17 تشرين الأول 2023 | 12:13

هايد بارك

صانع الدمى!؟ -محمود القيسي

كتب محمود القيسي:

..بسبب خوفه من العزلة، قام بصنعنا

وبسبب الخشية من الأبدية، أعطانا زماناً.

أسمع عكازه الأبيض يطقطق

أعلى وأسفل في الفناء.

*تشارلز سيميك

من مسرحية ( حالة طوارئ ) لـــ ألبير كامو: "كنا شعباً .. فأصبحنا حشداً .. كنا نُدْعَى مجاملةً للضيافة .. فأصبحنا نُسْتدعَى سحباً للتحقيق .. كنا نتبادل الخبز واللبن .. واليوم أصبح يُخصص لنا تموين بالبطاقات .. إننا نُدبدب بالأقدام .. ونقول أن أحداً لن يستطيع عمل شئ لأحد وإنه لابد من الإنتظار في مكاننا في الصف الذي حُدد لنا .. إيه أيها الألم .. إننا لا ندوس إلا أنفسنا بالأقدام وإننا نختنق في هذه المدينة المقفلة .. أه لو هبت الريح !"

الحقيقة والأسطورة والتاريخ والأعمال الأدبية الكبرى تبقى حاضرة في أذهان الناس مهما طال الزمن ‏أو قصر. من مسرح الأدب التمثيلي وأبطاله على المسرح التمثيلي الى مسرح الواقع وكواليسه بوصفه رمزاً حقيقيًا في صراع الخير والشر والموت والحياة. مسرح الحياة الواقعي الذي يسلط الضوء على الحياة.. على مجتمع طبقي يتكون من الأسياد والعبيد... أو الأغنياء والفقراء..‏ الصراع الطبقي، أو محرك التاريخ في حقيقة الواقع والتاريخ معًا.

كانت العروض المسرحية الخاصة بالدمى ‏الخشبية قبل عقود طويلة مجرد عروض للتسلية والضحك على اللحى.. وخصوصًا عندما يتفشى الجهل والجوع والمرض دون علاج.. والجوع دون رغيف.. والموت دون جنازة ودون قبر.. ويصبح العلاج على الفقراء شبه مستحيل لصعوبة الحصول على ‏الجرعات العلاجية في داخل البلد وخارجه من البلدان المجاورة القريبة والبعيدة.. البلاد العدوة والصديقة.. وتتحول الجثث المتراكمة صادمة والانتقام شديدًا في طبيعة الغرائز الطبيعية.. وردات الفعل الطبيعي!‏ ‎ ‎

تُرى لماذا حوّل "دونوفان" بطل مسرحية صانع الدمى جثتي ولديه إلى دميتين خشبيتين؟ ولماذا حرص على إبقائهما ‏طيلة الوقت بعيدين عن مرأى البشر في القبو، مخبأتين خلف التوابيت المقدسة كما ‏أسماه؟ ‎وما هو اللغز وراء الاختفاء المفاجئ للشخصيات الأبرز والمرموقة أو المشبوهة في إفقار البلد؟ ‎لماذا غصّ قبو منزل دونوفان وزوجته بعشرات الجثث البشرية المحولة إلى دمى بشرية؟ ‏وما هو دور عصابة البزة السوداء و الياقات البيضاء في تلك الجرائم البشعة؟ ‏وهل سينتصر الخير على الشر في نهاية المسرحية ويقام العدل.. أم العكس هو الصحيح؟

من أجواء الرواية نقرأ:‏ ‎‏"كان قد جلب معه بعض الأدوات الخاصة؛ والتي يستخدمها في عملية تحويل الجثث إلى ‏دمى، إلى قبو البيت، يحب دونوفان أن يعمل وحيدًا، فيطلب من زوجته فالنتينا الذهاب إلى ‏الغرفة، وسرعان ما أمسك بالمشرط وجرد الجثتين من ملابسهما ثم شق بطنيهما واستخرج ‏الأحشاء والأعضاء من الداخل، وجفف الدماء، ثم انتزع العظام وحشا الجلد والرأس ‏ودعمهما بالخشب، ولم يبق سوى الخطوة الأخيرة؛ وهي تخييط الثقوب التي أحدثها وإضافة ‏الخيوط والحبال إلى أطراف الجثث المحشوة.. أو الدمى الجديدة التي قام بصنعها للتو.."!

