8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

نجاد ضمن لإيران عرض قوّة في وقت تحتاج منه الى مواجهة العقوبات والمفاوضات

بعيداً عن طواحين الكلام، التي سبقت ورافقت زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد الرسمية إلى لبنان، فإنّ ما أريدَ من الزيارة قد تحقق كله وأكثر. بلا شك فإنّها شكّلت عرض قوّة ناجحا للجمهورية الإسلامية في إيران بكل المقاييس، أمام اللبنانيين وكامل منطقة الشرق الأوسط والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية. ويأتي هذا النجاح في وقت تبدو إيران بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى. أحمدي نجاد رابح كبير من الزيارة. لكن أيضاً إيران - النظام رابح أكبر، خصوصاً مع بدء تنفيذ قرار العقوبات الدولي 1929، ومعه العقوبات الأوروبية والأميركية المكمّلة له. توجّه الزيارة رسالة واضحة انّ إيران ليست محاصرة وليست معزولة وقادرة على كسر سلسلة العقوبات. عرض القوّة بدا سياسياً بوضوح وشعبياً بامتياز. كون الزيارة زيارة دولة، أمّن لنجاد استقبالاً رسمياً حاشداً جمع ما لا يجمع من الأفرقاء اللبنانيين في وقت تتصاعد فيه حرارة الوضع بكل الخلافات العلنية والكامنة على السطح. أمّا الحشد الشعبي فإنّ حزب الله تكفّل بتأمينه وتنظيمه. هذا النجاح المزدوج ضمن لأحمدي نجاد الإعلان بقوّة انّ الديبلوماسية الإيرانية تستند إلى قاعدة شعبية في المنطقة. طبعاً لا أحد سيسأل حالياً لو تجوّل نجاد في المنطقة وقد سبق له وأن زار العديد من عواصمها وفي مقدمتها دمشق، هل حصل على واحد بالألف من مثل هذا الاستقبال؟ لا شك أنّ خصوصية علاقات إيران مع شريحة من اللبنانيين قد ضمن له استثماراً ناجحاً.
حتى الآن ما زالت مجموعة الخمسة زائدا واحدا تتمنع على الرئيس نجاد التفاوض كما يأمل ومعه المرشد آية الله علي خامنئي على سلة كاملة ومتكاملة من المطالب بدلاً من حصر النقاش حول الملف النووي. طهران لها وجهة نظر لا تبدو مستعدة للتنازل عنها، لأنّها إن تنازلت ولو جزئياً خسرت المعركة كلياً. القيادة الإيرانية ترى: ان انهيار الاتحاد السوفياتي غيّر المعادلات في العالم. لكن الولايات المتحدة الأميركية حتى في عهد الرئيس باراك اوباما، ما زالت تفكر وتعمل على قاعدة الآليات التي تكوّنت وتأكدت خلال الحرب الباردة. لهذا كله فشلت الإدارات الأميركية وفي مقدمتها حالياً الإدارة الأوبامية في تسوية قضية الصراع العربي الإسرائيلي. الحل كما تراه طهران وقد قالته علناً وتكراراً: أن تشارك القوى الاقليمية مع القوى الكبرى في صناعة النظام الجديد، محور هذه المشاركة أو المساهمة يكون في صياغة الترتيبات الأمنية والاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تتناول المنطقة.
لا يوجد أفضل من لبنان بالنسبة للرئيس أحمدي نجاد لتقديم عرض القوّة الذي جُهِّز له وتم تنفيذه بنجاح. أكثر من ذلك بدا وكأنّ ما قدمه اللبنانيون، خصوصاً القاعدة الشعبية الشيعية، وكأنه ردّ جزء من الدين الكبير الذي تستحقه إيران عليه. فقد سلفتها إيران الكثير من الدعم بالسلاح والتجهيزات والمال الحلال طوال سنوات. الواقعية السياسية تفرض الاعتراف بما قدّمته إيران، بما ضمن للمقاومة مواجهة العدو الاسرائيلي وتحقيق انتصار العام 2006. ما حصل ويحصل وسيحصل مستقبلاً ان العلاقة الايرانية مع لبنان وتحديداً الشيعة والمقاومة فيه، ستبقى علاقة تبادلية مثمرة للطرفين.
