22 أيلول 2021 | 18:16

أخبار لبنان

الحكومة.. "حقنة" لوقف الإنهيار والبديل يحتاج الى "جولات انتخابية"!

ميرنا منيمنة 

بعد تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي ، برزت تفسيرات محلية وخارجية حول توقيت إعلان تشكيلها، والعوامل التي ساهمت في ولادتها. وفيما تضاربت آراء بعضهم حول هذه الاسباب، ذهب بعضهم الآخر الى الحديث عن بعدين: الأول إستدراك دولي لخطورة إنفجار الوضع اللبناني، في ظل الإنهيار المتمادي والسعي الى وقفه، والثاني: كلام عن عودة تاثير النظام السوري على المشهد السياسي اللبناني، وسط غياب اي "بديل "عن القوى السياسية التقليدية في المدى المنظور، بالرغم من محاولات فصائل "الثورة" المتكررة لتقديم نفسها كبديل. 

أبرز هذه التفسيرات ما جاء في ندوة  نظمها معهد" الشرق الاوسط" في واشنطن تحت عنوان:

“What’s next for Lebanon ? “

وشارك فيها مدير المعهد الدكتور بول

 سالم، عامر البساط  المدير الإداري ورئيس الإستثمارات في الأسواق السيادية والناشئة (ألفا) في نيويورك وكارمن جحا أستاذة مساعدة في قسم العلوم الإدارية في الجامعة الأميركية في بيروت، و الدكتور سالم الذي فنّد اربع عوامل ساهمت في تشكيل حكومة ميقاتي، أولها أن

ما حصل في العام الماضي، جعل من الصعب جداً على أي حكومة فعلية تحمّل عواقبه، من إنهيار العملة الوطنية ووقف الدعم وخسارة المودعين لأموالهم، وتخلف لبنان عن سداد ديونه. فحكومة "اللا أحد" كما يسميها سالم، أي حكومة دياب ،كانت مهمتها إدارة إفلاس الدولة، من دون أن تتحمل هذه المسؤولية ومن دون اتخاذ أي قرار صعب، من شأن الحكومات اتخاذه لتخفيف وطأة هذه القرارت الإصلاحية على كاهل المواطنين. أما الآن وقد حصل الإنهيار فعلى الحكومة الجديدة  لملمة "الشظايا" . أما العامل الثاني فهوإجتماعي نتيجة فقدان مواد حيوية كالأدوية والمازوت والبنزين، إضافة الى اخرى شكلت ضغطاً شعبياً على الأحزاب ولاسيما حزب رئيس الجمهورية ميشال عون و"حزب الله" وغيرهما. العامل الثالث حسب الدكتور سالم هو الوقت الذي يستهلكه تشكيل الحكومات والذي وصل الى نهايته. أما العامل الرابع فهو الضغط الخارجي الذي مارسته من جهة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، اللتان طالما فعلتا ذلك، ولكنهما كثفتاه على رئيس الجمهورية ميشال عون وحزبه، ومن جهة أخرى إيران التي اعتبرت أنه حان الوقت لتشكيل حكومة، فوصلت الرسالة الى "حزب الله "ومنه الى رئيس الجمهورية . وإذ يرى سالم أن من الناحية الجيو سياسية، فإن الإصطفاف السياسي للحكومة يمكن تصنيفه في الخانة الإيرانية والسورية بوضوح لم تشهده الحكومات الأخيرة، يؤكد أن تشكيل الحكومة كان مطلب الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، اللتان أرادتا حكومة من دون التوقف عند من يشارك فيها  أو شكلها أوعدد وزرائها أوالحصص ، إنطلاقاً من إصرارهما على حاجة لبنان الى حكومة لمنعه من أن يتحوّل بشكل كامل الى  دولة فاشلة، تغرق في الفوضى مدة عشرين عاماً.  لذلك اعتبرت واشنطن وباريس  ان  ولادة الحكومة هو "انجاز"، علماً ان حلفاء سوريا "موجودين في هذه الحكومة أكثر من أي وقت مضى"، بحسب سالم .وهذا يعكس برأيه دفعاً عربياً  جزئياً ، تقوده الأردن وبعض الدول العربية الأخرى،  في محاولة لإعادة نظام الأسد الى دوره السابق للتعامل معه بقصد منافسة التأثير الإيراني كما يجري الحال  في العراق . 