تتنوّع مصادر التمويل التي تضخّ ملايين الدولارات سنوياً لمصلحة منظّمات "المجتمع المدني" في لبنان، وتتنوّع القضايا التي يجري تمويلها، من السياسة إلى الثقافة إلى التعليم والسيطرة على العقول. وخصوصًا "مؤسسة المجتمع المنفتح" التابعة للملياردير الأميركي جورج سوروس، إحدى أبرز المؤسسات الخاصة وأخطرها على الإطلاق. ما يميّز سوروس عن مؤسسات التمويل "الخيري" الأميركية الأخرى هو الانتشار الجغرافي الواسع للقضايا التي يموّلها في العالم. إحتل لبنان المرتبة الأولى عربياً كوجهة تمويل لمؤسسة سوروس لعام 2019 - عام الحراك المنظم لأخذ البلد إلى أماكن ما زال بعضها مجهولًا حتى تاريخه.

مؤسسات سوروس، كما العديد من صناديق تمويل منظمات الـ NGOs الأميركية، لا تكتفي بضخّ التمويل مباشرة في الدولة المستهدَفة، بل تعتمد أسلوب "التمويل من الباطن" عبر ضخّ مبالغ كبيرة في صناديق ومؤسسات ودول عديدة كما جرى مع حراك 2019/10/17 في لبنان. يُذكَر أنّ مؤسسات "المجتمع المنفتح" أصبحت ممنوعة من العمل في كثير من الدول نظرًا إلى الدور التدخّلي السلبي الذي مارسته لتحقيق رغبات "سيد الدمى" الملياردير الأميركي ومن يقف وراءه من منظّري تيار "العولمة الثقافية الليبرالية" إصحاب نظرية الحروب الناعمة في مناطق النزاع والاستبداد.

موقع "أوجيم"، مرصد الصحافة الفرنسي تحدث مؤخرًا عن تغلغل المنظمات غير الحكومية المرعية من مؤسسة "المجتمع المنفتح" في لبنان منذ عقود.. المنظمات التي تلعب دوراً بارزاً في ممارسة "القوة الناعمة" ورعاية "الثورات الملونة" وإصدار هويات قاتلة جديدة. التغلغل قي المجتمعات التي تعاني من غياب الدولة وتقديماتها بنسبة كبيرة كما هو حال لبنان، ما خلق هامشاً مهمًا لهذه المنظمات والجمعيات للعمل ضمنه في تحقيق أهداف الدولة الكونية العميقة. ودائمًا ما توصف تلك التدخلات بالمشروعات "الخيرية" التي تهدف إلى تعزيز الحكم "الديمقراطي" و "حقوق الإنسان" و "الإصلاحات الاقتصادية" و "التقدمية".

وأشار الموقع الفرنسي إلى أنّ "الإستراتيجية المتبعة بسيطة وفعالة للغاية: تقوم بإنشاء مراحل "ترابطية" للسخط الشعبي المحروم من الهياكل السياسية، وتموّل وسائل الإعلام التي يُفترض أن تكون "المتحدثة باسم الناس"، وينتهي بها الأمر بمحاصرتها وتوجيهها في اتجاه استراتيجيتها". وخلال الانتفاضة في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، زاد أخطبوط "صانع الدمى" الملياردير سوروس بشكل كبير من تمويل المنظمات غير الحكومية على الأراضي اللبنانية، حيث تمّ إنفاق مبالغ كبيرة جداً تقدر بملايين الدولارات في غضون أسابيع قليلة فقط. والمستفيدون بشكل أساسي هم منظمات تدّعي الوطنية وتبيع البلد لأجندات خارجية بحجة حماية البلد!؟

