقتها 265 جنيهاً.
**
وفاء فريد شوقي، وجحود إسماعيل يس:
حرص عدد من الفنانين على زيارة الفنان الراحل أثناء مرضه، مثل أمينة رزق، فطين عبد الوهاب، جمال الليثي، ولكن فريد شوقي، كان أكثرهم وفاء وحرصاً على زيارته، وكان يجلس معه من ساعتين إلى ثلاثة ساعات في كل زيارة.
في حين عندما أصبح طريح الفراش، لم يقم إسماعيل ياسين بزيارته على الإطلاق، ما تسبب فى حزنه وتدهور صحته، فمات متأثرا بصديقه!!!
**
•سقوطه في "الخطايا":
وفى أبريل عام 1962 كان المخرج حسن الإمام يقوم بتصوير فيلم "الخطايا" الذي ينتجه عبد الحليم حافظ، وأرسل إلى القصبجى ليقوم بدور في الفيلم، بعد أن سمع أنه تماثل للشفاء بعد الشلل الذي أصابه وأنه بدأ يمشي ويتحرك، فأراد أن يرفع من روحه المعنوية وكان الدور مناسباً جداً له.
وجاء "الشاويش عطية" إلى "الأستوديو" مستنداً على ذراع شقيقته وتحامل على نفسه حتى يبدو وكأنه شفي ويستطيع أن يعمل، لكن حسن الإمام أدرك أن القصبجي ما زال يعاني، فأخذ يطيب خاطره وطلب منه بلباقة أن يستريح، لكن "الشاويش عطية" أصر على العمل، وما كاد يواجه الكاميرا ويبدأ فى أداء دوره حتى سقط وإنهمرت دموعه وهم يساعدونه على النهوض، وذلك من شدة التعب والحسرة لعدم قدرته على العمل.
كانت تلك اللحظات، هي آخر مرة دخل فيها الفنان رياض القصبجي إلى "إستديوهات" التصوير، ليعود إلى منزله حزينًا، وما هو إلا عام واحد فقط وتحديداً في 23 أبريل (نيسان) 1963، حتى توفى الشاويش عطية، عن عمر 60 عاماً، بعد قضائه سهرته الأخيرة مع الأسرة، والتي تناول خلالها "الطعمية"، مستمعاً إلى أغاني أم كلثوم، وبقيت أعماله ترسم البسمة على وجوه الملايين من كل الأجيال.
ولكي تكتمل فصول مأساة رياض القصبجي التي بدأت بإلتهام المرض لجسده العريض إنتهت بأن أسرته لم تجد ما يغطي تكاليف جنازته وظل جسده مسجى في فراشه ينتظر تكاليف جنازته ودفنه، حتى تبرع بكل هذه التكاليف المنتج جمال الليثي!!!
بعد وفاته، تولى فريد شوقي وفطين عبدالوهاب وأمينة رزق رعاية الأسرة، بحسب ما يؤكد إبنه فتحي رياض القصبجي.
**
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.