25 حزيران 2023 | 19:52

هايد بارك

لبنان: دولة محتضرة..!؟ -خالد القيسي

لبنان: دولة محتضرة..!؟ -خالد القيسي

 كتب خالد القيسي:

من قلب لبنان الكبير.. من قلب كل هذا الدمار العظيم.. من قلب كل هذا الخبث في إنتاج هذا الغموض العبثي الهائل والديماغوجية المعهودة.. فشلت الدولة اللبنانية في الارتقاء إلى مستوى الدستور الذي دائمًا ما تتغنى به وتحرص على الدفاع الدائم عنه شكليًا و فولكلوريًا، فشلت بإمتياز في وضع أو تفعيل أي من الوعود والخطط التي بشرت بها الحكومات المختلفة على مدى السنوات القليلة الماضية، لتحسين وضع المواطن وزيادة فرص النمو والخروج من تحت ركام الانهيار الكبير. أحدثت ثورة 2019 هزة اجتماعية وموجات صوتية ارتدادية من الاضطرابات الوطنية والإضرابات ضد السلطة السياسية وجميع الأحزاب دون استثناء، مما أعطى بصيص أمل للشعب اللبناني على المدى القصير والمنظور فقط. ومع ذلك، ورغم ظهور الوباء المتحور واختفاء الخدمات الصحية في الحد الأدنى، و "وقوع" أنفجار مرفأ بيروت والذي أرسل موجات صوتية صادمة في جميع أنحاء البلاد والعالم دون صدى يذكر، تلاشت ما يسمى الانتفاضة التي كان من المفترض أن تسقط الأوليغارشية الحاكمة التي نشأت على أنها من مخلفات الحرب الأهلية (1975-1990).

 

صمت مريب.. وأسئلة دون أجوبة: أين تجمعات القطعان الهادرة؟! أين لوحات الشعب المليونية التشكيلية الثائرة؟! أين التظاهرات واليافطات السريالية المرفوعة والوجوه العابثة الغاضبة؟! أين القضية الوطنية والمواطنة ودستورها الحديث؟! أين تلاشت واختفت روح الثورة والتغيير؟! أين الشعار التاريخي "كلن يعني كلن"؟! أين اختفت جموع وجموح نخب الحراك "المثقفة" والنظريات الهادرة؟! أين أختفت الأفكار الراديكالية الفكرية والثورة المستمرة والأحلام الضائعة؟! أين أصبحت الخيم الملونة الموزعة ذات اليمين وذات اليسار.. والندوات والمحاضرات.. والمزايدات.. والنقاشات الأفلاطونية..؟! هل أصبحت كل هذه المشاهد مجرد سراب.. أو هلوسات.. أو مجرد رذاذ حامض وهواء مالح.. أو مجرد ماءً آثم في أحسن تقدير تحت جسر الرنغ والجسور والمستنقعات الأخرى؟! هل نحن أمام خيانة النخب مرةً أخرى.. النخب القديمة والجديدة والمستجدة؟! المياه الآثمة والدنس بسبب الثقافة الراسخة في عقلية "المحاصصة الطائفية" و "الواسطة" في عقلية نظام المحسوبية الخدماتية والاجتماعيه و التوسيط والواسطة.. حيث لا يمكن أن يحدث أي تغيير أو تقدم في لبنان دون موافقة حكامه "الشرعيين" زعماء الطوائف الحصرية والطائفية والواسطة!؟

 

