28 نيسان 2022 | 20:29

منوعات

زمان يا رمضان: إحياء "الجمعة اليتيمة".. من جامع "عمر بن العاص" إلى ‏‏"الأزهر الشريف"‏

زياد سامي عيتاني*‏



رمضان دمعي للفراق يسيل ‏

والقلب من ألم الوداع هزيل

رمضان إنك سيدٌ ومهذبٌ ‏

وضياء وجهك يا عزيز جليل

أبيات شعرية تعبر عن الحزن والأسى الذي كان يشعر به الصائمون مع إقتراب ‏شهر رمضان المبارك من إنقضائه، وكانت أبرز مشاعر اللوعة والشجن على ‏قرب فراقه يُعبر عنها في آخر يوم جمعة من الشهر المعظم، التي كانوا يطلقوا ‏عليها "الجمعة اليتيمة"!!!‏

وكغيرها من العادات والتقاليد الرمضانية، فإن إحتفالية "الجمعة اليتيمة" هي ‏مصرية المنشأ.‏

إذن، فقد أطلق المسلمون على أخر جمعة من شهر رمضان المبارك، إسم "الجمعة ‏اليتيمة"، وهم يسمونها بذلك لأن لا جمعة تليها ولا أخت لها في الشهر الفضيل، ‏وعلى الرغم من عدم وجود أصل شرعي لها،(هذه التسمية هي مجرد سلوك ‏إجتماعي مرتبط بالعادات والتقاليد الراسخة)، إلا أن كثيراً من المسلمين يحتفلون ‏بها ويحيونها بتأدية صلاة الجمعة اليتيمة" في المساجد، حيث يخصص الخطيب ‏خطبته على فضائل الشهر الكريم والتحسر على قرب إنقضائه، ويلي صلاة الجمعة ‏تواشيح وإبتهالات تودع الشهر المعظم، يطلق عليها "توحيش رمضان" (من ‏الوحشة)، وسط مشاعر اللوعة والحسرة على قرب رحيل الضيف العزيز...‏

‏***‏

‏•أصل التسمية:‏

يرجع البعض تسمية آخر جمعة من رمضان باسم "الجمعة اليتيمة" بهذا الاسم؛ ‏لأنها لا أخت لها بعدها في هذا الشهر، وكانت الحشود الهائلة تجتمع من ذي قبل ‏لأداء الصلاة بأول مساجد مصر وأفريقيا المعروف بـ "المسجد العتيق" أو بـ "تاج ‏الجوامع" الشهير بـ " مسجد عمرو بن العاص"، حيث كانت تحضر إليه من جميع ‏أنحاء القاهرة وأحيانا من خارجها.‏

‏**‏

‏*الصلاة في جامع عمر بن العاص:‏

وكانت الحشود الهائلة تجتمع من ذي قبل لأداء الصلاة بأول مساجد مصر وأفريقيا ‏المعروف بـ "المسجد العتيق" أو بـ "تاج الجوامع" الشهير بـ " مسجد عمرو بن ‏العاص"، حيث كانت تحضر إليه من جميع أنحاء القاهرة وأحيانا من خارجها، ‏وكان حكام مصر من الأسرة العلوية يحافظون على هذا التقليد من سنة 1805 – ‏‏1952، حيث يصلون صلاة الجمعة اليتيمة في هذا المسجد الشهير، وكان الخليفة ‏في العصر الفاطمي يصلي هذا اليوم في هذا المسجد أيضا، وكان يتم فرشه المسجد ‏بفرش خاص من الحرير، وتعلق على المحراب ستارتان من الحرير الأحمر ‏عليهما عدد من قصار السور، وكان قاضي القضاة يقوم بتبخير المنبر بأجود أنواع ‏البخور بواسطة مبخرة مصنوعة من الفضة المطعمة بالذهب، ويأتي الخليفة في ‏موكب مهيب يرتدي ملابس بيضاء اللون استعدادا لصعود المنبر وإلقاء الخطبة، ‏وفقا لما جاء في كتاب (شهر رمضان فى الجاهلية والاسلام) أحمد المنزلاوي‎‏.‏

‏**‏

‏•حكام مصر يحرصون عليها:‏

ظل أداء صلاة الجمعة اليتيمة بأحد المساجد الكبرى بالقاهرة من التقاليد الملكية ‏والرئاسية لسنوات طويلة، ربما تأثراً بالوجدان الشعبي الذي يحرص على صلاة ‏آخر جمعة في رمضان قبل توديع الشهر وإنتظاره لسنة كاملة.‏

فقد كان حكام مصر، لا سيما في العهد الملكي حريصين على أن يؤدوا تلك الصلاة ‏‏"الجمعة اليتيمة"، إعتادت الأسرة العلوية في مصر قيادة شعبها فى صلوات الجمعة ‏والأعياد وليلة ثبوت الرؤية في رمضان وليلة القدر والجمعة الأخيرة من رمضان.‏

وكان الملك فاروق من أكثر ملوك أسرة محمد علي التزاماً بالصلاة مع المواطنين ‏بالمسجد خاصة اليوم الأول من رمضان، حيث كان يوجه كلمة تهنئة إلى الشعب ‏بقدوم رمضان، وكذلك أيام الجمع والأعياد والجمعة الأخيرة من رمضان التي كان ‏يقوم بصلاتها عادة في مسجد "عمرو بن العاص" بالفسطاط.‏

