جورج بكاسيني

24 شباط 2022 | 17:29

كتب جورج بكاسيني

عن رياض سلامة... و"الطليان"‏!

في أدبياتنا اليومية مَثَل شعبي لبناني هو الأكثر تداولاً : "الحق على ‏الطليان". هذا المَثَل العابر ‏للمناطق والطوائف والحدود أيضا وصولا ‏الى آخر بقعة في دنيا العرب، يرمز الى شغف التهرّب ‏من المسؤولية ‏ورميها على الآخرين. هكذا درجت العادة في بيروت وفي عواصم عربية ‏كثيرة ‏اعتادت على رمي مسؤولية أي فشل على الآخرين، من دون ‏التجرّؤ على الاعتراف بخطأ واحد ‏أو إجراء نقد ذاتي يحدّد المسؤوليات ‏بموضوعية.‏

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واحدٌ من ضحايا هذه الثقافة المتفشّية ‏في المؤسسة السياسية ‏اللبنانية. رغم تثبيت سعر صرف الدولار أكثر من ‏ربع قرن، وحصوله على عشرات الجوائز ‏العالمية بوصفه أحد أنجح ‏حكام المصارف المركزية في العالم، وصولا الى تمكّنه من ‏هزيمة ‏‏"السوق السوداء"، منذ شهرين، بمجرّد توفّر جزء محدود من ‏العملات الصعبة، استفاقت نظرية ‏‏"الحق عالطليان" ‏لتُلصِق كل موبقات ‏المؤسسة السياسية برياض سلامة. ‏

كل المكوّنات السياسية التي عاثت في البلاد فساداً وتعطيلاً وشعبويةً ولم تأخذ ‏بملاحظات الحاكم، ‏وآخرها ‏حول سلسلة الرتب والرواتب، اجتمعت على ‏تحميل سلامة المسؤولية، حتى إذا فشلت في ‏إيجاد ‏دليل واحد يُدينه ‏ضلّلت الرأي العام بشائعات عن دعاوى دوليّة ضدّه، سرعان ما تبيّن ‏أنها ‏مجرّد ‏‏"إخبارات" صُنِعت في غرف سوداء بقصد تشويه السّمعة ‏ليبقى "الحق عالطليان". ‏

لم يقرّ أي من المكوّنات السياسية المُشار إليها بإلزام البرلمان حاكم مصرف لبنان بتمويل العجز الدائم في الموازنات المتعاقبة ، وبرفض هذا البعض المستدام ‏للإصلاحات المطلوبة في ‏قطاع ‏الكهرباء، كإنشاء الهيئة الناظمة، والذي ‏يُكلّف هدراً سنوياً بقيمة ملياري دولار حتّى بلغت ‏الكلفة ‏أكثر من خمسين ‏ملياراً (نصف الدين العام). كما لم ‏يقر بعض فروع "الثورة" الآتية ‏من ‏أحضان الأحزاب الشمولية بما جنته أيديها عندما اضطرّت المصارف ‏الى الإقفال لمدة أسبوعين ‏‏(العام 2019)، قبل أن يكتمل نصاب الإنهيار ‏مع تخلّف حكومة حسان دياب عن تسديد سندات ‏‏"اليوروبوندز" الذي ‏يعني عملياً إعلان إفلاس لبنان ، لتُحرم الجمهورية من العملات ‏الصعبة ‏ويُطلق العنان لانهيار الليرة.‏

وأكثر وأكثر تجاهل بعض هذه المكونات، وهو يشحذ القضاء والقوى ‏الامنية لتوقيف رياض ‏سلامة، أنه شريك كامل في قرارات مصرف لبنان ‏من خلال ممثليه في المجلس المركزي الذين ‏تناوبوا على "بصم" القرار ‏تلوَ الآخر بدون تحفّظ. كما تجاهل التقدير الإستثنائي لـ"مهنية" ‏حاكم ‏مصرف لبنان من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ‏أوج المفاوضات الجارية بين ‏الحكومة اللبنانية والصندوق في إطار ‏‏"خطة التعافي".‏

ولعلّ كل هؤلاء تجاهلوا عن سابق تصوّر وتصميم كل الحقائق والأرقام ‏والحيثيات التي تدحض مزاعمهم المتناسلة ضدّ الحاكم خصوصاً مع انطلاق حملاتهم الإنتخابية استعداداً للاستحقاق النيابي ‏المقبل، وقد غرقت في مستنقعات الشعبوية التي فاقت مثيلاتها في كل ‏أرجاء المعمورة. ‏

مثلُه مثل كثيرين سبقوه، يدفع رياض سلامة ضريبة النجاح والإنجاز، ‏تماماً كما يدفع اللبنانيون ثمن اختيار ممثلين لهم لا يتقنون إلاّ الفشل ‏وهدر الكفاءات والمليارات ورمي المسؤولية على الآخرين ، على أمل ألاّ يطال فشلهم الميمون أيضاً.. ‏احتياطي الذهب. ‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

جورج بكاسيني

24 شباط 2022 17:29