كتب محمود القيسي:
"لبنان"، دولة حديثة العهد في المشرق العربي (بلاد الشام أو سوريا الطبيعية) أنشئ وفقاً لاتفاقية سايكس - بيكو بين الحكومتين البريطانية والفرنسية ١٩١٦، وأعلن إنشاؤه باسم "دولة لبنان الكبير" في الأول من أيلول - سبتمبر علم ١٩٢٠، ثم باسم "الجمهورية اللبنانية" في ٢٣ أيار - مايو عام ١٩٢٦.. ومرّ لبنان، بعد تأسيسه عام ١٩٢٠ بثلاثة مراحل رئيسية هما: مرحلة الانتداب الفرنسي، ومرحلة الاستقلال ومرحلة الحرب الأهلية اللبنانية والتي تعتبر من اخطر مراحل لبنان الوجودية. الحرب الأهلية، أو المرحلة الثالثة كما يطلق عليها في التاريخ اللبناني تاريخياً.
.. تسلم الرئيس "سليمان فرنجية" الحكم، فألغى الشهابية برمتها، وسعى، في الوقت نفسه، إلى التقرب من المقاومة الفلسطينية، فذهب إلى الأمم المتحدة ليلقي فيها باسم العرب كلمة فلسطين (عام ١٩٧٤)، ولكن، ما ان عاد، حتى بدأت المؤامرة الكبرى تذر قرنها في كل أنحاء لبنان. ففي ١٣ نيسان ١٩٧٥ وعلى أثر مجزرة ارتكبها حزب الكتائب اللبنانية ضد مدنيين فلسطينيين كانوا في حافلة مارة في الضاحية الشرقية من بيروت (عين الرمانة) قُتل كل ركابها، نشبت حرب مدمرة بين الأحزاب الوطنية واليسارية اللبنانية وتنظيماتها المسلحة والتي شكلت، فيما بعد، الحركة الوطنية والتقدمية اللبنانية، والمتحالفة مع المقاومة الفلسطينية من جهة، وبين اليمين المسيحي اللبناني بزعامة القادة الموارنة الثلاث، بيار الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية، وكميل شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار، وسليمان فرنجية رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس تنظيم "المردة" الزغرتاوي، وباقي التنظيمات اليمينية المسيحية المسلحة والتي شكلت، فيما بعد، الجبهة اللبنانية وذراعها (القوات اللبنانية) بقيادة بشير الجميل.. حزب القوات اللبنانية حالياً بقيادة سمير جعجع.
انتهت ولاية الرئيس فرنجية عام ١٩٧٦ والحرب الأهلية كانت ما زالت مستعرة، الحرب الأهلية اللبنانية هي حرب أهلية متعددة الأوجه، والتي استمرت فعلياً من عام ١٩٧٥ إلى عام ١٩٩٠، وأسفرت عن مقتل ما يقدر بـ ١٢٠ ألف شخص. وما يقرب من ٦٧ الف شخص تشردوا داخل لبنان في ذلك الوقت. كما كان هناك أيضا نزوح لما يقرب من مليون شخص من لبنان نتيجة للحرب.. أما الأسباب الحقيقية لهذه الحرب فيمكن تلخيصها بما يلي:
- تزايد الشعور لدى فريق من الشعب اللبناني وإحساس هذا الفريق بالغبن المزمن والمستمر تجاه الهيمنة الفئوية الطائفية.
- نفوذ المقاومة الفلسطينية في لبنان، والذي تجلى في عهد الرئيس حلو باتفاقية القاهرة.
- مبادرة اليمين المسيحي اللبناني المسلح لوقف نمو هذين الشعور والنفوذ بقوة السلاح.
انتخب الرئيس الياس سركيس رئيساً للجمهورية اللبنانية خلفاً للرئيس سليمان فرنجية، في شتورة في نيسان - ابريل عام ١٩٧٦ وذلك لتعذر اجراء الانتخابات في العاصمة بيروت، وفقاً للعرف الدستوري، بسبب استمرار الحرب الأهلية وتفاقمها، وتسلم سركيس مقدرات الحكم في ٢٣ أيلول - سبتمبر من العام نفسه، وقد بدأ عهده بمؤتمر قمة مصغر عقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية في تشرين الأول - اكتوبر عام ١٩٧٦ وانتىهى بإقرار إرسال "قوات ردع عربية" إلى لبنان بقيادته شخصياً. وقد أوكل إلى العميد في الجيش اللبناني سامي الخطيب قيادة هذه القوات نيابة عنه، واستمرت هذه القوات بقيادة العميد الخطيب حتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، هذا الاجتياح الذي جرى في ظله انتخاب الأخوة بشير ثم أمين الجميل، بالتتالي، عام ١٩٨٢، رئيساً للجمهورية اللبنانية. كما لم تجر أية انتخابات نيابية في عهد الرئيس سركيس نهائياً.
