27 كانون الأول 2021 | 21:39

مجتمع

وفاة آخر المُصلحين المناضلين في جنوب افريقيا

وفاة آخر المُصلحين المناضلين في جنوب افريقيا

هو صاحب الشعار الشهير” الوطن قوس قُزح”، وصاحب شعار ” الفصل العنصري هو الشر المُطلق”، وهو الراهب الإنجيلي الذي كرّس حياته لمحاربة نظام التفرقة والتمييز العنصري وساهم في تحرير بلاده من قبضة نظام عمّق بالدم الشروخ بين البيض والسود، وسجن أكبر المناضلين وفي مقدمهم ضمير جنوب افريقيا نلسون مانديلا رحمه الله.

الأسقف دسموند توتو الذي توفي اليوم عن 90 عاما وبقي ثائرا ضد الظلم حتى الرمق الأخير من حياته الزاخرة بالنضال والشفافية والصدق والجرأة الاستثنائية، كان أول من تولى منصب ” رئيس الأساقفة” الانجيلين في بلاده منذ العام 1986، وهو الذي قاد بعد انشاء النظام الديمقراطي في العام 1994 ” لجنة الحقيقة والمصالحة” تحت جناح مانديلا الذي انتخب رئيسا للبلاد، وذلك لطي صفحة الحرب والتمييز العنصري المقيتة، ولكن ليس عن طريق العفو الشامل بلا محاسبة ( كما حصل في لبنان) وانما من خلال الاستماع الى شهادات الضحايا والجلاّدين ومحاكمة من لا يحق له الحصول على عفو.

من خلال هذه اللجنة التي صارت نموذجا لكل مصالحة عبر العالم بعد الحروب والويلات، جرى فتح تحقيقات عميقة في الجرائم ضد الإنسانية التي جرت بين العامين 1960 و 1993، وتم جمع شهادات الضحايا في طول البلاد وعرضها، وذلك قبل تكليف لجنة أخرى ببحث طلبات العفو التي قدّمها جلاّدون سابقون. وكان أحد أبرز شروط العفو، هو ان يعترف الجاني بتفاصيل ما ارتكبت يداه.

ما ان انتهت اللجنة من السماع الى أولى الشهادات، حتى انهار الاسقف بالبكاء لهول ما سمع من رجل عجوز تعرّض لكل أنواع القمع والظلم على يد نظام الفصل العنصري، وقال الأسقف الشهير آنذاك :” كنت أعتقد نفسي قويا لقيادة هذا العمل، لكني في الواقع لست كذلك”.

وحين بدأت التحقيقات مع السيدة ويني مانديلا طليقة المناضل الكبير نلسون مانديلا حول ما ارتكبت هي الأخرى، لعب الاسقف دورا حاسما في الحصول على بعض اعترافاتها. وكان له ما أراد، وطلبت السيدة مانديلا منه العفو والصفح.

أصيبت دسموند توتو بالسرطان، لكنه شُفي منه، واستمر في مناهضة كل اشكال الفساد والفقر وانعدام العدالة التي استمرت حتى بعد الديمقراطية، وهو الذي قال في العام 2011، أي بعد عامين فقط من وصول جاكوب زومبا الى رئاسة جنوب افريقيا :” أخشى أن نصل الى يوم نبدأ الصلاة فيه لهزيمة المؤتمر الوطني الافريقي” أي الحزب الذي ناضل سابقا للإطاحة بنظام الفصل والتمييز العنصري.

وحين رفضت قيادة زومبا السماح للدالاي لاما صديق الاسقف توتو الدخول الى جنوب افريقيا ومشاركته عيد ميلاده، لعدم ازعاج الصين، قال بصراحته المعهودة :” ان حكومة المؤتمر الوطني باتت أسوا من نظام الفصل العنصري، ذلك اننا ما ذاك النظام كنا نتوقع سوء معاملة كهذه”، ولم يتردد في وصف الرئيس زومبا بأنه ” عار على الأمة” بسبب عدد من الفضائح التي لاحقته.

يُشار الى ان الرجل الذي وصف بأنه ” الضمير الأخلاقي لجنوب افريقيا” هو أبن مُدرّس، ولد وترعرع في منطقة تبعد 150 كيلومترا عن جوهانسبورغ، وكان ثاني رجل في جنوب افريقيا بعد البرت لوثولي الرئيس السابق للمؤتمر الوطني الافريقي ،يحصل على جائزة نوبل للسلام في العام 1984 ، أما مانديلا فقط حصل على نوبل في العام 1993.

لا شك أن بفقده، تفقد افريقيا والعالم، رجلا انسانيا، ومناضلا حقيقيا كرّس حياته لمحاربة الظلم أينما كان.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

27 كانون الأول 2021 21:39