كتب محمود القيسي:
"هَذَا دَربِي أَولُهُ الكَلِمَةْ..
هَذَا لَيليِ يَتَهَجَّد بهِ الصَالِحُونَ ..
وَدَمِي..
هَذَا الهَارِبُ أَبَدَاً
يَتَعَشَّقُ مَملَكَةَ النُّورِ
وَأَقَالِيمِي يَنْبُوعٌ يَتَغَوَّرُ فِي الجَلمُودِ
وَفِيَّ سَبَبُ الظُلُمَاتْ".
*الشاعر نَصيرِ الشَّيخ (عُشبَةُ الرُّوح)
في كتابه "نقطة زرقاء باهتة"، مزج العالم الفلكي "كارل ساجان" بين الفلسفة حول مكان الإنسان في هذا الكون.. والمعرفة "الحالية" عن نظامنا الشمسي هذا، وموقعنا في هذا النظام والانتظام. كما شرح بالتفصيل الرؤية البشرية للمستقبل.. مستقبل الإنسان الكوني في *الصورة المرفقة "اعلاه"مع مقالي هذا؛ هي صورة فوتوغرافية لكوكب الأرض التقطها المسبار الفضائي فوياجر 1 في 14 فبراير 1990 من مسافة قياسية تبعد حوالي 6 مليارات كيلومتر عن الأرض.. والتي يصفها ساجان قائلاً: "لقد نجحنا في التقاط تلك الصورة.. وإذا نظرت إليها فسترى "نقطة" زرقاء باهتة. هذا هو كوكبنا ومنزلنا.. هذا نحن، كل من سمعت عنه، كل إنسان عاش على الإطلاق، عانى، كل خالق، كل مدمّر للحضارات، كل طفل متفائل، كل أم وأب، كل مخترع ومستكشف، كل سياسي فاسد، قائد أعلى، كل نبي وفيلسوف وقديس خاطئ في تاريخنا.. كل الذين عاشوا هناك، على ذرة من الغبار معلقة على خيطٍ رفيعٍ في شعاع الشمس".
يعتقد معظم علماء عصرنا الحديث في علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والفيزياء والرياضيات والتلوث والاوبئة والجراثيم والأمراض.. إن ثمة أسباب محددة وأسباب غير محددة قد تؤدي إلى نهاية هذا العالم وهلاك الكائنات الحية قاطبة كما جاء في معظم مراكز البحوث والدراسات العالمية الموثقة. وأبرز تقرير كتبه علماء جامعة أكسفورد في هذا المجال تناول اهم ثلاثة أسباب لنهاية الحياة على كوكبنا البنفسجي. السبب الأول استشراء أمراض مميتة مثل إيبولا وزيكا وكورونا، وهي أمراض يزيد من خطورتها عدم تمكّن العلماء والأطباء من اكتشاف ما يسببها. هذا ناهيك عن أمراض عديدة ما زالت غير معروفة.. أو ما زالت طي الكتمان في مختبرات الحروب الكيماوية والبيولوجية والجرثومية والبكتيرية. والسبب الثاني تغير المناخ تغيراً قاسياً. ويقول "أندرو وينستون"، مؤلف كتاب "المحور الكبير": استراتيجيات جذرية وعملية لمواجهة عالم أكثر سخونة في الكوارث والأعاصير والجفاف والزلازل والبراكين والسيول والفيضانات.. والاوبئة والأمراض وندرة في الموارد والاغذية والأدوية.. وفي عام 2017 توصل "تقرير المخاطر العالمية"، الذي يصدر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي"، والذي يجمع تقييمات من 750 عالما وخبيرا، إلى أن أحد أكبر مخاطر يواجهها العالم، هو أسلحة الدمار الشامل. اي السبب الثالث باحتمال نشوب الحرب العالمية الثالثة.. أو الحرب النووية الأولى.