منذ العام 1990، ترسخت الوجوه المليشياوية الحاكمة في التراجيديا اللبنانية على الجدران المحطمة كما لو أن أرواحهم الأبدية ستقودنا إلى طريق الدمار الكبير الذي عملوا على سفلتته وتمهيده كي نسير على هديهم. إنهم الميليشيات والأرواح المسلحة الحاكمة في حظائر ومزارع النظام الفريد من نوعه في التعصب والفساد والخداع.. النظام أو المنظومة التي تمت صياغتها وتقسيمها وتوزيعها بحرفية "ميكي الأكبر" بين مختلف الطوائف والمزارع، بطريقة تولّد فيها ومنها ومعها الصراعات السلبية، كما تولّد فيما بينها التنافس السلبي العام. ومع ذلك، يبقى العدو الحقيقي  هو أنفسنا نحن المواطنين والمواطنات، كما تكشف حقيقة مستوى الامن الاجتماعي والغذائي والصحي الذي نعيشه.. لقد حُرم اللبنانيون من كل شيء، بما في ذلك حقوقهم غير القابلة للصرف.. نقص، أو "عدم شرعي" في الكهرباء، والمياه النظيفة، والصرف الصحي المناسب، والتخلص من القمامة المتراكمة والتي تلتهم الشوارع والصحة العامة، والإهمال البيئي والسلامة.. ناهيكم عن البنية التحتية التي لم تعد موجودة وعدد هائل من التحديات الرئيسية الأخرى التي غضت الدولة الطرف عنها بسبب الخلافات الأوليغارشية الطائفية الحاكمة حول الحصص والمحاصصة والخبز الحاف المتبقي  في طبق الشعب. وعندما تبدأ أبواق السلطة في توجيه أصابع الاتهامات المتراشقة والمتقطعة لا يبقى أمامها سوى الدول العربية والأجنبية "المعادية".. أو، الشعب اللبناني المعادي!

 

عندما لا تزال المليشيات المسلحة دون أستثناء تقوم باستعراضات ومناورات عسكرية مسلحة في المخيمات وخارجها.. والضواحي اللبنانية وغيرها.. عندما لا يزال حزب الله هو القانون والنظام في قلب الدولة ومفاصلها وقراراتها دون أية ضوابط تُذكر على قوته وسطوته المتنامية.. حيث أن هذه الميليشيات والأسلحة هي لحماية اللبنانيين من الاعتداءات الإسرائيلية واستعادة الأرضي المحتلة وتحرير القدس كما يدعي البعض.. يستمر الكيان الإسرائيلي في التطور والنمو المستمر بقوة على المسرح الدولي، في مجالات عديدة تعد ولا تحصى مثل العلوم والتكنولوجيا والطبابة والزراعة والرفاهية العسكرية والمجتمعية.. إذن، يجب على أي فرد عاقل أن يأخذ خطوة إلى الوراء وإعادة تقييم كل ما تعلمناه وتعرضنا له كلبنانيين حيث أصبحنا شركاء في الحفاظ على كذبة تفوقنا كأمة وانتصاراتنا الوهمية التي جعلتنا أفقر بلد في العالم حيث ان راتب الأستاذ والمهندس والضابط لا يتجاوز مئتين دولار في الشهر. هذا دون ذكر مدى انتشار الفساد والظلم في مؤسسات الدولة وأخواتها.. أنفجار مرفأ بيروت مثال صادم عن أولئك المحسوبيات الذينا لم يتحملوا مسؤولية إهمالهم وتجاهلهم لسلامة وامن الناس والبلاد، بسبب تخزين نترات الأمونيوم بشكل غير مسؤول وغير معروف حتى تاريخه نتيجة وضع العصا في دواليب التحقيق وهيمنة السلطات والميليشيات بعضها على بعض.. مما أدى إلى أنفجار لم يسبقنا اليه سوى الانفجارين النوويين لهيروشيما وناغازاكي في بدايةنهاية الحرب العالمية الثانية.

 

