4 آب 2022 | 10:44

منوعات

في ذكرى "إعدام" مرفئها.. متى تقوم بيروت من تحت "الردم"؟!

في ذكرى



كتب: زياد سامي عيتاني

لم يعد بمقدورنا أن نتحرر من الحقيقة الحتمية المؤكدة، بعد صراع مكتوم بين الأمل والخيبة، وبين الأحلام والأوهام، حتى نكتشف ونستنتج بما لا يقبل الشك والتأويل وحتى المكابرة، موت مدينة الحياة، بعدما حجب عنها عمداً وقصداً كل مقومات ومصادر الحياة!!!

**

باتت مدينة بلا حياة وبلا روح...

مدينة منكوبة، مهزومة، مخنوقة، مأسورة، محاصرة، محبطة، بائسة، يائسة، مستسلمة لقدرها ولموتها المنتظر!

لم تعد تتسع للحياة، للفرح، للعيش، للأمل، للشمس للنجوم!

أصبحت مرتعاً للإحباط، للحزن، للهزيمة، للسقوط للإنكسار، للباكين، للوجوه المتجهمة والعيون الباكية، للتائهين، للمشردين والغرباء داخل مدينتهم، المعلقون بين حياة مهددة وموت متوقع!

باتت مدينة دون أن تكون مدينة، هي مخزن لنيترات الأمونيوم، وعنبر للجحيم، وحفرة للموت، وساحة تضيق بها المقابر، وفضاءاً لطوابير الذل والمهانة على أبواب المصارف والأفران ومحطات الوقود والصيدليات، وشوارع للمتسولين والزعران والشبيحة اللصوص المستقوين بأحزابهم البائدة!

وحدها الآلام والجراح والمأساة والمعاناة والأهوال المتجددة والمتمددة والمتزايدة صامدة ثابتة تكاثراً وتعاظماً!

**

لقد تحملت ما لم تتحمله مدينة...

فتحت قلبها وذراعيها قبل بيوتها لكل ملهوف ولاجئ ومضطهد.. كانت ملاذهم الآمن، والحضن الدافء للذين ضمتهم إليه بحرارة المحبة والعطف، الذين كانوا محرومون منها، وفتحت أمامهم الآفاق واسعة، كي ينطلقوا ويحققوا ذاتهم التي كانت مسلوبة منهم، أو معتقلة في زنزانات الحرمان والإجحاف والتعسف...

حملت وتبنت قضاياهم عن قناعة، وناصرتهم بفعل إيمان.. تصامنت، تظاهرت، ناضلت، جاهدت، ثارت، تمردت، قاومت.. سطرت الملاحم البطولية الأسطوية في التصدي للغزاة على ثغور الرباط، وفي ساحات النضال الوطني.. صمدت بعزة وشموخ وعنفوان.. لم تستلم، ولم تعرف الوهن، ولا الضعف، ولا الخنوع...

**

في المقابل.. كيف كوفئت!؟ وكيف عوملت من ناكري فضلها!؟ وكيف ردوا لها الجميل!؟

جميع الجاحدين فاقدي الوفاء والأحاسيس والمشاعر، تخلوا عنها، أداروا لها ظهورهم، غدروا بها، طعنوها بسهامهم المسمومة حقداً وكراهية، تعاملوا معها إما ببلادة وخمول، وإما عدائية أومناوئة.

حوربت، وحوصرت، وإحتلت، وإستبيحت، وفجرت، ودمرت، وحطمت، ونهبت، وشوهت، وإستنزفت، وإبتزت، وقوضت، وقضمت، وبترت.. حتى خُطِفت من أهلها وأحبتها، وفَقَدت كل معالمها وملامحها، وزُوِّر تاريخها المجيد، وشوه وجهها الجميل الساحر، وإنطفأ نورها المتوهج، وحجبت شمسها المشعة، ومنع قمرها من إضاءة ليلها المظلم!

**



بعد كل هذه الأثقال والأوزار، التي تعجز الجبال تحملها.. ها هي بيروت المرثية في أسوأ أوقاتها، دون قدرة على منعها من الذهاب إلى ما تخشى عواقبه، باتت عاجزة هذه المرة، أن تنهض من تحت الأنقاض، وأن تنفض عنها غبار الغدر والحقد والخيانة والغيرة والتخاذل، وأن تجري الدماء في عروقها، وأن يخفض قلبها الحياة، لتعيد تجديد نفسها وحضورها، وأن يعود قلبها المتوقف للخفقان، وتجري الدماء في عروقها المتيبسة، وأن تدب فيها الروح مجدداً!

**

لقد سقطت وتلاشت إلى غير رجعة كل رهاناتنا المفتعلة، وإنهار رجاءنا، بأن بيروت، مدينة لا تموت!!!

فها هي بيروت.. ماثلة أمام أعين المحبين والحاقدين.. منهكة، متعبة، متحللة، مرمدة، متهالكة، مهزومة، ومستسلمة، كجثة هامدة بلا روح، بعدما أجهدتها الحروب والغزوات والتفجيرات، وأنهكتها العذابات والأنكال، وأثقلتها الأحقاد والضغائن، وأضنتها الكراهية والبغضاء، وأوهنها القهر والإضطهاد!!!

هذا واقع بيروت، بعد إجتثات كل مقومات الحياة منها، حتى صارت مدينة ميتة هالكة، تتناتش الوحوش الكاسرة الجشعة بشهوانيتها الغريزية ما تبقى من جيفتها!

لقد فقدت ذاتها، وحلتها، وتاريخها، وعصرها، وزمانها، وهويتها، ووظيفتها، ودورها، ومجدها، وإزدهارها، وحاضرها ومستقبلها!!!

*

في ذكرى تفجير بيروت المزلزل، لن تتمكن كل الوقفات التضامنية، ولاخطابات الإستنكار والشجب

الإستعراضية، ولا التحركات الإحتجاجية الفارغة، ولا حتى.. بكاء ونحيل أهالي الضحايا الثكالى، من إعادة الروح ونبض الحياة إلى قلب جسدها الخامد من شدة القهر والعهر!

بيروت مدينة ميتة.. تنتظر إعلان وفاتها المؤجل!

لقد نفذ بكل وقاحة قرار إعدام بيروت!!!

وها نحن العاجزون المتقاعسون المتخاذلون، نودع بيروت.. بما لا يليق بها!

علينا أن ننعي ضمائرنا.. قبل أن ننعي مدينتنا!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 آب 2022 10:44