أما في ما يخص الضغط على المسؤولين اللبنانيين عبر العقوبات ،فيقول سالم أن جديدها كان فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على النائب جبران باسيل، وهو لاعب سياسي أساسي، و التهديد بفرضها على آخرين ، بعد ان كانت تفرض منذ فترة طويلة على" حزب الله" ، مما ساعد في ولادة الحكومة .أما من الناحية الفرنسية فقد استعملت العقوبات كأداة للضغط . و يضيف أن العقوبات قبل فرضها على أحدهم يكون لها مفعول أكبر، إذ أنها  عندما تفرض على شخص او زعيم معين فإن الرجوع عنها صعب جداً إن لم يكن غير ممكن و يصبح المعاقب في هذه الحال  "خارج مدار الولايات المتحدة ".

Outside of the orbit of the US 

  عامر البساط شارك  سالم رأيه في ان الوضع أصبح  معقداً الى درجة كبيرة وأن المجتمع الدولي توصل أخيراً ،عبر تحول تكتيكي ، الى ممارسة ضغط غير مسبوق على الأفرقاء المعنيين مما أفرج عن الحكومة . لكن كل هذا الحراك الدولي الذي ترافق مع حركة سياسية داخلية ، برأي البساط ، "لن يؤدي بنا الى  تغيير جذري في الوضع اللبناني ". ذلك أن مدة  الحكومة قصيرة ، لكن بعد بضعة أشهر ثمة احتمال "ان ننظر الى الوراء ونقول أن الأسوأ أصبح وراءنا وأن لحظة الانفجار الداخلي والأزمة غير المدارة  قد مرّت بعد أن بلغنا القعر" . ويجدد البساط استبعاده  أن تكون هذه المرحلة انطلاقة نحو تحول جذري نطمح اليه ، أو نحو معالجة المشاكل البنيوية والمؤسساتية "لأن السياسات المطلوبة والهيكلية غيرموجودة ".

 و يضيف:"  في المدى المنظور يحكمنا فن الممكن عبر إلغاء نظام الدعم، وبالإدارة الجيدة لهذا الأمر سوف نتخلص من النقص الحاد في موارد الطاقة الذي انعكس  سلباً على الخدمات، ما أسهم في استفحال الانهيار. كما سيضخ بعض الأوكسجين في القطاعات التي عانت مباشرة من أزمة فقدان المازوت والبنزين . وفي دراسة نشرها "مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط " أكد البساط أن من المهم" أن يلي هذه الخطوة بشكل فوري تطبيق نظام التحويلات النقدية لمساعدة الفئات الأكثر فقرًا. ذلك أن واقع الحال أن تحديد أسعار السلع المستوردة تماشيًا مع أسعارها بالعملات الأجنبية سيُحدث صدمة تضخمية تصيب القدرة الشرائية لمجتمع يعاني الأمرّين بسبب الأزمة التي يتخبّط بها لبنان ." ويعرض البساط سبل التعويض على الفئات الأكثر فقراً عبر خطة التحويلات النقدية و التي  تتراوح بين 1     و1.5 مليار دولار، أي  بين 3 و 5 من الناتج المحلي ، من دون اللجوء إلى احتياطي لبنان من العملات الأجنبية.  إذ ثمة مبالغ خارجية كبيرة متاحة  للصرف على وجه السرعة، أوّلها قروض البنك الدولي التي تصل قيمتها إلى 546 مليون دولار، إضافةً إلى مبلغ 370 مليون دولار من المساعدات الإنسانية

  تمّ  الإلتزام بتقديمها خلال مؤتمر المانحين الدوليين لدعم لبنان الذي انعقد في 4 آب/أغسطس 2021 برعاية فرنسا.

