18 أيلول 2021 | 21:11

ثقافة

حسن فايق.. صاحب أشهر ضحكة "قاوم" الإستعمار بالمونولوج!

زياد سامي عيتاني - إعلامي وباحث في التراث الشعبي

حلت ذكرى أحد أهم نجوم السينما المصرية الفنان حسن فايق (14 سبتمبر من عام  1980)، الذي يعد واحداً من أشهر فناني الكوميديا ممن أضحكوا الملايين بأدواره خلال مسيرة فنية طويلة تألق فيها ما بين السينما والمسرح، بعدما صار واحد من أهم نجوم الكوميديا.

الفنان الراحل حسن فايق صاحب الضحكة المبهجة والمميزة، والأدوار التي رسمت الإبتسامة على وجوه الملايين بعد حياة حافلة بالفن لم يكن خلالها مجرد فنان كوميدي فحسب، بل كان فناناً متعدد المواهب يؤلف ويلحن، وكان رائداً من رواد فن "المونولوجات" التي كان يؤلفها ويلحنها بنفسه، منتقداً فيها بعض الظروف الإجتماعية فى تلك الفترة.

كذلك شارك فى معظم الفرق المسرحية الكبيرة، إلى أن كون فرقة مسرحية خاصة به، ضمت ممثلين أضحوا فيما بعد من كبار نجوم الفن المصري.

وعن ضحكته المميزة صرح فايق فى أحد لقاءاته:  "إقتبستها من أحد الباشوات أيام زمان، شاهدته يجلس فى الصفوف الأولى فى المسرح، وكان يضحك هذه الضحكة سواء كان المشهد يستدعي الضحك أم لا، وكان الجمهور من حوله يضحك عند سماع ضحكته، فأخذتها عنه".

وتميز فايق بملامحه الطفولية وصوته المبهج وأدائه الذي خطف القلوب جميعاً، حيث أن ظهور إسمه على شاشة التلفزيون هو نجاح كبير للعمل وللمشاركين فيه.

يذكر أن عشقه للتمثيل بدأ من واقعة مشاهدة رواية قدمها المطرب والفنان سلامة حجازى مع فرقته المسرحية، ليحلم من بعدها أكثر أن يصبح مثلهم بعدما شاهد المسرحية مع والده...

**

•البدايات مع فرق مسرحية للهواة:

الكثر لا يعلمون أن موهبة الفنان الراحل حسن فايق قبل دخوله مجال التمثيل، قد ظهرت أثناء الحفل الذى أقامه والده بمناسبة حصوله على الشهادة الابتدائية، حيث دعا فايق وقتها فرقة عكاشة الغنائية لإحياء الحفل، وغنى أثناء الحفل أغاني الشيخ سلامة حجازي، التي نالت إعجاب الحضور، فيما نصحه البعض بإحتراف الغناء، لكن ذلك كان صعباً فى تلك الفترة، حيث لم يستطع حسن في البداية الاتجاه إلى الفن بسبب رفض عائلته.

وبعد وفاة والد الفنان حسن فايق دخل مجال التمثيل وهو فى سن السادسة عشر، حيث إنضم في البداية إلى فرق الهواة، قبل الإلتحاق بفرقة "روز اليوسف"، ليقوم من خلالها بأول أدواره المسرحية في مسرحية "فران البندقية".

وفي عام 1914 كون مع يوسف وهبي وحسين رياض فرقة جمعية الاتحاد التمثيلية، وقام بتأليف عدد من المسرحيات التي قامت بأدائها الفرقة، ثم إشترك مع عزيز عيد ونجيب الريحاني فى تكوين فرقة للهواة، (وكان يحصل على أعلى أجر فى فرقة الريحانى وهو مبلغ 15 جنيهاً)، ثم إنتقل بعد ذلك لفرقة سلامة حجازي أول من حرضه على العمل بالفن، ومنها إلى فرقة جورج أبيض، وإستقر به المقام لتكوين فرقة تحمل إسمه بمعاونة عباس فارس وإستيفان روستي، ثم إنضم لفرقة إسماعيل يس ومنها إلى فرقة التليفزيون التي لم يمكث بها كثيراً.

بعد عدد من المسارح التي تنقل بينها فايق، قرر تكوين فرقة خاصة به ضمت كل من استيفان روستي، حسين رياض، عباس فارس، وكان أول عروضها مسرحية من تأليفه، وحملت عنوان "ملكة الجمال" عام 1919.

كان حسن فايق متشدداً بعض الشىء بالمسرح ودليل ذلك تنقله المستمر من الفرق المسرحية التى كان يعمل بها...

•مقاوم الإستعمار بالمونولوج:

كان حسن فايق موهوباً في فن المونولوج" حيث كان يؤلف ويلحن "المونولوجات" التي تنتقد الأوضاع والظروف الاجتماعية وقتها، ومع إندلاع ثورة 1919 شارك في المظاهرات ومقاومة الإستعمار الإنجليزي، حيث كان يشارك بمونولوجاته التي تثير الحماسة وتنتقد الإستعمار في المظاهرات، حتى أنه عندما كان مريضاً عام 1919 أرسل سعد زغلول عدد من المتظاهرين كي يحملوه على الأعناق، ليلقي "مونولوجاته" الساخرة على الثوار، وأطلق عليه لقب "الفنان الأعظم".