جورج سوروس، رجل أعمال يهودي وأحد أغنى أغنياء العالم، إلا أن اسمه يرتبط دائماً بالحروب الأهلية، والهجمات الاقتصادية، وتنظيم الانقلابات من خلال "الفوضى غير الخلاقة" والحروب الاستباقية. يُوصف بأنه أحد فلاسفة ومهندسي الثورات الملوّنة (الى جانب جين شارب وبيتر أكرمان وبرنار ليفي ونوح فيلدمان، وأغلبهم من اليهود). ويُشار هنا في لبنان إلى أن هناك العشرات من الجمعيات والهيئات والأحزاب والمواقع الإعلامية التي تتلقَّى تمويلاً من منظمة "المجتمع المفتوح" التابعة لسيد الدمى وصانعه سوروس الأب الذي وصفته الصين يومًا بالارهابي الكبير!؟

وراء كل صانع دمى دمية في حياته تسيطر على عقله الباطني واداءه الظاهر.. مؤسسة سوروس "الخيرية" متهمة في الكثير من البلدان بالتورط في العديد من الأحداث، والانقلابات وتغيير الأنظمة والحروب وصناعة الدمى وبيع بعض الدول لحساب شركات سياسية كبرى. ونتيجة لذلك، أُغلقت فروعها في العديد من البلدان، الذينا اتهمنا المؤسسة بتهديد أمنها القومي.. أراد سوروس تطبيق نظرياته في مجال "المجتمعات المدنية"، فاستعار من الزعيم النازي أدولف هتلر شعاره التاريخي المرعب: "القبضة الحديدية الشمولية"!.. نظرية القبضة الحديدية التي بدأت بالانتشار:

من إسقاط نظام نيكولاي تشاوسيسكو في رومانيا مرورًا بإسقاط نظام سلوبودان ميلوسوفيتش في يوغسلافيا.. وصولًا إلى "الربيع العربيّ"، والذي امتدّ في أكثر من دولة عربية... نعم، مطالب الشعوب محقّة، وحراك المجتمع المدني ضروري، ولكن مع وجوب التنبّه إلى بعض مؤسّسات المجتمع المدنيّ العالمية التابعة لسوروس، التي تؤمن بنظرية القبضة الحديدية، فتعمد إلى ضخّ الأموال لتحقيق الغايات التي لا تخدم بالضرورة المصلحة الشعبية والوطنية لتلك البلدان التي دخلت أو اُدخلت حروب اهلية طاحنة!.. وإذا أمعنّا في التدقيق، لاكتشفنا أنّ النظام الكوبي إستطاع استيعاب محاولات سوروس للتغيير (السلبي) في كوبا.

أبرز ما قاله مؤسس علم الإجتماع ( عبد الرحمن إبن خلدون ) في مقدمته الشهيرة: "المغلوب مولع أبدًا بتقليد الغالب، في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله و عوائده، والسبب أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها. الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها، و كلما طال تهميش إنسانها يصبح كالبهيمة، لا يهمه سوى اللقمة والغريزة". لم تؤسس شبكة صانع وسيد الدمى وشركائه مجرد شبكة مهمة في المجتمع اللبناني فحسب، بل ودخلت أيضًا إلى حد كبير في حركات الاحتجاج المختلفة والمتعددة على وجه الخصوص، فقد “زرعت” بمهارة عددًا لا يستهان به من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين والخبراء الذين يمكنها توجيههم في إتجاه مواتٍ لمصالحها واهداف من ورائها.