اغتيل بشير الجميل، رئيس الجمهورية المنتخب، بعد نحو عشرين يوماً من انتخاب (١٩٨٢/٩/١٤) وقبل أيام من موعد تسلمه منصب الرئاسة، فخلفه شقيقه أمين الجميل في (١٩٨٢/٩/٢٣) رئيساً لجمهورية منقسمة على نفسها، ومستمرة في حرب مدمرة، دون ان يتمكن من طرد المحتل الاسرائيلي من جنوب لبنان أو من اعادة توحيد البلاد تحت سلطته وانهاء الحرب الأهلية المستمرة في تلك الحقبة من تاريخ الجمهورية اللبنانية.. يمر لبنان الان بمرحلة من اصعب مراحل وجوده، اذ يتوقف على نتيجتها بقاؤه، كياناً موحداً، أو تقسيمه إلى كيانات متعددة، أو تقاسمه، ونعني بهذه المرحلة: مرحلة عهد حلف "الممانعة"، وجهنم العوينة الرئاسية.. والسياسية.
تتم مناقشة مفهوم وتعريف "الحقيقة" في "ويكيبيديا" ومعظم مراكز البحوث والدراسات ضمن عدة مجالات منها الفلسفة والفن واللاهوت والعلوم. تعتمد معظم الأنشطة البشرية على المفهوم، حيث تُفترَض طبيعتها كمفهوم بدلاً من أن تكون موضوعاً للمناقشة، وهذا يشمل معظم مجالات العلوم والقانون والصحافة والحياة اليومية. يرى بعض الفلاسفة مفهوم "الحقيقة" على أنه بسيط وأساسي وغير قابل للتفسير بأي شكل يُسهّل فهمه أكثر من مفهوم "الحقيقة" نفسه. ينظر البعض إلى "الحقيقة" على أنها تناسب بين افتراض وواقع مستقل، في ما يسمى أحيانا نظرية التوافق "للحقيقة".
لا تزال النظريات والآراء المتنوعة عن "الحقيقة" موضع نقاش بين العلماء والفلاسفة واللاهوتيين. تعتبر اللغة هي الوسيلة التي ينقل بها البشر المعلومات بين بعضهم البعض. ويطلق على الطريقة المستخدمة لتحديد ما إذا كان شيء حقيقياً اسم معيار "الحقيقة". هناك مواقف متباينة حول أسئلة مثل ما الذي يشكل "الحقيقة"، وما هي الأشياء التي تحمل "الحقيقة"، وكيفية تعريف وتحديد وتمييز "الحقيقة"، وما هي الأدوار التي يؤديها الإيمان والمعرفة التجريبية في ذلك؟ وما إذا كانت "الحقيقة" يمكن أن تكون ذاتية أو موضوعية بمعنى "الحقيقة" النسبية مقابل "الحقيقة" المطلقة.
في ذكرى الحرب "الأهلية اللبناني ١٩٧٥-١٩٧٦ التي يصادف اليوم ١٣ نيسان تاريخ الرصاصة الأولى والضحية الأولى.. والتي، وبكل أسف ما زالت "مجهولة الهوية" والنسب.. مجهولة الأسماء والمسميات فيما يعود إلى أهداف تلك الحروب وتداعياتها المستمرة حتى يومنا هذا.. الحرب والحروب التي ما زال أمراؤها المحليين احياء يحكمون.. أمراء حرب يحاضرون في العفة السياسية ودم الضحايا.. ويعدون العدة ألى الخامس عشر من شهر ايار القادم.. تاريخ الانتخابات النيابية القادمة.. تاريخ الاسماء والمسميات.. تاريخ الضحايا والذبح على الهوية المذهبية والطائفية في إحدى أخطر فصول تلك الحرب والحروب العبثية. ها نحن مرة اخرى يعود بنا التاريخ إلى الوراء على إيقاع "طبول" المأساة والمهزلة الوجودية.. الوجودية. في هذا اليوم، الوجودي بإمتياز..
هذه الذكرى.. الذكرى المستمرة.. الحقيقة الوحيدة المستمرة.. أنصح كل المهتمين، وكل من يعنيهم الآمر في هذه العبثية السياسية "الديمقراطية" وحروبها الديمقراطية "التوافقية".. قراءة كتاب جيمس ستوكر "ميادين التدخل".. هذا الكتاب هو دحض للرواية السائدة حالياً في لبنان عن سبب ومسار الحرب الأهليّة اللبنانية وأمراء حروبها في الداخل اللبناني والخارج.. كما أنصح بقراءة كتاب Reinoud Leenders - “Spoiles Of Truce” corruption and state-building in postwar Lebanon.. في محاولة لاستكشاف بعض حقيقة تلك الحروب وأمراء طوائفها.. وحفاري قبورها.. في محاولة للإضاءة على بعض جوانبها المظلمة.. والمظلمة جداً. في محاولة لفك بعض حروف العلة في حروبها وطلاسم حروفها وحروبها.. أو القاء الضوء مجدداً.. ومجدداً.. ومجدداً، على أسماء وحوشها.. أو أسماء، أمراء حروبها.. أو في اقل تقدير، أسماء الوحوش الاحياء.. الوحوش الاحياء في حروبها السابقة.. وحروبها القادمة..!!!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.