وكان حسن فايق أول من قدم عملاً فنيًا يدعو للتعايش السلمى بين المسلمين والمسيحيين أثناء ثورة 1919، وكان يحمل إسم "أحمد وحنا".

**

•إنتقاله للسينما:

في عام 1932 قدم فايق أولى تجاربه على شاشة السينما في فيلم "أولاد الذوات"، حيث إشتهر فيها بأدائه المبهج وضحكته المميزة، وعندما سطع نجمه تهافت عليه المنتجون، وهجر المسرح من أجل السينما.

ورغم ذلك، لم يحصل على دور البطولة المطلقة يوماً، بل إعتاد تقديم الأدوار الثانية باحترف، لكنه تمكن بإبتسامة وخفة ظله أن يحتل قلوب الجماهير.

بلغ الرصيد الفني لـ حسن فايق 160 فيلماً من أبرزها: "نشالة هانم"، "حسن ومرقص"، "كوهين"، "سكر هانم"، "الزوجة 13"، "قمر 14"، "خطيب ماما"، "معبودة الجماهير"، وغيرها...

ورغم أن السينما مثلت نقطة إنطلاقت، وكانت علامة فارقة في مشواره الفني كما يقول: "أن السينما هي التي صنعت نجوميتي، لأنه لم يبقى لي أو لجيلي سوى أفلامنا التي ستظل تشاهدها الناس". لكنه يدين بعشقه للمسرح حيث قال :"المسرح أقرب إلى قلبي لأنه يمنحني الشجاعة لمواجهة الجماهير التي تعطيني أجري من التصفيق والإعجاب في التو واللحظة"...

**

•ثنائي مع إسماعيل ياسين:

برع فايق في الأدوار الكوميدية من خلال الأدوار المساعدة، وإشترك في بطولة أفلام عديدة مع كبار النجوم، إلى أن إستطاع أن يُكَّون هو وإسماعيل يس ثنائياً سينمائياً متميزاً، ومثلا سويا عدد من الأفلام أشهرها فيلم: “ليلة الدخلة"، "ليلة العيد"، "حسن وماريكا"، "إسماعيل ياسين في البوليس السري"، "زوج للإيجار"، "إسماعيل يس طرزان"، "إمسك حرامي"، إسماعيل يس في دمشق"، "إسماعيل يس في جنينة الحيوانات"، "صاحبة العصمة"، "عفريت عم عبده"، "فلفل"، "جواهر"، "العقل والمال"، و"إجازة في جهنم، (وكاد "سمعة" أن يتسبب فى أزمة خلال تصوير أحداث فيلم "إجازة فى جهنم" عام 1949، إذ إحتوى مشهد على صفعة من إسماعيل ياسين لحسن فايق، ويبدو أن "سمعة" إندمج لدرجة أن فايق شعر بألم شديد، وهدد فايق بعد هذا المشهد بالتوقف عن العمل، ولكن المخرج عزالدين ذو الفقار تدارك الأمر).

**

•مرضه ووفاته:

لا شئ يبقى على حاله، وتأتي المشاهد الأخيرة لتكتب النهاية، حيث يصاب حسن فايق بالشلل النصفي يبعده عن العمل، لتبدأ معاناته مع الآلام، وتتحول الضحكة الصافية إلى دموع تملأ عينيه ليس حزناً على العافية فقط، وإنما على الجحود الذي لقيه، والنسيان الذى حظي به، ليدخل فى الوحدة والعزلة والإكتئاب والمرض فى رحلة دامت أكثر من 15 عاماً.

علماً أن الفنان حسن فايق كان بصحة جيدة ولكن فجأة وبدون مقدمات كان يجلس فى إحدى محلات الأحذية ممسكاً بيده فنجان قهوة وبدأت يده ترتعش كثيراً حتى سقطت القهوة على ملابسه، وخجل بسبب ذلك الموقف ولكنه سقط على الكرسى، وبعد فحص الأطباء له اتضح انه يعاني على الشلل النصفي.

ذات مرة قرر حسن فايق أن يتحامل على نفسه ويذهب لمسرح نجيب الريحاني رغم مرضه، وعندما ذهب جلس أمام شباك التذاكر يتأمل الجمهور الذي كان يصفق له قبل إصابته بالشلل، فانهمرت دموعه وأصيب بإكتئاب.

تأثرت نفسيته بسبب إصابته بالشلل النصفى وإهمال زملائه له، ولكن أثناء قيام ثورة 1919، أمره سعد زغلول بأن يعود إلى المتظاهرين ليلقى بينهم مونولوجاته الفكاهية التي تسخر من الانجليز، وكان المتظاهرون يحملونه، ويسيرون به في الشوارع.

وإلى جانب مرضه، لقى حسن فايق تجاهل من قبل المسئولين الذين لم يتدخلوا فى علاجه، بل ولم يزره أيضًا أحد من الفنانين سوى الفنان أحمد مظهر، الذى كان مواظبًا على زيارته والاطمئنان على صحته، وظل الحال هكذا حتى علم الرئيس الراحل محمد أنور السادات بحالة الفنان حسن فايق، فقرر تخصيص معاش له، عاش به فى سنواته الأخيرة، إلى أن وافته المنية فى 14 سبتمبر (أيلول) عام 1980.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

18 أيلول 2021 21:11