 ويتابع  البساط أنه اذا تمتعت الحكومة بالمصداقية الكافية تستطيع تأمين بين 300 و500 مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية من وكالات حكومية وغير حكومية من دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأوروبية. و يؤكد على ضرورة ان يتم ذلك وفق معايير الحوكمة الرشيدة،  مع امكانية تحسن بعض

 الخدمات الحكومية وخاصة في مجالي التعليم و الصحة .  

و عليه، يشرح البساط ، أن ضخ الأموال سوف يثبّت سعر صرف الليرة اللبنانية ويضبط التضخم .أما إذا استقطبت الحكومة المساعدات الخارجية المذكورة آنفًا وأنفقتها بشكل سليم - ومن ضمنها قروض البنك الدولي وحقوق السحب الخاصة –  فستساعد كمية الدولارات المتداولة في استقرارالليرة الذي قد لا يكفي لإعادة إرساء الإستقرار النقدي.

و يختم  البساط  مجدداً التأكيد على أن هذا المسار هو مجرد "حقنة إقتصادية منشّطة".

  أما بشأن موقف  "حزب الله" من هذا المسار  فيشير سالم الى أن الحزب  ليس متحمساً للإنخراط العميق للبنان مع المؤسسات الدولية اقتصادياً واصلاحياً، وفي الوقت نفسه لا يريد ان يقع الهيكل اللبناني فوق رأسه:" فتنفيذ الإصلاحات يعني مراقبة الحدود والمرافىء والمطار ووقف التهريب وما يرافق العملية الإصلاحية من حوكمة وتطبيق للقوانين. كل هذا يقودنا للقول أن ما سوف نشهده هوتحسن في مسار سيء الى حين حدوث تغيير محلي فتظهر قوى سياسية قادرة على التغيير وهذا سوف يأخذ وقتاً ربما بعد عدة دورات انتخابية، أو مع تغيير قواعد اللعبة الإقليمية ". ويختم سالم بالقول أن أيلول 2021 ليس محطة مهمة بالرغم من أنه يمكن القول "أننا في طريق انهاء الإنزلاق" . لكنه يؤكد أن سنة 2022 هي"السنة المفصلية حيث سوف تجري انتخابات بلدية و نيابية ورئاسية وسوف تحدد مستقبل لبنان للسنوات الأربعة القادمة. أي أن لبنان سوف يشهد تحسناً هشاً وضعيفاً وسوف يمنع الجميع انهياره." 

وتطرّق المحاضرون الى الجانب الإقليمي من الأزمة ، فاعتبر سالم أن الإدارة الأميركية الحالية "لا تعتبر النزاع مع إيران من أولوياتها وتحاول إحياء الإتفاق النووي ، تماماً كما كان الحال في عهد اوباما حين تفاوض مع ايران: "يعرف الأميركيون أن إيران خصم لكن لا يريدون التصعيد معها ويحاولون التعامل مع هذه العلاقة الصعبة تماماً كما يتعاملون مع "حزب الله ". في الواقع اللبناني تعلم اميركا أن محاربة "حزب الله " كما فعل (جورج) بوش مع اسرائيل، سوف تدمر لبنان وأميركا مهتمّة باستقراره أكثر من القضاء على "حزب الله" . أما في ما يخص سوريا فهي خصم أيضاً و قد فرضوا عليها عقوبات ويدركون أن الأسد 

"is here to stay"

ومؤخراً سمحوا لبعض الدول بالتعامل معها والإنفتاح عليها ، والدليل السماح 

بالتواصل معها بخصوص الغاز المصري. وختم بالقول: "الولايات المتحدة موجودة في المنطقة وتبقى اللاعب الأقوى و الأكبر. لكن الملاحظ أننا في المنطقة لم نلمس تداعيات "اتفاق أبراهام" بالرغم من وجود اصطفافات جديدة لم نشهد مثلها منذ العام 1948. 

 فرغم وجود مشاريع للمقاومة تقودها إيران، فإن المنطقة تتغير من حولنا على نحوستظهر معالمه السياسية  بعد سنوات.  

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

22 أيلول 2021 18:16