كتبت ايناس تميم:
لا تستدرك اللحظة إلا حين انقضائها،
وهذا ما حدث لي،
عصر يوم الأحد الواقع في ثلاث عشرة من شهر تشرين الثاني من سنة ألفين واثنين وعشرين، كنت على موعد مع أخي عمر الذي مضى فترة من الزمان من اللقاء الأخير.
نحن في السنتين الأخيرتين انتقلنا إلى العيش في إسطنبول أنا وأخواتي، لكن لا نقطن في نفس المنزل أو الحي نفسه، يبعد منزلي عن منازلهم حوالي الساعة والنصف أقل بقليل أكثر بقليل حسب وسائل النقل العامة.
لذلك يتعذر علينا اللقاء يوميا، المهم في عصر ذلك اليوم كنا على موعد للقاء.
هاتفني بعد خروجي من المنزل بعشر دقائق أكثر بقليل، كنت على موعد على الغذاء مع أحد الأصدقاء، لكن بسبب التوقيت ما بين موعد الغذاء وموعد اللقاء آثرت بالطبع اللقاء.
كان أخي في منطقة أخرى تقع في القارة الآسيوية بينما أنا أنتظره في الجزء الأوروبي، بعد تلك المحادثة اتفقنا بأن يستقل القطار ليصل إلى منطقة ينكابيه" Yenikapı" وبالتالي القطار الثاني وتم اللقاء.
بينما أنا كنت أقترح عليه أن يستقل الباخرة وبالتالي هناك قطار صغير يسمى “füniküler”، فينوكولير ويصل إلى الساحة وأكون أنا في انتظاره، الحمد لله لم يأخذ برأي.
استقل القطار، وأنا في دوري ماطلت قليلا قبل الخروج من عند أصدقائي للقاء به، رغم أن الأصدقاء ألحوا علي بالخروج باكراً كي لا أتأخر عليه، والحمد لله بأنني أنا هذه المرة لم أخذ برأيهم حتى.
عند ولوجي الشارع والتوجه مشيًا نحو ذلك اللقاء كان هناك درج طويل رغم أنني اعتدته لكن هذه المرة كان مثل درج الحماية لي، لقد كان "نفسي" يتقطع وكان كل تفكيري بذلك النفس ففي المدة الأخيرة أعاني من حساسية مفرطة وحالات اختناق كثيرة، تلك الحالة أبعدت عني التفكير أو السماع لأي فوضى أو حالة أمر بها.
وفي آنٍ معاً، كان أخي يستقل القطار الذي يبعد عنه سماع أي صوت غير صوت القطار وضجته، طرأ على أخي فكرة أعلمني بها لاحقاً، بأنه وهو في القطار كان يفكر بأن ينزل بمحطة قبل محطة اللقاء وأن يتمشى صعود إلى وصول إلي، لكن أحس بالتكاسل وتراجع عن الفكرة، الحمد لله بأنه تكاسل.
عندما وصلنا سويا إلى نقطة نفسها، كان الجو غريب أصوات إسعاف وسيارات شرطة ومروحية للشرطة أيضا، الناس تركض بغير اتجاه أو تتسأل باستغراب، قبل ثوان من وصولي عند أخي، وردتني رسالة من صديقتي من لبنان "طمنيني أنت منيحة ؟" قرأتها نظرت عاليا التقيت بأخي، وأنا أرد برسالة صوتية "أنا منيحة بس قليلي شو في لان في سيارات إسعاف وشرطة والخبر يصل إليكم قبلنا"
وهذا ما حدث كان هناك انفجار على بعد دقائق لا تتعدى ٣ أو ٤ من الزمان، لو أنني لم أماطل لكنت أتمشى أنا وأخي في شارع الاستقلال، لو أنه لم يتكاسل لكن اللقاء في نصف شارع الاستقلال، لكن اللقاء كان في ساحة تقسيم في وسط حالة من الهرج المرج والاستغراب ونهاية المطاف طوقت الشرطة المكان وأقفلت وأخرجت الجميع من هنا، هذا ما حدث للقاء حرفياً.