من الصعب تخليص المرء من الإصابة في منزل موبوء بالنمل الأبيض، يصبح أيضًا من الصعب احتواء مستوى الضرر الذي يمكن أن تحدثه مثل هذه الإصابة بسقف الهيكل فوق رؤوس الجميع.. وعندما يكون الأساس نفسه أكثر غموضًا، لأنه مبني على الطين الطائفي بدلاً من الخرسانة والصخور الوطنية، فمن المحتم أن يغرق المنزل وجميع من في المنزل في شبر ماءً. الفساد هو النمل الأبيض الذي يتغذى على جذور الدولة والمؤسسات اللبنانية قاطبة.. مع وجود العديد من الأيادي السود والأصابع الطائفية الناعمة التي تعبث على سمفونية النشيد الوطني وتسرق ما تبقى من طحين الوطن ورغيف المواطن دون أستثناء… تدار الدولة في لبنان مثل اي شركة عائلية في العالم الثالث حيث توزع الأسهم والأرباح والمناصب والوظائف على أعضاء عائلات الأحزاب السياسية الأساسية التي تمسك خيوط الدولة والإدارة الطائفية والمحاصصة.. حيث يتم توفير الأسهم والسياسات من قبل الدولة أو الدولة - الشركة لأعلى وأهم المزايدين بقوة المال والسلاح في جو مفتعل من النقاشات الساخنة والتهديدات السياسية الملغومة للداخل والخارج على قاعدة الديمقراطية اللبنانية التوافقية، في أخطر كذبة عرفتها البرلمانات والتشريعات والقوانين في تاريخ الديمقراطية تاريخيًا دون النظر أو حتى الالتفات إلى الأسماء والأصوات وحجم الكتل النيابية وتوجهاتها وقناعاتها وانتمائها.. دون حتى مجرد الالتفات من باب التورية وجموع المواطنون أصحاب البيت  - بيت الشعب ومجلسه.. فلبنان نظام برلماني قبل وبعد كل شيء كما ينص دستور الشعب والدولة اللبنانية. وكل ما لا يتم تسويته داخل البرلمان، عادة ما يتم إخراجه إلى الشوارع كعمل من أعمال التحدي، تارة بشكلٍ سلمي وطورًا بشكلٍ ميليشياوي مسلح.. مثل هذه التكتيكات الإقطاعية المسلحة حتى أذنيها جعلت من المستحيل إحراز تقدم في أي مسألة خطيرة في البلاد، الأمر الذي أدى تدريجيًا إلى تقليص شرعية وسيادة وسلطة "الدولة" - الدولة اللبنانية نفسها.

 

عند تقييم دول بحجم روسيا الاتحادية أو أوكرانيا فيما يعود إلى أوضاعهم و مشاكلهم الداخلية والخارجية ونتائج الحرب المدمرة عليهم بالدرجة الأولى وعلى العالم فاطبة، يبدو أنها تتضاءل أمام الجغرافيا والدور الصغير التي يمثله لبنان على مدى السنوات الماضية، والتي عانى فيها البلد الصغير العديد من التحديات الوجودية الخطيرة التي كانت ولا تزال تهدد استقراره ومستقبله ووجوده كله وإزالة إسمه ورسمه عن الجغرافيا السياسية والتاريخ. خصوصًا في بضع السنوات الماضية وعهودها البائدة.. دون إغفال الخسائر الفادحة التي ألحقتها وتسببت بها ثورة آو حراك أكتوبر - تشرين الثاني من خسائر فادحة  أكبر من البلد، والتي بدأ البنك المركزي في تخزين كل ما يمكنه الحصول عليه من الدولارات سابقًا ولاحقًا من تدفق الثروات إلى العديد من البنوك اللبنانية التي أودع الناس أموالهم فيها، على افتراض أنها استثمار آمن وسليم.. إلى أسعار الفائدة المرتفعة غير المعتادة التي عرضتها البنوك التجارية لإغراء المودعين والودائع خوفًا من هروب تلك الأموال إلى الحسابات الخارجية، والتي بدورها بدأت البنوك في منع أي محاولة لسحب الناس أموالهم وودائعهم.. كوسيلة لإنقاذ البلاد من الإفلاس كما كذبت تلك البنوك ونظامها المركزي.. وكوسيلة مفترضة للحفاظ على قيمة أموال الناس من خلال تأمين ودائعهم ومدخراتهم بأمان في البنوك اللبنانية كما إدعت وكذبت أيضًا... هذا يعني ببساطة لا تحتاج إلى الة حاسبة بدائية إن معظم أموال ومدخرات الناس قد ضاعت أو أختفت بقدرة قادر من خزائن المصارف دون استثناءً وطارت إلى خارج البلاد وجيوب العباد، ودائمًا بحجة الحفاظ على مخزون الأموال في لبنان عمومًا والدولار خصوصًا، في حين إن هذه الكذبة الأكبر كان لها آثار سلبية مدمرة أكبر أدت إلى خفض قيمة الليرة إلى الاشيء تقريبًا وأسقطت البلد والودائع بالضربة القاضية والتي سقط معها مستوى الدخل والمعيشية في جنة سويسرا الشرق الأوسط إلى مستويات لم يصلها بلد من قبل كما يلي.. وبالأخص منذ عشية حراك ثورة النخب في أكتوبر - تشرين الثاني 2019:

 

• بلغ إنهيار قيمة الليرة امام الدولار أعلى مستوياته على الإطلاق 100000 ليرة للدولار الواحد في هذه الايام، في حين كان سعر صرف الدولار الأميركي الواحد عشية الحراك يساوي 1500 ليرة مقابل كل دولار.

