14 آذار 2022 | 12:38

أخبار لبنان

‏" نداء الوطن ".. أم "الندامة"!‏

‏

كتب جورج بكاسيني





قبل يومين من إقفال باب الترشيحات، وشهرين من موعد الانتخابات النيابية، تَلَت ‏منظومة المزايدة على الرئيس سعد الحريري "فعل الندامة"، ووقفت أمام كرسي ‏الاعتراف تتلو الاعتراف تلو الآخر بما جنتهُ أيديها على امتداد سنوات. ‏

هذا باختصار ما جاء في مقال الزميل بشارة شربل، رئيس تحرير الزميلة "نداء ‏الوطن"، في الصفحة الأولى صباح اليوم، مُذيّلة بتوقيعين: الأول للزميل شربل من ‏يمين الصفحة، والثاني من يسارها للمرشد الروحي والسياسي للصحيفة الدكتور ‏سمير جعجع. ‏

نصّان يكمّل أحدهما الآخر، ليكتمل نصاب الصورة التي نَضَحت بكل مآسي هذه ‏المنظومة التي ارتكبتها بأيديها، ركضاً على الأقدام، منذ خمس سنوات بالتمام ‏والكمال. ‏

ما كلّل الصفحة الاولى من "نداء الوطن" صباح اليوم غيض من فيض حال العجز ‏الذي بلغه أركان المنظومة المذكورة، الحاضرون منهم والغائبون، ليعود كلاهما الى ‏المربع الأول: "الحق على سعد الحريري".‏

ولأنهم لا يملكون جرأة الأخير بالاعتراف "حيث لا يجرؤ الآخرون"، لجأوا مرة ‏أخرى الى تحميل الحريري المسؤولية متجاهلين عن سابق تصور وتصميم أن ما ‏أوصلهم الى ما هم في قعره الآن هي أيديهم هم أنفسهم وليس سعد الحريري.‏

إن تهمة "سوء الحسابات" التي ألصقها الزميل شربل بالرئيس الحريري لا تنطبق ‏سوى على أركان المنظومة نفسها، التي لم تَكد تُنجز عدّة "ترحيل" الحريري عن ‏الشأن السياسي اليومي، بدءاً بالسعي الدؤوب الى استقالته وحكومته، مرورا بالدأب ‏نفسه لعدم عودته الى السراي، وصولا الى نعي حالته السياسية والشعبية تحت ‏عنوان "أن تيار "المستقبل" انتهى"، حتى استفاقت على حقيقة أن كل شعاراتها ‏الرنّانة التي شنّفت آذان اللبنانيين، وآخرها القدرة على تأمين الأكثرية النيابية لا ‏يمكن أن تتم من دون الحريري أولاً. ‏

ومن دون أن ننسى شعار "جعجع زعيم السنّة" أو "الممثّل الشرعي الوحيد للمملكة ‏العربية السعودية في لبنان"، لم ينسَ اللبنانيون مسلسل التقارير التي تناوب أركان ‏المنظومة على تدبيجها ضد الحريري، وتسابقوا على تضليل أهل الخليج ودولاً ‏عظمى بما بثّوه فيها من سموم وشائعات حمّلت رئيس "المستقبل" مسؤولية ‏موبقاتهم، حتّى إذا صدّق أهل الخليج ما جاء في التقارير المذكورة وانكفأوا عن ‏لبنان عاد جعجع ليناشدهم العودة إليه، على صفحات "نداء الوطن" نفسها. ‏

باختصار شديد انقلب السحر على الساحر. اكتشف أركان المنظومة المشار إليها ‏قبل أسابيع من موعد الانتخابات أن الأكثرية التي أوهموا الجمهور بقدرتهم على ‏الحصول عليها من سابع المستحيلات من دون الحريري. ولأن هؤلاء ببساطة، ‏وبالتكافل والتضامن، يريدون أن يرِثوا سعد الحريري، لم يتردّدوا في الطلب منه، ‏بوقاحةٍ غير مسبوقة، أن يطلب من جمهوره التصويت للوائحهم بذريعة تأمين ‏الأكثرية السيادية المزعومة. هم يريدون من مفتي الجمهورية والرئيس فؤاد ‏السنيورة وجمهور "المستقبل" أن يتصدّروا المواجهة مع أنفسهم.‏

ما جاء في "نداء الوطن" اليوم نداء إستغاثة بسُنّة لبنان على حساب زعامتهم ‏، وبالخليج العربي أيضاً ، والمطلوب واحد: تأمين مفاتيح إنتخابية لمعراب من الداخل ‏والخارج. أيّ نداء هذا الذي يناشد مفتي الجمهورية اللبنانية وجمهور الحريري أن ‏يقولوا "كفى لعباً يا شيخ". ‏

أليس في ذلك خفّة سياسية من الطراز الرفيع ودعوة الى دقّ أسافين بين القيادات ‏التي يناجيها، وإعلان صريح عن فقدان التواصل مع جمهور واسع من اللبنانيين. ‏

فات هؤلاء جميعاً، وأوّلهم من كان يدعو الحريري الى "التقيّد بمزاج جمهوره، أن ‏الأخير قد فَعَل، وأنه مثلما لازم الصمت في ذكرى اغتيال والده في 14 شباط ‏الفائت، تاركا لجمهوره التعبير على طريقته، هو أيضا لا يتدخل لمنع جمهوره أو ‏حثّه على مقاطعة الانتخابات أو عدمها. هو أراد ببساطة النزول عند رغبة أركان ‏المنظومة التي طالما اتهمته بوجود "هوّة" بينه وبين جمهوره وناشدته مراراً ‏الامتثال لرأي الجمهور. وطالما أن هذا الجمهور كما يعبّر بوسائل مختلفة، مقتنع ‏بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات، مثله مثل زعيمه، فإن الأخير باقٍ باقٍ باقٍ ‏على امتثاله لقرار الجمهور.‏

وأخيرا وليس آخرا، لا بد من تذكير الزميل، وهو صحافي محترم وكاتب مرموق ‏ومهني من عائلة صحافية مشهود لها وصديق أيضا، أن في متن الصحيفة نفسها ‏عشرات الأخبار والمقالات التي خالفت ما جاء في مقاله اليوم. ‏

والقرّاء يتذكّرون بالتأكيد الاتهامات التي طالت الحريري ، مثل "ضعفه" في مواجهة الرئيس ميشال عون و"حزب الله" أو "عدم رضى" ‏المزاج السنّي عن أدائه، أو ميل هذا المزاج لجعجع أو من يعادله؛ أما ما ورد في ‏المقال عن "ثروة الحريري الشخصية"، فيجدر بكاتبه أن يسأل أركان المنظومة ‏عنها، من دون أن ينسى التعريج على أسباب تسليم الأكثرية لـ"حزب الله" وأبرزها ‏إثنان: ‏

‏1-‏ ‏"تفاهم معراب" الذي أعلنه جعجع بالصوت والصورة في اللحظة التي كان ‏الحريري يدعم ترشيح سليمان فرنجية. ‏

‏2-‏ قانون الانتخاب المسخ الذي وُلد من رحم رفض جعجع وحلفاء الحريري في ‏‏14 آذار لقانون الستين وتمسّكهم بالنسبيّة (ملاحظة: يمكن مراجعة الوزير السابق الدكتور أحمد فتفت ووقائع معاتبته جعجع في ‏هذا الصدد).. وللبحث صلة. ‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

14 آذار 2022 12:38