السيناريو الثاني الذي لا يعرفه أحد،
بأنني إذا لم أتلق الاتصال الهاتفي من أخي بعد خروجي بعشر دقائق أكثر بقليل من منزلي، كان سيكون السيناريو على الشكل التالي:
في وقت انتظاره ليعود من منطقة ايسكودار” Üsküdar” كنت على موعد على الغذاء مع صديقي، ولكن كنا خططنا قبل الذهاب إلى ذلك الغذاء المرور إلى محل لتغيير قطعة كان قد اشتراها سابقا ولم تكن جيدة، وكنا سوف نعبر بطريقنا إلى ذلك الصراف المعتاد عليه، أين يقطع ذلك الصراف يا ترى أو ذلك الدكان؟
في نفس مكان الانفجار الذي حصل عصر ذلك اليوم، لكن هاتف أخي الذي وردني في تلك اللحظة جعلنا جميعا نتراجع عن ذلك السيناريو.
الحمد لله على ذلك الاتصال الذي وردني بعد خروجي من المنزل بعشر دقائق أكثر بقليل.
قبل يوم أي مساء نهار السبت الواقع في اثني عشرة من شهر تشرين الثاني من سنة ألفين واثنين وعشرين، كنا ننتظر عددا من الأصدقاء في المكان نفسه! وهو مكان معتاد لنا للقاء مع الجميع وبالتالي الانطلاق في سراديب شارع الاستقلال.
لم أع في تلك اللحظة جميع تلك السيناريوهات، وكنا قد أرسلنا على مجموعة الأهل على الواتساب صورة لنا تجمعنا سويا بأننا بخير للاطمئنان.
ومن بعد تلك اللحظة انهالت الاتصالات، أولا مشينا نحو منزلي للهدوء ولمعرفة ماذا سيحدث لاحقا، وصلنا بدأت سرعة الإنترنت بالانخفاض وسرعان ما كان هناك قرار بعدم تداول الصور والفيديوهات أو أي أخبار ملفقة، لكن في تلك اللحظة كان هناك من يود الاطمئنان وكان الإنترنت عائقاً في إسطنبول عن غير عادة.
لكن الحمد لله عاد كما كان لكن دون أخبار، لقد تم إيقاف جميع وسائل التواصل الاجتماعي ما عاد الواتساب عبارة عن رسائل وببطء بالرسالة الصوتية لا صور ولا فيديوهات.
جيد على الأقل استطعنا التواصل مع أهل لبنان والخارج، لكن السؤال المشترك كان "إن شاء الله مش قريب علي كي؟ أو بعيد صح؟"، كان جوابي "أنا منيحة الحمد لله لا والله بالعكس تماما كنت كتير قريبة".
قلق ما بعد قلق، نحن الشعب الذي اعتاد الأصوات، كان صديقي في حين سمع صوت الانفجار أطلعني لاحقاً أنه رفض أن يصدق فيّ حينها أنه انفجار وظل يردد "هون مش لبنان هون مش لبنان هون مش لبنان" ليفق لاحقاً من صدمته ويصدق أنه حقا ليس في لبنان لكن الانفجار هو واقع حقيقي حدث.
الاطمئنان لم يكن فقط دولياً بل أيضا الاطمئنان داخليا لأن هناك مناطق بعيدة وصل إليها الخبر كما وصل إلى الخارج أيضا تواصلوا معنا للاطمئنان وبدورنا قمنا بالحركة نفسها.
الحمد لله جميعنا بخير، الحمد لله جميعنا لم يصلنا أذى جسدي.
لكنني استفقت من هول الصدمة لاحقا بحوالي الساعة الثانية عشرة مساء! أصبحت مع نفسي، وبتلك اللحظة أدركت أن الحياة فعلا لا طعم لها وبأنه بسبب غباء وحقد وكراهية شخص ما سوف يؤدي إلى نهاية حياتك التي حاولت طوال الوقت أن تعيشها بحب.
استدركت أن لا وقت للزعل والعصيبة، لا وقت للمناكفات، لا وقت للوصول، للوصول إلى أين؟ إلى لا مكان في نظري استدركت لاحقا أن الحياة هي عبارة عن موجة سريعة تخترق وتتلاعب بك وفي الأخير تغرقك وأنت غير آبه بما يحدث لأنك تريد الوصول.
من تلك اللحظة، لا أريد أن أصل إلى لا مكان، أريد أن أمضي في هدوء عدد سنواتي التي لا أعلم بها.
إيناس تميم، عند الساعة العاشرة ثلاثة وخمسون صباحاً في توقيت مدينة إسطنبول في المتروباص، يوم الاثنين الواقع في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني من سنة ألفين واثنين وعشرين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.