كتب جورج بكاسيني
قبل يومين من إقفال باب الترشيحات، وشهرين من موعد الانتخابات النيابية، تَلَت منظومة المزايدة على الرئيس سعد الحريري "فعل الندامة"، ووقفت أمام كرسي الاعتراف تتلو الاعتراف تلو الآخر بما جنتهُ أيديها على امتداد سنوات.
هذا باختصار ما جاء في مقال الزميل بشارة شربل، رئيس تحرير الزميلة "نداء الوطن"، في الصفحة الأولى صباح اليوم، مُذيّلة بتوقيعين: الأول للزميل شربل من يمين الصفحة، والثاني من يسارها للمرشد الروحي والسياسي للصحيفة الدكتور سمير جعجع.
نصّان يكمّل أحدهما الآخر، ليكتمل نصاب الصورة التي نَضَحت بكل مآسي هذه المنظومة التي ارتكبتها بأيديها، ركضاً على الأقدام، منذ خمس سنوات بالتمام والكمال.
ما كلّل الصفحة الاولى من "نداء الوطن" صباح اليوم غيض من فيض حال العجز الذي بلغه أركان المنظومة المذكورة، الحاضرون منهم والغائبون، ليعود كلاهما الى المربع الأول: "الحق على سعد الحريري".
ولأنهم لا يملكون جرأة الأخير بالاعتراف "حيث لا يجرؤ الآخرون"، لجأوا مرة أخرى الى تحميل الحريري المسؤولية متجاهلين عن سابق تصور وتصميم أن ما أوصلهم الى ما هم في قعره الآن هي أيديهم هم أنفسهم وليس سعد الحريري.
إن تهمة "سوء الحسابات" التي ألصقها الزميل شربل بالرئيس الحريري لا تنطبق سوى على أركان المنظومة نفسها، التي لم تَكد تُنجز عدّة "ترحيل" الحريري عن الشأن السياسي اليومي، بدءاً بالسعي الدؤوب الى استقالته وحكومته، مرورا بالدأب نفسه لعدم عودته الى السراي، وصولا الى نعي حالته السياسية والشعبية تحت عنوان "أن تيار "المستقبل" انتهى"، حتى استفاقت على حقيقة أن كل شعاراتها الرنّانة التي شنّفت آذان اللبنانيين، وآخرها القدرة على تأمين الأكثرية النيابية لا يمكن أن تتم من دون الحريري أولاً.
ومن دون أن ننسى شعار "جعجع زعيم السنّة" أو "الممثّل الشرعي الوحيد للمملكة العربية السعودية في لبنان"، لم ينسَ اللبنانيون مسلسل التقارير التي تناوب أركان المنظومة على تدبيجها ضد الحريري، وتسابقوا على تضليل أهل الخليج ودولاً عظمى بما بثّوه فيها من سموم وشائعات حمّلت رئيس "المستقبل" مسؤولية موبقاتهم، حتّى إذا صدّق أهل الخليج ما جاء في التقارير المذكورة وانكفأوا عن لبنان عاد جعجع ليناشدهم العودة إليه، على صفحات "نداء الوطن" نفسها.
باختصار شديد انقلب السحر على الساحر. اكتشف أركان المنظومة المشار إليها قبل أسابيع من موعد الانتخابات أن الأكثرية التي أوهموا الجمهور بقدرتهم على الحصول عليها من سابع المستحيلات من دون الحريري. ولأن هؤلاء ببساطة، وبالتكافل والتضامن، يريدون أن يرِثوا سعد الحريري، لم يتردّدوا في الطلب منه، بوقاحةٍ غير مسبوقة، أن يطلب من جمهوره التصويت للوائحهم بذريعة تأمين الأكثرية السيادية المزعومة. هم يريدون من مفتي الجمهورية والرئيس فؤاد السنيورة وجمهور "المستقبل" أن يتصدّروا المواجهة مع أنفسهم.
ما جاء في "نداء الوطن" اليوم نداء إستغاثة بسُنّة لبنان على حساب زعامتهم ، وبالخليج العربي أيضاً ، والمطلوب واحد: تأمين مفاتيح إنتخابية لمعراب من الداخل والخارج. أيّ نداء هذا الذي يناشد مفتي الجمهورية اللبنانية وجمهور الحريري أن يقولوا "كفى لعباً يا شيخ".
أليس في ذلك خفّة سياسية من الطراز الرفيع ودعوة الى دقّ أسافين بين القيادات التي يناجيها، وإعلان صريح عن فقدان التواصل مع جمهور واسع من اللبنانيين.
فات هؤلاء جميعاً، وأوّلهم من كان يدعو الحريري الى "التقيّد بمزاج جمهوره، أن الأخير قد فَعَل، وأنه مثلما لازم الصمت في ذكرى اغتيال والده في 14 شباط الفائت، تاركا لجمهوره التعبير على طريقته، هو أيضا لا يتدخل لمنع جمهوره أو حثّه على مقاطعة الانتخابات أو عدمها. هو أراد ببساطة النزول عند رغبة أركان المنظومة التي طالما اتهمته بوجود "هوّة" بينه وبين جمهوره وناشدته مراراً الامتثال لرأي الجمهور. وطالما أن هذا الجمهور كما يعبّر بوسائل مختلفة، مقتنع بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات، مثله مثل زعيمه، فإن الأخير باقٍ باقٍ باقٍ على امتثاله لقرار الجمهور.
وأخيرا وليس آخرا، لا بد من تذكير الزميل، وهو صحافي محترم وكاتب مرموق ومهني من عائلة صحافية مشهود لها وصديق أيضا، أن في متن الصحيفة نفسها عشرات الأخبار والمقالات التي خالفت ما جاء في مقاله اليوم.
والقرّاء يتذكّرون بالتأكيد الاتهامات التي طالت الحريري ، مثل "ضعفه" في مواجهة الرئيس ميشال عون و"حزب الله" أو "عدم رضى" المزاج السنّي عن أدائه، أو ميل هذا المزاج لجعجع أو من يعادله؛ أما ما ورد في المقال عن "ثروة الحريري الشخصية"، فيجدر بكاتبه أن يسأل أركان المنظومة عنها، من دون أن ينسى التعريج على أسباب تسليم الأكثرية لـ"حزب الله" وأبرزها إثنان:
1- "تفاهم معراب" الذي أعلنه جعجع بالصوت والصورة في اللحظة التي كان الحريري يدعم ترشيح سليمان فرنجية.
2- قانون الانتخاب المسخ الذي وُلد من رحم رفض جعجع وحلفاء الحريري في 14 آذار لقانون الستين وتمسّكهم بالنسبيّة (ملاحظة: يمكن مراجعة الوزير السابق الدكتور أحمد فتفت ووقائع معاتبته جعجع في هذا الصدد).. وللبحث صلة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.