وفقا للفيزياء "الكلاسيكية"، لا يمكن للطاقة الحركية في حالة جسيم ضمن صندوق أن تكون صفرا إلا إذا كانت قيمة السرعة صفرا. إلا أن نظرية "الكم" مع مبدأ عدم اليقين أو الريبة والشك كما يُعرُف موقع "واي باك مشين" النقطة-صفر والتي تنص على عدم قدرتنا على تحديد كلا من السرعة والموضع بدقة في نفس الوقت.. فتحديد قيمة السرعة بدقة يقتضي ارتيابا في الموضع غير محدود، هذا يقتضي ان نتخلى عن شرط الحفاظ على الجسيم ضمن الصندوق. لحل هذه المعضلة تقدم نظرية الكم حلا يقضي بمنع السرعة الدنيا من أن تأخذ القيمة صفر، وبالتالي منع الطاقة الدنيا من أن تأخذ القيمة صفر. يُشتق مفهوم طاقة النقطة صفر من فكرة معروفة في الميكانيك الكمومي، وهو العلم الذي يصف سلوك الجسيمات ذات الأبعاد الذرية. وخصوصاً، طاقة النقطة صفر في مبدأ الشك والريبة أو اللايقين وعدم التحديد للفيزيائي الألماني "فيرنر هايزنبرج"، وهو المبدأ الذي يقيد دقة القياس والسرعة . ففي عام 1927، أثبت هايزنبرج عدم إمكانية معرفة موقع جسيم ما وكمية حركته (زخمه) في آن واحد بدقة بالغة: فإن عُرِف الموقع تماما ظلت كمية الحركة "مجهولة" والعكس بالعكس. ولهذا لابُدّ للجسيم من الارتجاجات الشديدة في درجة الصفر المطلق: إذ إنه لو كان في حالة من الركود التام لعرفنا موقعه وكمية حركته في آن واحد وبدقة، ناقضين بذلك مبدأ الريبة والشك وعدم اليقين. في حين لا تزال نظرية الشك هذه ومبدأ اللأيقين تشكل تحدياً مفتوحاً في الشك المستمر.. وعدم اليقين.
نشرت صفحة "ترجمات"، وهي منصّة متخصّصة في ترجمة الأخبار والمقاطع والوثائقيات القصيرة، فيديو عمره 6 سنوات كما جاء في الصفحة لـ"جون ميرشايمر"، وهو باحث في العلاقات الدولية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو الأميركية. ويتحدث ميرشايمر في الفيديو قائلاً: "نشجع أوكرانيا على اللعب بقسوة تجاه روسيا ونقول لهم إنّكم ستصبحون جزءاً من الغرب وسنهزم فلاديمير بوتين وننتصر بطريقتنا، لكنّنا نقودهم إلى طريق الهلاك". اهمية فيديو البروفيسور ميرشايمر عن توريط أوكرانيا مع روس القياصرة.. على غرار توريط صدام حسين من خلال السفيرة الامريكية في إجتياح العراق، والتي تناولها الفيلم الامريكي Best Defense قبل سنوات من الاجتياح بالتفاصيل المملة.. ناهيك عن أحداث وتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك والتي كانت موضع الفيلم "المرعب" الأمريكي Arlington Road الذي عرض طريقة وأسلوب عمل الانتليجنسيا المخابراتية في "حبكة" تفجير برجي التجارة العالمية قبل عشرة سنوات من العمل الارهابي الاشهر في عصرنا الحديث تاريخيًا.. هذا دون ذكر سينما "فيتنام" الاميركية والبطل الامريكي في "تحرير" الشعوب.. بطل "هيغل" طبعاً.. وذلك دون أنتظار الأفلام الهوليودية القادمة عن اجتياح وحصار "كييف" والمدن الاوكرانية الأخرى.. حيث اننا نعيشها ونشاهدها كل يوم في بيوتنا ومنازلنا وبلداننا ومدننا المحاصرة ايضاً على بند.. أو "قانون" قيصر من هنا وقيصر من هناك.. وإلى أخر سلسلة أفلام هوليوود الغربية.. وهوليوود الشرقية. نعم، أيها السيدات والسادة فيديو عمره 6 سنوات يتحدث فيه بروفيسور على هذا المستوى الاكاديمي المرموق في إحدى أهم جامعات العالم عن الحروب الاستباقية وقتل الشعوب وتدمير المدن وتهجير الأطفال والنساء والشيوخ وإيصال دول ومجتمعات إلى السرعة الدنيا والطاقة الدنيا والقيمة-صفر وجودياً وانسانياً واخلاقياً.. وإلى أخر إعداد وإنتاج وإخراج أفلام الإمبرياليات السيكوباتية العليا في عروض الموت الهوليودية!