تجهيز وتسليح المقاومة، قدم لإيران فرصة استثنائية لم تكن تحلم بها في اطار أي نوع من العلاقات مهما بلغت متانتها وقوتها. لقد فتحت المقاومة الجغرافيا على مصراعيها أمام ايران، وحوّلتها الى قوة حدودية مع مركز الصراعات في المنطقة أي الصراع العربي الاسرائيلي.
لولا هذا التحول، لما استطاعت ايران مهما بلغت قوة الايديولوجيا ومهما وصلت متانة العلاقة المذهبية، من تحقيق هذا الانجاز الذي قدّم لها أفضل أوراقها في السلة التي تتفاوض على أساسها مع واشنطن. صواريخ المقاومة مهما بلغت كلفتها، هي اعلان حضور بالقوة لإيران يومياً، جعل منها الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط.
السؤال الآن، وماذا بعد الزيارة؟
الانفتاح السياسي، الذي عمل الرئيس أحمدي نجاد على تأكيده خلال الزيارة، والذي قدمه له بجهود ديبلوماسية متماسكة سفيره غضنفر بور آبادي منذ تسلمه موقعه في لبنان قبل أشهر، يطرح سؤالاً أساسياً: هل هذا الانفتاح ظرفي وموقت تنتهي مفاعيله مع انتهاء الزيارة، أم أنه سيكون منهجاً تمتد مفاعيله ليؤسس حالة من الهدوء المضبوط بدلاً من الحالة الراهنة القائمة على التوتر المضبوط؟.
اتصال الرئيس أحمدي نجاد بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والعاهل الأردني الملك عبدالله قبل وصوله الى لبنان بساعات، قرار سياسي محسوب بدقة. من الطبيعي ألا يكون الاتصال محصوراً بلبنان وبالموقف منه وهو على أبواب استحقاقات بعضها خطر جداً. العراق بلا شك في قلب هذين الاتصالين. الحل التوافقي في العراق، ستكون له ارتدادات مباشرة على لبنان. لا يمكن أن تشكل حكومة تضم كل تكوينات العراق السياسية والقومية والمذهبية، ويبقى لبنان معلقاً يومياً على المشنقة لا يعرف متى يسقط الكرسي المذهبي الواقف عليه. لا بد من استكمال الحل في العراق بالحل في لبنان. أن تقبل الرياض وأنقره، بأن يترأس نوري المالكي الحكومة العراقية، لا بأن يستتبعه تنازلات بعضها مؤلم في مواقع أخرى عراقية وغير عراقية. طبعاً موقف دمشق في كل هذه العملية أساسي، لأنها نقطة القطع والوصل بين طهران وواشنطن من جهة والرياض وأنقرة من جهة أخرى. القاعدة الأولى التي تحكم وتتحكم بالدوائر المتداخلة في منطقة الشرق الأوسط، هي قاعدة الأواني المستطرقة. لذلك يجب انتظار مفاعيل المسار التفاوضي النشط حالياً، سواء كان مباشراً أو عبر الوسطاء بين ايران والولايات المتحدة الأميركية، لتحديد مفاعيل زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان.
اللبنانيون تعبوا من الترحيب ومن الوداع، خصوصاً وأنهم في كل ذلك يرقصون يومياً فوق صفيح ساخن من الأزمات. الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أخذ الكثير من هذه الزيارة. الدولة اللبنانية قدمت له الكثير من الحشد الرسمي. والحشود الشعبية منحته أبعاداً شعبوية يحلم بها كل الزعماء في المنطقة. فهل يقدم للبنانيين ما يساعدهم على الخروج من حالة الرقص المجنون، في المساهمة بالتهدئة، حتى ولو تقديم وصفة حقيقية تتضمن تنازلات مؤلمة من الجميع، لأنه لا يوجد حلول من دون ذلك وبالتوافق بين الجميع لأن الالغاء أو التهميش أو العزل مهما بلغت قوة أي طرف من الأطراف غير ممكنة وحتى أحياناً ممنوعة من العراق إلى لبنان.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00