وكانت هذه الجمعة تحظى باهتمام الملك والشعب، وكان الموكب الملكي يتقدمه ‏خيالة الحرس الملكي، وتسير حوله وتتعقبه في نهايته الفرسان، وتجر العربة ‏الملكية 8 خيول، وكانت العربة مغلقة ولها نوافذ من الكريستال، ويستقلها الملك ‏وخلفه كبير "الياوران"، وتتبعها عربات رئيس الوزراء والوزراء والحاشية ‏الملكية.‏

وبعد ذلك أصبحت المواكب الملكية تتكون من السيارات وحولها الموتوسيكلات.‏

وفي يوم من الأيام صودف بين مناسبتين، هما "الجمعة اليتيمة" وليلة القدر، صلى ‏الملك فاروق الجمعة فى "جامع عمرو بن العاص". ‏

‏**‏

‏•نجيب يحافظ عليها بعد الثورة:‏

بعد ثورة يوليو مباشرة أدى الرئيس محمد نجيب "الجمعة اليتيمة" في "الأزهر ‏الشريف"، وهو نفس المسجد الذي إختاره الرئيس جمال عبد الناصر، والذي يعتبر ‏الرئيس الأكثر مواظبة على الإحتفال بهذا اليوم طوال سنوات حكمه.‏

فقد أدى أول رئيس جمهورية في تاريخ مصر صلاة الجمعة اليتيمة في جامع ‏‏"الأزهر" عام 1953 ، وكانت هذه هي أول مرة يؤدي فيها الرئيس "الجمعة ‏اليتيمة" في الأزهر.‏

‏**‏

‏•ناصر يواظب عليها في "الأزهر": ‏

أما ثاني رئيس جمهورية في تاريخ مصر ، جمال عبد الناصر قام بتأدية صلاة ‏الجمعة اليتيمة عام 1955 في "الأزهر الشريف".‏

ففي 28 مارس 1960، كأنما أُغلقت القاهرة على أهلها لأجل تلك الساعات التي ‏حافظ "ناصر" على مداومتها كتقليد متبع ومتوارث من عصر الملكية.‏

أما في 30 رمضان 1379، فقد صورت إحدى الصحف المصرية مشهدية أداء عبد ‏الناصر آخر صلاة جمعة من رمضان على الشكل الآتي: في الطريق إلى مسجد ‏‏"الأزهر"، كان المشهد إستثنائياً، الحشود على الصفين في إنتظار ظهور ناصر ‏الذي يخرج من بيته في سيارته المكشوفة لأداء صلاة الجمعة الأخيرة في شهر ‏رمضان وسط الشعب.‏

موكب كبير، جانب منه رسمي، وآخر شعبي. أما الأول فصف درجات بخارية ‏وسيارات تقل المصاحبين له، أما الثاني فاصطفاف أهالي المناطق التي يمر عليها ‏الرئيس على الطرقات، وآخرين وجدوا لهم موضع رؤية أوضح من الشرفات، ‏الجميع يلوح كأنما ناصر يمر خصيصاً لتحيته.‏

يصل ناصر "الأزهر"، ينتظره وفد من الحكومة وفي المقدمة أنور السادات، وإمام ‏الأزهر، يستقبله الرئيس في صوان نُصب لهذا اليوم، يدخل الرئيس ويمر بين ‏المصلين ممن حظوا بفرصة التواجد هذه الجمعة، رجال التأمين حاضرين، لكن لا ‏أحد يقف حاجزًا بينهم والرئيس إن أرادوا إلقاء التحية".‏

ظل الأزهر قبلة ناصر لأعوام، لم يخالف وجهته في رمضان، إلا عام 1961، ‏توجه حينها إلى مسجد "السيدة زينب".‏

‏**‏

‏•السادات لم يحيها!:‏

كان الرئيس أنور السادات يقضي أغلب شهر رمضان في مسقط رأسه فى قرية ‏ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية.‏

وكان الرئيس أنور السادات يقضي الأسبوع الأخير من رمضان فى سيناء معتكفا ‏متعبداً قارئا للقرآن.‏

لذلك، لم يسجل للرئيس مشاركته في إحياء "الجمعة اليتيمة"، على غرار أسلافه.‏

‏**‏

‏•الفلسطينيون يعتكفون في الأقصى:‏

وفي فلسطين يتجمع الآلاف لصلاة "الجمعة اليتيمة" في آخر يوم جمعة من رمضان ‏بالمسجد الأقصى، ويحرصون على الإعتكاف في المسجد ليلة الجمعة وصلاة ‏التراويح والفجر، وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية التعسفية التي تفرضها ‏سلطات الأحتلال الغاشم!!! ‏

فالمقدسيون يحرصون على التجمع والصلاة في المسجد الأقصى في هذا اليوم، ‏وغالباً ما يتحول إحياءهم لهذا التقليد مواجهات مع العصابات الصهيونية، حيث ‏يؤكدون من خلال تصديهم للإحتلال إصرارهم على الرباط دفاعاً عن الهوية ‏العربية للقدس الشريف أولى القبلتين، في مواجة تهويدها وصهينتها...‏

‏**‏



‏*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

28 نيسان 2022 20:29