لقد أصبحت كل وسائط ووسائل وأدوات تطور وتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومشتقاتها سيدة اللعبة في صراع ولعبة الأمم من بداية الثورة الصناعية في مفهوم البرجوازية وتطورها منذ القرن السادس عشر حتى هذه اللحظات المخيفة والمصيرية في تاريخ البشرية كلها.. الصناعات التي لم تأخذ في الحسبان حاجات الآنسان والإنسانية في صلب تطورها وحاجاتها بل أصبح الانسان مجرد "جثة" في "مختبرات" اوليغارشيا الراسمالية العالمية ودولتها الكونية العميقة في وحدتها وصراعها وتراكمها السلبي في الكم والنوع والكم النوعي.. نعم، في وحدتها ضد المصالح الإنسانية وفي صراعها كذلك. لم يكن تسريب "فيديو" تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عن طريق الوسائط ذاتها مؤخراً سوى جزء لا يتجزء من لعبة هذه الأمم في وحدتها وصراعها المستمرة ضد الشعوب والأمم. الفيديو الذي تكشف الانتلجنسيا الروسية من خلاله بالأدلة الدامغة كما تدعي وتقول إنه لم يأتي بارتطام الطائرات كما نقلتها وكالات الانباء العالمية الكبرى كلها. بل جاء التفجير من داخل المبنيان. والطائرات كما شاهدها العالم أجمع بالصوت والصورة تضرب البرج الأول ومن ثم البرج الثاني لم تكن سوى وهم تم تصويره بتقنية الحياة المصورة والمجسمة Hologram.. اي صور افتراضية ثلاثية الأبعاد عبر التصوير بتقنية الهولوغرام. التي تتم من خلال تداخل أشعة الضوء والتي تعكس اشياء مادية حقيقية الى الهولوجرام. تحافظ الصور المجسمة على صورة الجسم باستخدام العمق والمنظر والخصائص الأخرى للعنصر الأصلي ثلاثي الأبعاد.في حين كانت كاميرات CNN بالتحديد جاهزة للبث الحي والمباشر على الهواء. على الرغم من مرور 30 عاما على هذا الحدث الدموي، لا تزال الأبحاث والدراسات وبالأخص نظريات المؤامرة، لا سيما بشأن هوية منفذي هذه الاعتداءات، قائمة، مع الانتشار المتنامي للأخبار الزائفة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. الحدث الدموي الذي أدى الى تدمير دول بأكملها وقتل وتشريد شعوب عانت وما زالت تعاني الأمرّين.. الفقر.. والموت. نعم، نعم، الفقر.. أو الموت برداً أو جوعاً.. أو بقرار سياسي أرعن.. أو بإصابة مباشرة من إحدى الصواريخ الذكية فوق رؤوس الأمم.. والشعوب المغلوبة.. المغلوبة على أمرها.
لقد دفعت "الحاجة" ام "الاختراعات".. الثورات العلمية الهائلة في تطورها الخارق معظم المفكرين والنخب إلى العمل الجاد على إعادة "إختراع" العالم.. اي ضرورة صياغته بصورة ومضمون "جديد" في ضوء التغيرات الكبرى التي حدثت، وفي مقدمتها واهمها أفول أو "موت" الدولة المعاصرة ( الدولة الوستفالية، نسبة إلى معاهدة وستفاليا الشهيرة عام 1648 ) وبداية مخاض ولادة "دولة" الحداثة و ما بعد الحداثة.. وصولاً إلى دولة الذكاء الاصطناعي، الافتراضية. هذه الدولة وبكل تجريد وواقعية، أصبحت "حقيقة" قائمة وفي متناول الجميع.. إنها تكنولوجيا الإنسان الآلي، أو "الروبوت" وأيديولوجيته الجديدة من جهة، في "تطور" لم يسبق له مثيل في تاريخ الأنسان.. والآلة. التكنولوجيا التي بدأت وبدون ادنى شك تحفر قبر العالم بسرعة "تقنية" تطورها في الجهة أو المقلب الأخر. والتي هي أسرع بكثير من حاجاتنا لها في تراكمها الكمي، والحقيقة المرعبة في تحولاتها النوعية ونوعية تراكمها في "سلبية" قاتلة.. سلبية الاحتمالات المشرعة على كل الاحتمالات… إنه السلاح الجديد والحروب الحديثة والمستحدثة، الحروب المبتكرة في إنتاج الموت.. السلاح الجديد في إنتاج وتجديد وتحديث التغول الراسمالي.. وفي اقصى سرعته، بمقاييس جد تقنية وحدود مطلقة في نسبيتها.. انه عصر الالة الأكثر تطوراً وتباعداً في مقاييس غير مسبوقة، بالقياس الى القدرات المسبوقة.. عصر الرأسمالية الأكثر فتكاً.. عصر إختفاء الملامح والهويات والتفاصيل القاتلة... عصر الاغتراب الذاتي والموضوعي، وبكل موضوعية.. عصر التباعد الاجتماعي بكل أشكاله وأنواعه الاجتماعية.. رغم تقارب المسافات.. في الزمان والمكان. اي في الزمان والمكان نفسه.. افتراضياً. أو كما يقول "ذيل" الأدب الأمريكي كما وصفته تاريخياً بروباغندا الدعاية والتحريض في وسائل ووسائط إعلام النيوليبرالية البرجوازية القديمة-الجديدة والمستجدة.. شاعر الواقعية السياسية "الوسخة" تشارلز بوكوفسكي: "ثمة أشياء أسوأ من أن تكون وحيداً.. ولكن غالباً ما يستغرق الأمر عقوداً لإدراك ذلك.. وفي أغلب الأحيان.. عندما تدرِكه.. يكون قد فاتك الأوان... وليس ثمة ماهو أسوأ.. من فوات الأوان"!
محمود القيسي
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.