 

• أرتفاع مؤشر الفساد في كل ركن من أركان الدولة إلى مؤشرات غير مسبوقة في تاريخ لبنان من حبة القمح إلى حبة الدواء إلى قطع المياه إلى قطع الكهرباء إلى مافيا أصحاب المولدات، إلى حروب العصابات وحروب الخلافات بين الأحياء أو المناطق، مما يدل على انعدام سلطة الدولة بما تعنيه السلطة من معنى.

 

• غياب حكومة شرعية منتخبة. منذ ما يقرب من عام حتى الآن، في حين يعاني البلد في ظل حكومة تصريف أعمال عاجزة حتى عن تصريف أعمال صيانة مكاتبها وتأمين القرطاسية والطوابع البريدية بين وزاراتها في الداخل والخارج لضمان سير خدمات مواطنيها في الحد الادنى.

 

• فشل سياسي مريع أو "مقصود" في أبسط الأمور الروتينية بين التوقيت الصيفي والتوقيت الشتوي، الفشل الذي  قسم البلد الصغير الى منطقتين زمنيتين أعادة أجواء وذكريات الحرب الأهلية بين بيروت الشرقية وبيروت العربية، بسبب الاختلافات التي هي أكثر من عمل سياسي روتيني في تظهير فارق التوقيت وفرق الساعة بناءً على الطائفة التي تنتمي إليها وليس بناءً على المناطق الزمكانية الفعلية. التوقيت السياسي في الاختلاف على التوقيت الذي تسبب في حالة من الذعر الشديد للمطارات وشركات الطيران وخلافها، وذلك ببساطة لأن رئيس الحكومة المؤقتة ميقاتي، بعد مناقشات بموافقة رئيس مجلس النواب، بري، قرر إحداث مثل هذا الاختلاف خلال شهر رمضان، كعمل سياسي يقود إلى فجوة أو "فخ" بين القوى السياسية المختلفة على أسم رئيس الجمهورية العتيد.

 

• ما زلنا في بلاد منقسمة على نفسها.. دولة منقسمة على نفسها.. طوائف منقسمة على نفسها.. مناطق منقسمة على نفسها.. شوارع منقسمة على نفسها.. حزب الله يحكم في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية ومناطق بقاعية.. وتهيمن أحزاب مسيحية معينة على الأجزاء الوسطى من لبنان.. في حين تسيطر في الشمال ومناطق أخرى قوى يغلب عليها السنّة.. كما هناك تراجعًا أو ركودًا لبعض الأحزاب السياسية، مثل حزب الله نتيجة قراراته الفوقية.. وتيار المستقبل، منذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري وحل حكومته في بداية ثورة أكتوبر.

 

• سقوط سمعة ومصداقية البنك المركزي بإعتباره أحد أكثر المؤسسات التي فقدت مصداقيتها في البلاد التي كانت تتغنى بقطاعها المصرفي وسمعته، مما أدى إلى إنهيار هذا القطاع الذي نال استحسانًا كبيرًا في السابق والذي جذب ملايين ومليارات الدولارات من المستثمرين العرب الأجانب إلى بيروت عاصمة المصارف ذات يوم من الأيام... في حين أصبح الآن يتعين على الناس أن يهددوا بقوة السلاح الفردي لاستعادة جزء من أموالهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس، وذلك ببساطة بسبب رفض البنوك إعادة جزء من أموال المودعين.. الأموال التي أصبحت مجرد أضغاث أحلام ليس إلا.. لماذا إذًا تطلب الدولة من صندوق النقد الدولي توفير غطاء فوق المستويات المفرطة للديون التي أوقعت البلاد فيها؟ تعتبر مستويات الدين في لبنان من أعلى المستويات، إن لم تكن الأعلى في العالم.

 

• يوجد في لبنان ما يقرب من مليوني لاجئ سوري وهذا ما يزيد التوتر بين لبنان وسوريا، أي ما يقرب من نصف السكان اللبنانيين الحاليين، هذا دون ذكر اللاجئين الفلسطينيين وفصائلهم المسلحة في العديد من المخيمات المنتشرة في معظم الأراضي اللبنانية منذ "النكبة" عام 1948 عمومًا والحرب الاهلية اللبنانية خصوصًا. ووفقًا للإحصاءات الرسمية الأخيرة، ما يقرب من 1 من كل 4 لبنانيين هم لاجئون على  الأراضي اللبنانية.