ذهب بعض المعلقين والمحللين والمتابعين إلى حد الحديث عن “محاولة استحواذ” حقيقية من قبل الملياردير ومن (خلفه) على معظم حركات الاحتجاج في العالم منذ مراحلها "التأسيسية" الأولى… هذا ناهيكم، عن تأسيس بعضها منذ البدايات الأولى.. والعرض والطلب في بعضها الأخر... "المجتمع المفتوح” - (Open Society) أسّسه عام 1979 الملياردير المجري الأمريكي جورج سوروس (ولِد بإسم “جيورجي شوارتز”)، وتم تقديمه كما ذكرنا كمشروع “خيري” من المفترض أن يعزز (الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية والمواطنة والدستور العصري الحديث). يعتبره بعض منتقديه وأحدًا من الأسلحة الرئيسية لـ”القوة الناعمة” للمصالح الأمريكية، والتي تهدف إلى “تشذيب” السيادات والخصوصيات الوطنية والمحلية من أجل المنفعة الأكبر للأوليغارشية المالية المعولمة خلف "ستار الليبرالية الكبرى" وجديدها.

يشار إلى "سوروس الأب" على أنه الرجل الذي "كسر بنك إنجلترا" بعد أن قام بالرهان ضد الجنيه الإسترليني في عام 1992، وحقق ربحاً قدره مليار دولار في ذلك الوقت. وذكرت وول ستريت جورنال،أنه كان يُعتقد في السابق أن الابن الأكبر لسوروس والأخ غير الشقيق الأكبر لأليكس، جوناثان سوروس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار الخاصة جيه إس كابيتال مانجمنت، هو "الوريث الواضح". ولكن "سورس الأب" قال: "لم أكن أريد أن يتولى أحد أبنائي المؤسسة، كمسألة مبدأ". "اعتقدت أنه يجب أن يديرها شخص هو الأنسب"، مضيفاً أن أليكس "كسب" ثقته.

في حين وصف أليكس البالغ من العمر 37 عاماً، في حديث خاص لصحيفة وول ستريت جورنال، إنه "سياسي أكثر" من والده وألمح إلى دور مالي مهم لمنظمة سوروس في الانتخابات الأميركية العام المقبل. مُعبّراً عن مخاوفه بشأن عودة محتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، قائلاً: "بقدر ما أرغب في إخراج المال من السياسة، فإنه طالما أن الطرف الآخر يفعل ذلك، سيتعين علينا القيام بذلك أيضاً".

اللافت ان مؤسسات "المجتمع المنفتح"، التي حولت "منظمات المجتمع المدني" في بلداننا إلى "شرابة خُرج" يومية، أو إلى "حصان طروادة" في بعض المؤامرات التي تتطلب ذكاء حاد، أصبحت ممنوعة من العمل في كثير من المجتمعات. كما لم يعد جورج سوروس ظاهرة غربيّة غريبة. بل، ظاهرة عالميّة تتعدّى نطاق الحدود. والثروة تفتح الأبواب في مجتمع ودولة ما على رأي المثل الأميركي الذي يقول: “بالنسبة لي النقود كالجنود، أبعثهم للحرب لكي يأخذوا أكبر عددٍ ممكن من الأسرى وبهذا يزيد عددهم"!

كما تفتح الأموال السياسية الحدود والسدود في تدليل على صواب النظريّة "الماركسيّة" عن الطبيعية الطبقيّة للحكم ورأس المال الحاكم.. حيتان الأوليغارشية تستطيع أن تؤثّر ليس فقط بفضل أموالها وشرائها للإعلام وغيره.. بل بفضل حصولها على التغطية الإعلاميّة المجانيّة. لم يكن دونالد ترامب يحتاج أن ينفق من ماله الخاص عندما خاض غمار الانتخابات للمرّة الأولى لأن شهرة ثروته جلبت له شهرة تكلّف أموالاً طائلة للشخص أو الحزب أو الدولة أو العائلات السياسية الإقطاعية التقليدية أو البرجوازية الصغيرة.. يقول لينين: “في مجتمع قائم على سلطة المال، في حين أن عدد قليل من الأغنياء لا يستطيعون إلا أن يكونوا طفيليات.. لا يمكن أن تكون الحرية حقيقية.. ولا يمكن ان صحيحة".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

17 تشرين الأول 2023 12:13