كتبت ميرنا سرور:
للاستقلال الثاني أبٌ شرعي واحد هو رفيق الحريري، تلك حقيقة دامغة لا يمكن أن ينكرها عاقل، ومثير للسخط والسخرية في آن ما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في الذكرى السابعة عشر للخروج السوري، من محاولات لتزوير التاريخ وقلب الوقائع. فعلى ما يبدو كانت "الحاجة الإنتخابية أمّ التلفيق" بالنسبة لشخصيات اعتبرناها يومًا "سيادية"، وسواء كان ما قرأناه نتاج متلازمة فقدان الذاكرة أم محاولة فاشلة للاستثمار السياسي، فإن الأمر يقتضي التصويب.
صحيح أن القرار 1559 سبق اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بستة أشهر، ولكن الصحيح أيضًا أن بند الانسحاب الذي نص عليه هذا القرار كان ليبقى حبرًا على ورق في أدراج مجلس الأمن لولا الاغتيال، تمامًا كما غيره من بنود القرارت الأخرى الصادرة حول لبنان والتي لم تطبق حتى اليوم.
وصحيح أن معارضة لبنانية بوجه الاحتلال السوري كانت بدأت تتشكل منذ عام 2000 إثر نداء بكركي الشهير الداعي إلى الانسحاب السوري، غير أن هذه المعارضة لم تصبح وازنة الا بانضمام رفيق الحريري علنًا وصراحةً الى صفوفها. فبعد التمديد للحود على وقع تهديد بشار الأسد له بأن "إما التمديد وإما أكسر لبنان على رأسك ورأس جنبلاط" بدأ الحريري بالاصطفاف علنًا الى جانب هذه المعارضة بإعلانه رفضه تشكيل حكومة لا تشارك فيها "قرنة شهوان"، وعندها فقط شعر السوريون "بالسخن".
وصحيح أن السوري خرج على وقع صرخات مليون ونصف المليون لبناني نزلوا الى الشوارع مطالبين بـ"حرية، سيادة، استقلال" وهاتفين "ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني" في 14 آذار، ولكنه صحيح أيضًا أنه لولا 14 شباط لما كان 14 آذار، ولولا اللقاء الذي عُقد في قريطم عشية الإغتيال وتجرؤ وليد جنبلاط على توجيه أصابع الإتهام الى النظام السوري مباشرةً، لما انتفض اللبنانيون بوجه الوجود السوري، ولما كانت "ثورة الأرز" ولما كنّا سمعنا صوت معظم "السياديين" الذين سطع نجمهم حينها، وباتوا اليوم يزايدون على الحريرية وإنجازاتها.
وصحيح كذلك أن الخروج السوري كان نتاج تقاطع الإرادة الشعبية مع القرار الدولي، ولكنّه صحيح أيضًا أن هذا القرار ما كان ليكون لولا أن رفيق الحريري وظف علاقاته الخارجية لصالحه. فهذا القرار اتضحت ملامحه خلال قمة عُقدت في النورماندي الفرنسية بين الرئيسين الفرنسي جاك شيراك والأميركي جورج دبليو بوش. هذه القمة كانت مخصصة للبحث بمسائل تهم البلدين، وإذ بلبنان ومن خارج السياق يحضر في توصيات القمة، حيث دعا الرئيسان بوش وشيراك إلى احترام الدستور اللبناني وانتخاب رئيس جديد للبنان. وهذا الإعلان أغضب السوريين الذين أدركوا أن الحريري يقف وراءه، نظرًا لعلاقة الصداقة التي تربطه بشيراك.
ما ذُكر من سردٍ للوقائع التاريخية أعلاه ليس سوى محاولة لمساعدة جمهورٍ متقوقع بطائفيته على تخطي متلازمة فقدان الذاكرة، لعلهم كلّما نسوا، أو تناسوا عمدًا، يعودون إليه ويتذكرون أنه لولا دماء رفيق الحريري لما خرج السوري من لبنان، ولا خرج المسجون من سجنه، ولا كانت ثورة أرزٍ، ولما نزل مليون ونصف مليون لبناني الى الشوارع صارخين "حرية، سيادة، استقلال".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.