 

• ناهيكم عن التوترات المتزايدة مع إسرائيل، ولا سيما بشأن احتياطيات الغاز المكتشفة في أعماق الشواطئ اللبنانية على البحر الأبيض المتوسط، والتي لا تزال تُعتبر مياهًا متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. تحتوي المنطقة المتنازع عليها على جزء من حقل كاريش، وهو حقل غاز مؤكد، وجزء من حقل قانا الذي ما زال تحت البحث والتنقيب.. ومع ذلك، في أواخر عهد الرئيس السابق ميشال عون وبموافقة جميع أحزاب السلطة الرسمية الحاكمة تم التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان بوساطة أميركية في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2022.

 

• صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى سدة الحكم.. وتسمية نتنياهو رئيس حكومة تكتل أحزاب اليمين الإسرائيلي المتطرف لدولة إسرائيل مرة أخرى، والذي لا أعتقد إن هناك من فرق يذكر بين يمين أو يسار أو وسط في الكيان الاسرائيلي المحتل تاريخيًا والحروب العربية الإسرائيلية خير شاهد ودليل. من الإنصاف القول إن مثل هذه الاتفاقات (الغاز) يمكن أن تظل غامضة وغير مستقرة في المستقبل المنظور والتقلبات السياسية في جغرافية الرمال المتحركة.

 

• "إتفاق بكين".. تأثير وقف إطلاق النار الإيراني السعودي الغير مباشر فيما بينهم وتوثيق علاقاتهم على أستقرار المنطقه ومصالحهم بالدرجة الأولى بشكل بديهي. الإتفاق الذي ضخ كميات هائلة من أوكسجين التوقعات الإيجابية والأمل المنشود في رئتي المنطقة ومنها لبنان المحتضر الذي كان يعيش على مصادر أوكسجين متعددة أهمها الدعم الخليجي العربي وخصوصًا الدعم السعودي.. نعم، بمساعدة وحنكة الدبلوماسية الصينية ومصالحها العليا، يبدو أن القوتين الإقليميتين قد وجدتا بعض الأرضية المشتركة في بكين في الوقت الحالي.

 

ومع ذلك، يبدو إن لبنان لا يزال على قيد الحياة، أو هناك جهةٍ ما تريده أن يبقى على قيد الحياة، في حين تزدهر  بعض القطاعات بسرعة متناهية، قطاع السياحة على سبيل المثال وليس الحصر مما يدل على وجود مفارقة أو تساؤل في طور تكوين هذا البلد وحب البقاء ورغبة البعض في بقائه على قيد الحياة. هذا دون ذكر التدفق الهائل للأموال الجديدة "FRESH" من "الداخل" و "الخارج" كما هو معروف في المصارف التي "تجاوزت الحسابات الجديدة"  الطازجة لديها بالدولار الاميركي 300 الف حساب.. والصيارفة والصرافة المزدهرة الممتدة في معظم شوارع البلد الصغير المحتضر!.. مازال لبنان يستقطب الكثير من السائحين العرب والأجانب الذينا يأتون إلى البلاد التي لديها أيضًا ما لا يقل عن 15 مليون مواطن لبناني مقيمين ويعيشون في الخارج منذ أجيال؛ لبناني الاغتراب الذين ساعدوا بلادهم من الذبول خلال عاصفة العام 2008 والركود الاقتصادي العالمي العام. ومن المفارقات الغريبة في البلاد العجيبة أن شوارعها الرئيسية ما زلت تعج بالناس، بينما المطاعم والحانات والمسابح والنوادي ممتلئة الى  الشفة دائمًا.. مما يعطينا صورة حية عن  صمود اللبنانيين ورفضهم الحي والمباشر لواقع أصبح من المعروف والمباشر إنه مفروض عليهم من الخارج والداخل المباشر والغير مباشر!؟

 

