11 أيار 2022 | 08:02

أخبار لبنان

لماذا تأجّلت زيارة البابا فرنسيس الى لبنان؟

لماذا تأجّلت زيارة البابا فرنسيس الى لبنان؟

منذ اللحظة الأولى، كانت الشكوك تَحوط زيارة البابا فرنسيس للبنان. ‏فصحيح أنّ الكرسي الرسولي “وافق” على الإعلان عن موعدها في ‏حزيران، كما تمنّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولكن في خلفية ‏الوعد الفاتيكاني شرطٌ يصعب تحقيقه وسط مناخات التوتر الدولية ‏والإقليمية، وفي ظل الطاقم الموجود حالياً في السلطة.‏

يقول خبير في شؤون الكرسي الرسولي، إن الأسباب الصحية لتأجيل ‏الزيارة في محلّها تماماً. فالبابا يحتاج إلى تدخُّل جراحي في مفاصل ‏الركبة لم يعد ممكناً تأجيله. وهو سيكون ملزَماً باستراحة تدوم أسابيع، ‏قبل أن يعود إلى مزاولة أنشطته الجسدية. ويستحيل عليه أن يقوم بزيارة ‏لبنان في هذه الفترة.‏

ولكن، قبل أن يدخل العامل الصحي على الخطّ، كانت زيارة البابا ‏مرشَّحة بقوة للتأجيل، لأسباب أخرى. ومنذ اللحظة الأولى التي أعلنت ‏فيها مصادر القصر الجمهوري عن الزيارة، في حزيران، أصيب ‏المسؤولون في الكرسي الرسولي بالمفاجأة، وسارع مدير الموقع الرسمي ‏للفاتيكان ماتيو بروني إلى القول: «الزيارة مجرد فرضيَّة، وهي قيد ‏الدراسة».‏

ولكن، لاحقاً، ولضرورات معينة، تمّ التأكيد أنّ الزيارة ستحصل في ‏حزيران. لكن دوائر الفاتيكان لم تُبدِ أي حماسة في التحضير لها، خلافاً ‏لما يجري عادةً في مثل هذه الحالات، إذ تبدأ التحضيرات العملانية قبل ‏أشهر. وهذا يعني أنّها لم تكن تتعاطى مع الأمر بكثير من الجدّية.‏

والواضح أنّ الجانب اللبناني، الرسمي والكنسي، تَحسَّس هذه البرودة ‏الفاتيكانية، وأدرك أنّ احتمالات حصول الزيارة ضعيفة. وهذا الأمر ‏يمكن ملاحظته في مستوى التحضيرات الرسمية والكنسية.‏

إذاً، ما هي دوافع الفاتيكان لإعلان القبول بموعد الزيارة، ما دام يميل ‏إلى تأجيلها، قبل أن يطرأ العامل الصحي؟

الخبير في الشأن الفاتيكاني يقول: عندما قام عون بزيارة الفاتيكان، شرح ‏للبابا ما يعانيه لبنان من أزمات تهدِّد كيانه، بتأثير من الصراعات ‏الإقليمية والدولية، وشرح له ما يهدّد المسيحيين من أخطار على وجودهم ‏ومستقبلهم، وتمنّى عليه أن يزور لبنان قريباً، فيكون ذلك جرعة دعم ‏معنوية.‏

وقد استمع البابا إلى شروحات عون باهتمام. والفاتيكان يولي وضع لبنان ‏ومسيحيي المشرق كثيراً من العناية والمتابعة. وقد طرح أسئلة عمّا ‏سيفعله طاقم السلطة في لبنان لإخراج البلد من الأزمة، خصوصاً بعد ‏الانتخابات النيابية التي يتردّد أنّها يمكن أن تشكّل فرصة لتغيير ذهنية ‏الحكم والتخلُّص من الفساد. وقد شاركه الرئيس عون هذا الاهتمام والأمل ‏بحصول التغيير في الانتخابات.‏

وبناءً عليه، أبدى البابا تجاوباً لزيارة لبنان في حزيران، علماً أنّ القرار ‏بالزيارة متخذ أساساً في الفاتيكان، والمطلوب فقط تحديد الموعد ‏المناسب، أي المناخات التي ستظلل هذه الزيارة. وإذا كانت الانتخابات ‏النيابية ستحمل تغييراً في الذهنية التي يُدار بها لبنان، والمبادرات الدولية ‏والإقليمية ستسهل الخروج من الأزمة، فمن الممكن أن تحصل الزيارة ‏بعد الانتهاء من ورشة الانتخابات، وقبل انتهاء ولاية عون.‏

هذه تحديداً هي حدود «الوعد» الذي قطعه البابا أمام عون. ولاحقاً، أكّده ‏عبر السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتيري في الرسالة التي سلَّمها ‏إلى رئيس الجمهورية مطلع نيسان الفائت. ومجيء البابا يشكّل فرصة ‏ثمينة لتلميع صورة العهد وإظهار حدّ أدنى من الثقة فيه، مقابل الانزلاق ‏اللامتناهي نحو قعر الهاوية.‏

وللتذكير، قبل شهر، كان هناك رهان على إيجابياتٍ وتسوياتٍ إقليمية ‏ودولية، خصوصاً في ما يتعلق بالتسوية مع إيران وتحقيق إنجاز في ‏المفاوضات الحدودية مع إسرائيل، ما يساهم في إنجاح المبادرات، ‏ولاسيما المبادرة الفرنسية، ويفتح الطريق أمام حوار بين اللبنانيين ‏برعاية إقليمية ودولية.‏

لكن تَحوُّل الحرب في أوكرانيا إلى استنزاف، أعاق التسويات الدولية ‏كلها. ومن سوء حظّ اللبنانيين، أنّ أياً من القوى المتصارعة في لبنان لن ‏يتخلّى عن ورقة يمتلكها، ولن يقدّم أي تنازل في أي مكان، بما في ذلك ‏لبنان. ولذلك، يبدو مسدوداً أفق المبادرات في المسألة اللبنانية حتى ‏إشعار آخر.‏

وهذا يعني أنّ «ستاتيكو» السلطة القائم اليوم لن يتبدّل في الانتخابات ‏النيابية، وسيبقى القرار الأكبر في يد إيران. وعلى العكس، في ظلّ هذا ‏التجاذب العنيف، سيحاول الإيرانيون الاحتفاظ بمزيد من المكاسب على ‏الساحة، ما ينعكس استمراراً لمناخ الانهيار وفساد الطبقة السياسية ‏والفوضى.‏

وهذا المناخ ليس ملائماً على الإطلاق لمجيء البابا إلى لبنان. والفاتيكان ‏يتجنّب أن تؤدي زيارات البابوات إلى تكريس الواقع الشاذ في بلدٍ معيّن، ‏أو إلى مباركة الفساد والظلم والفوضى. وفي العادة، تكون زياراتهم ‏بمثابة إعلان عن بدايات الانفراج.‏

ووفق هذه النظرة، يبدو أنّ الانفراج في لبنان ليس قريب المنال، إلّا إذا ‏تحقَّقت معجزة. وعلى الأرجح، الفاتيكان نفسه لم يعد يصدِّق أنّ لبنان ‏يمكن أن يشهد المعجزات، ما دامت تتحكَّم به الشياطين!‏




الجمهورية - طوني عيسى

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

11 أيار 2022 08:02