24 حزيران 2022 | 07:40

أخبار لبنان

التفاهمات المسبقة لا تزال سيدة القرار

أظهَر تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مجددا تشكيل حكومة انّ التفاهمات ‏المسبقة لا تزال سيدة القرار في العمل السياسي اللبناني، وإن أدرجَ ‏البعض الـ٥٤ صوتاً التي نالها ميقاتي في خانة «التكليف الضعيف» ‏إلّا انه استفاد من تشتت المعارضة وعدم اجماعها على قرار موحد ‏من جهة، ومن جهة ثانية اكد رغبته في تحمّل المسؤولية وخبرته في ‏ادارة الازمات وشجاعته في لعب دور الانتحاري، وهي صفات ‏سجّلت له نقاطاً على اي مرشح منافس له يتملّكه خوف كبير من ان ‏تبتلعه رمال لبنان المتحركة اذا لم يكن له سند قوي اقليمي ودولي، ‏وهذا هو الحال في ظل تَرك لبنان لقدره…‏

ودعت مصادر سياسية واكبت الاستشارات الى التوقف عند ‏‏«اشارات في منتهى الاهمية» أفرزتها المواقف السياسية للكتل ‏النيابية، وقالت لـ»الجمهورية» انّ «اصطفاف الكتل وتَوزّع ‏الاصوات هو مَدار نقاش وقراءة معمقة: أولاً الحزب التقدمي ‏الاشتراكي سمّى نواف سلام، «القوات اللبنانية» لم تسمّ، «حزب ‏الله» سمّى ميقاتي، لا صوت درزيا سجّل في خانة ميقاتي، تَمايز في ‏موقف تكتل «لبنان القوي» بخروج النائب محمد يحيى عن قراره مسمياً ‏ميقاتي، كذلك نواب الارمن الثلاثة، انقسام نواب التغيير (١٠-٣)، ‏حصول ميقاتي على عدد جيد من اصوات النواب السنة وعلى ١١ ‏صوتاً من الاصوات المسيحية… اما الاخطر، تضيف المصادر، فهو ‏انّ المنافس الاقوى لميقاتي كان «اللاأحد»، اي اذا كان هذا اللاأحد ‏هو المرشّح ‏x‏ لكان من الممكن ان تطيح المعارضة بمرشح السلطة ‏وتتحوّل الى اكثرية لأنّ أوراق اللاأحد بلغت ٤٦، اي بفارق ٨ ‏اصوات عن ميقاتي، ولو أُعطي 30 منها لنواف سلام لكان يمكن ان ‏يصبح الاخير رئيساً مكلفاً».‏

‏ وحول الميثاقية، اكدت المصادر انّ «الميثاقية هي فقط في التأليف لا ‏في التكليف ولا في الثقة بالحكومة، وهذا الامر سقط من الاهتمامات ‏في احتساب نوعية الاصوات وتوزّعها على الطوائف، فوحده ‏التشكيل يحتسب على الميثاقية الثابتة عرفاً وحتى دستوراً كمناصفة». ‏

وإذ رأت المصادر «انّ سيناريو التأليف يمكن ان يمون على غرار ‏حكومة تصريف الاعمال الحالية»، تخوّفت في الوقت نفسه من «ان ‏يشكّل آخر توقيع لعون في عهده قبل ان ينهي ولايته عائقاً امام ولادة ‏الحكومة اذا لم يتفاهم ميقاتي مع باسيل، وهنا نكون قد دخلنا في أزمة ‏صلاحيات وفراغ مفتوح على مستوى كل السلطات».‏

‏ وقالت مصادر الفريق الذي سمّى ميقاتي لتأليف الحكومة ‏لـ«الجمهورية» انه مع المجلس النيابي الجديد بات معروفاً انّ منطق ‏الارقام في الاختيارات اصبح من زمن الماضي، وبالتالي باتت العبرة ‏في تثبيت النجاح وليس في عدد الارقام، وهذا ما انطبقَ على يوم ‏الانتخابات الطويل في مجلس النواب، اي على انتخاب رئيس المجلس ‏ونائبه وهيئة مكتب المجلس، كذلك تكرّس هذا الامر في انتخابات ‏رؤساء اللجان النيابية واعضائها والمقررين، حيث انتصر التوافق ‏على لغة الارقام. ‏

امّا الواقعة الثالثة فكانت في «الاستشارات النيابية الملزمة امس التي ‏انتهت بتسمية ميقاتي الذي فرضَ نفسه خياراً متقدماً غير قابل ‏للكسر». وفي معلومات لـ«الجمهورية» انّ بوانتاجات عدة أجرتها ‏‏«القوات اللبنانية» مع حلفائها الاقليميين على مدى الايام الثلاثة التي ‏سبقت يوم الاستشارات وظهرَ فيها ميقاتي متقدماً على السفير نواف ‏سلام بأكثر من 5 اصوات. ويضاف الى ذلك اتصالات مصرية ـ ‏اردنية أدّت الى مغادرة خيار هزيمة جديدة محققة لـ«القوات» ‏وحلفائها، وهذا ما أدى الى قرار سريع بالتراجع عن خيار المواجهة ‏وترك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في خياره وحيداً ‏مع حزب الكتائب و10 نواب تغييريين بعد ان تم توريطه ابتداءً».‏