يعيش لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الانهيار المالي عام 2019 في ظل مأزق سياسي عميق، على حد وصف وكالة الصحافة الفرنسية. كما يواجه العديد من المشاكل التي تعد ولا تحصى.. التي كاد البلد بجميع مرافقه وقطاعاته الاستسلام لها.. لبنان بحاجة ماسة إلى قادة النخب الجديدة والحديثة الحيوية الشابة. النخب الشابة التي هي ثروة لبنان الحقيقية.. النخب الحديثة وبرامجها الحديثة ودستورها العصري الحديث.. ودولتها المدنية البعيدة عن القيد الطائفي والطائفية السياسية.. وبعيدًا عن ما يسمى الديمقراطية التوافقية.. والمذهبية والمحسوبية والواسطة.. لبنان بحاجة وجودية إلى مجموعة من  القادة والحكام الذين يتمتعون بالحكمة والذين يحكمون بالعدل اساس الملك والدولة والوطن والمواطنة والقوانين النافذة.. لبنان بحاجة ماسة إلى قادة لبنانيين لديهم القدرة الوطنية على التحرك بسرعة لانتخاب رئيس جمهورية لتوحيد لبنان  أولآ وتنفيذ جميع الإصلاحات اللازمة على وجه السرعة لإنقاذ البلاد من أزمتها الوجودية القاتلة في أخطر مرحلة وجودية يواجهها البلد المحتضر.

 

لبنان بحاجة إلى قادة يمتلكون مواصفات القادة الذين يؤمنون بالديمقراطية في النظرية والتطبيق.. الديمقراطية التي هي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين… قادة لديهم الفكر والشجاعة على تثقيف الجماهير وقبول الانتقادات والمعارضة بطريقة تتسم بالحضارة. حيث إنه من غير الممكن أن نتمتع بالروح الديمقراطية إلا من خلال الحوار والاستماع الى بعضنا البعض، والتواصل مع بعضنا البعض بدلاً من القتل والاقتتال مع بعضنا البعض.. تبدأ روح الديمقراطية من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. ومن أهم الأسس التي تحملها روح الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف. ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام أجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلمياً وبصورة دورية. مفهوم ضاع في الترجمة مع مرور الوقت في بلدان يشبه مصيرها مصير لبنان في الجغرافيا السياسية والتاريخ.

 

لكي يشهد لبنان تغييرًا حقيقيًا موضوعيًا ومنهجيًا وواقعيًا، يجب أن يتغير فهمنا ومفرداتنا في معانيها  وخططها واهدافها الإستراتيجية القصيرة والمتوسطة وطويلة المدى. مثلها مثل الدول والشركات الحديثة  الكبرى التي تتغير وتغير اتجاهاتها بناءً على بيانات إستراتيجية علمية واضحة موثقة وموثوقة وموثوقًا بها.. يجب على الدولة تضمين عقد اجتماعي كنتيجة طبيعية لدستور عصري مصمم خصيصًا لخدمة وحماية الناس من حكوماتهم وليس العكس، مع إعطاء تلك الحكومات الصلاحيات والسلطات اللازمة لتطبيق القانون.. لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية الناس.. التوازن هو ما ينقص بلد أصبح متطرفًا بكل معنى الكلمة في الأقوال والممارسات والأفعال. والطريقة التي نستطيع العمل بها لإعادة التوازن في المجتمع اللبناني تكمن في تغيير  الحكام أنفسهم الذين فشلوا مرارًا وتكرارًا.. تغيرهم بسلاح الديمقراطية الشعبية والانتخابات الديمقراطية المباشرة.. كما يوجد مجموعة من السيناريوهات التي يمكن للبنان أن يتبناها، كشكل حقيقي للتغيير، إذا كان البلد يسعى لتجاوز العقبات الكثيرة التي يعيش فيها. هل هناك أمل؟ بالطبع؟ ما هي تكلفة هذا التغيير؟ ضخم! هل يستحق الناس الصاعب التي تعرضوا لها؟ قطعاً لا! هل الشعب اللبناني مستعد لتحمل مزيد من العذاب للخروج من المنطقة المظلمة؟ طبعًا نعم! حيث لا توجد طريقة أخرى سوى السير في التضاريس الصعبة والمسارات الضيقة والموحشة أمامنا، كي نشهد بزوغ الفجر مرة ثانية وطلوع الضوء وبداية النهار.. كل هذا يتوقف على الخيارات التي نتخذها والتضحية التي نحن على استعداد لتحملها من أجل الرؤية التي نرغب في تحقيقها بالأمس واليوم وغدًا.. ولأجيالنا في المستقبل..! 

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

25 حزيران 2023 19:52