واضافت هذه المصادر انّ ميقاتي الذي فُوجىء بموقف جنبلاط الذي ‏أيّد نواف سلام، فإنه على رغم من ذلك ومن ملاحظات جنبلاط على ‏اداء حكومته الاخيرة، واعتماداً على إمساكه، أي جنبلاط، بورقة ‏الميثاقية الدرزية كاملة وتَفهّماً منه (اي ميقاتي) للاحراج الذي طبعَ ‏الخيارات الجنبلاطية الاخيرة، فإنه من الواضح انه سيتم تجاوز واقِع ‏ما جرى وسيَحتكر جنبلاط التمثيل الدرزي في الحكومة الجديدة اذا ‏قُدّر لها ان تشكّل».‏

‏ ‏

ورأت المصادر نفسها «أنّ «القوات» بخيارها تحاول ان تحافظ على ‏هوامش تعطيل بادعاءاتها انها ترغب في ان تمثّل وهي في هذه ‏الخطوة تحافظ على حضورها في مواجهة «التيار الوطني الحر» ‏وتمنع احداً من الاستئثار بالتمثيل المسيحي، وفي الوقت نفسه تكون ‏مساهمة في عرقلة حكومة ميقاتي، و«القوات» بهذه الطريقة تبقى ‏على تماس مع معركة انتخابات رئاسة الجمهورية التي تشكّل الهَم ‏الاكبر لدى رئيسها الدكتور سمير جعجع غير المقتنع بأنه فقدَ فرصته ‏في الوصول الى رئاسة الجمهورية».‏

امّا على صعيد التيار الوطني الحر فتقول المصادر «انّ موضوع ‏‏«التيار الوطني»، والذي يمكن ان يكون المخرج له اعادة إنتاج ‏الحكومة الحالية مع بعض التغييرات في الاسماء المسيحية والسنية ‏والدرزية، وهذا يُمَكّن حكومة ميقاتي، اذا ولدت، من ان تتجاوز ‏الامتحان الاصعب على طريق الولادة وهو توقيع رئيس الجمهورية ‏لمرسوم تأليفها».‏

ولفتت المصادر ايّاها الى «ان ليس هناك من شك في انّ الاصوات ‏الـ 26 للثنائي الشيعي والاصوات السنية الـ 16 هي الاساس الصلب ‏الذي اتّكَأ عليه ميقاتي الرابع للعودة الى رئاسة الحكومة. وفي ‏المحصّلة هزيمة جديدة تلقّاها «السياديون» و«التغييريون» في ‏المجلس الجديد مُضافاً اليهم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تَجرّع ‏الهزيمة إماّ بِفَخ، او بقرار ذاتي من نفسه، وهذه النتيجة مع ما سبقها ‏تؤكد ان موازين القوى الحقيقية هي التي تحكم توازنات البرلمان ‏الجديد».‏

وفي نهاية اليوم الطويل أبدَت مصادر قريبة من رئيس الجمهورية ‏لـ«الجمهورية» ارتياحها الى انجاز الاستحقاق الدستوري الخاص ‏بالاستشارات النيابية الملزمة، والذي تم وفق الترتيبات التي وضعت ‏لهذه الغاية وانتهت الى ما انتهت اليه بطريقة طبيعية جداً لم تحمل اي ‏مفاجآت على الاطلاق.‏

وقالت هذه المصادر انّ رئيس الجمهورية وجّه الى الذين استشارَهم ‏سؤالاً واحداً: من تسمّون لتأليف الحكومة العتيدة؟ وكانت الاجوبة ‏متطابقة مع ما أعلن من على منصة القصر الجمهوري امام ‏الاعلاميين.‏

وعمّا رافق بعض اللقاءات، قالت المصادر انه أثناء لقاء عون ‏والنواب «التغييريين» الذين شاركوا في وفد واحد كما رغبوا ذلك ‏وليس بمِثل ما تَضمّنه برنامج الاستشارات، سَمع منهم كلاما واضحا. ‏وعندما أبلغ انّ 10 منهم سمّوا سلام من أصل 13، طلبَ عون منهم ‏تسمية مَن رفض هذه الصيغة، فأبلغ بالأسماء الثلاثة لتدوينها على ‏لائحة عدم التسمية.‏

مقارنة

‏ وفي مقارنة لاستشارات الامس مع استشارات التكليف لتأليف ‏الحكومات السابقة في عهد الرئيس ميشال عون، فإنّ الرئيس سعد ‏الحريري نال 112 صوتًا عند تكليفه في 3 تشرين الثاني 2016 ‏وألّف حكومة استقالت في أيار 2018 بسبب الإنتخابات النيابية. ثم ‏نال 111 صوتاً عند تكليفه في 24 أيار 2018 وشكّل حكومة ‏استقالت إثر ثورة 17 تشرين في العام 2019. ثم كُلّف الرئيس حسان ‏دياب بـ 69 صوتاً في 19 كانون الأول 2019 وشكّل حكومة ‏استقالت في 10 آب بعد انفجار مرفأ بيروت. بعده كُلف السفير ‏مصطفى أديب بـ 90 صوتاً لكنه لم يتمكّن من تشكيل الحكومة. ثم ‏كلّف الحريري مجدداً بـ 65 صوتاً إلّا أنّه أيضاً لم يَتمكن من تأليف ‏حكومته، ليُكلّف ميقاتي بعده بـ 72 صوتاً واستقالت حكومته التي ‏تصرّف الاعمال حالياً في 21 أيار الفائت إثر إنجازها الانتخابات ‏النيابية وتسلّم المجلس النيابي الجديد مهماته.‏





الجمهورية

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

24 حزيران 2022 07:40