8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ارتدادات السياسة الداخلية الإيرانية ترسم مستقبل المنطقة

استثمر الرئيس أحمدي نجاد قراره بإقالة وزير خارجيته منوشهر متكي بقوّة وقسوة. فاجأ نجاد الداخل والخارج معاً في التوقيت، لأنّ الخطوة كانت متوقعة منذ إعلان فوزه بولاية رئاسية ثانية، واختار أن يبلّغ متكي بالإقالة وهو في الخارج، وجعل مرسوم إقالته وكأنه ورقة نعي مهنية له. المعروف أنّ الإيرانيين يكثرون من تمرير قسوتهم بالكثير من عسل الكلام. لكن نجاد اختار تفريغ كل المرارة التي أجبر على ابتلاعها طوال الفترة الممتدة من بداية ولايته الثانية حتى الآن وأنهى بذلك تساكناً غير مريح له على الصعيدين الشخصي والسياسي.
من الأساس لا يتفق نجاد مع متكي في أمرين:
[ أسلوب متكي ونهجه الديبلوماسي الهادئ، المعاكس لصدامية نجاد في الكلام والممارسة.
[ نجاد لا يريد وزيراً للخارجية له سياسته وإنما وزيراً ينفذ سياسته، وكان قد قال بوضوح في مقابلة نشرتها صحيفة إيران الرسمية في 20/9/2010: إنّ السياسة الخارجية لا تُرسم في وزارة الخارجية التي عليها تقديم مقترحات ومتابعة قضايا. على وزارة الخارجية تنفيذ السياسات الخارجية المرسومة وتطبيق قراراتها وتعمل على تنسيق النشاطات الخارجية. باختصار الرئيس نجاد يعتبر أن الوزير منفّذ وليس مخطّط يرسم مسارات السياسة الخارجية للبلاد.
تعيين علي صالحي في الوزارة بالوكالة يؤكد موقف نجاد. الوزير الجديد تكنوقراطي ممتاز أثبت كفاءته في جميع المواقع التي كُلف بها، خصوصاً عندما تولى منصبه كمدير للوكالة الإيرانية للطاقة النووية. درس صالحي في الجامعة الأميركية في بيروت ولذلك يتقن العربية، وتخرّج من MIT الأميركية وهو عضو في المركز الدولي للفيزياء النظرية في ايطاليا. أيضاً وهو مهم جداً، اصطاد نجاد عصفورين بحجر واحد، فقد أبعد متكي، وقدم صالحي الشخصية المقبولة من جميع أجنحة النظام، سواء من الإصلاحيين أو المحافظين المعتدلين، وبطبيعة الحال النجاديين. بذلك لن يجد نجاد صعوبة في إقرار تعيينه داخل البرلمان رغم موقف رئيسه علي لاريجاني المعارض له.
الأهم بالنسبة لنجاد، أنه مع صالحي وزيراً للخارجية، يضع يده نهائياً على الملف النووي، بشقيه التقني والسياسي. ذلك أنّ صالحي الذي يعرف أكثر من غيره التفاصيل التقنية الدقيقة للملف سينفذ بدقة تعليمات نجاد السياسية. طموح نجاد الذي تأكد بعد نجاحه في المناورة والتفاوض حول تخصيب الأورانيوم، أن يقطف الثمار السياسية للملف خصوصاً وأنّ المفاوضات مع دول الخمسة زائد واحد وصلت إلى مفترق طرق أساسي. جلسة المفاوضات المقبلة في تركيا مع مطلع العام القادم ستضيء فعلياً كل التوجهات حول الملف. لا شك أنّ نجاد سيذهب بعيداً في استثمار أي نجاح يحققه في المفاوضات داخلياً خصوصاً وأنّ المواجهة بينه وبين خصومه من المحافظين المعتدلين قبل الإصلاحيين أصبحت مكشوفة وعلنية.
علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى ومعه المحافظون المعتدلون، خسر نقطة في المواجهة مع نجاد. هذه النقطة ثمينة جداً في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يشكل لاريجاني أحد أقطابها، والأرجح أحد أبرز المرشحين. نجاد لا يمكنه الترشح لأسباب دستورية، لكنه يريد منذ الآن أن يضع أحد رجاله في الرئاسة. بهذا يعمل نجاد على تكرار أسلوب فلاديمير بوتين في روسيا، لعله ينجح في العبور إلى الرئاسة مرة أخرى ليصبح والخط المتشدّد الذي يلتزمه، حجر الزاوية في مستقبل إيران.
السؤال ليس إذا كان نجاد من موقعه كأحد رموز الحرس الثوري في السلطة، سينجح في خطته هذه، إذ ما زال الوقت مبكراً للحسم، ولكن كيف نجح في توجيه هذه الضربة لخصومه المحافظين المعتدلين؟.
لا شك أنّ تحولاً قد وقع في موازين القوة لمصلحة نجاد ضدّ خصومه من المحافظين المعتدلين. يجب معرفة حقيقة التحول داخل الحرس الثوري وأسباب انحيازه الى الخط المتشدد للمحافظين. أيضاً لماذا اختار المرشد آية الله علي خامنئي تنفيذ طلب إقالة متكي، وهو الذي سبق وأن عارضه وعمل على إبقاء متكي في موقعه؟ السؤال الكبير هل انحياز المرشد نهائي أم إنه موقت، مرتبط بهذا القرار وحده؟ على ضوء الإجابة مستقبلاً يمكن رسم صورة أوضح للخريطة السياسية في إيران. أيضاً يجب عدم إغفال المسألة التي تزداد حضوراً على سطح الحياة السياسية في إيران وهي: مسألة توجه السيد مجتبى خامنئي ابن المرشد لخلافته علماً أنه مجتهد ويشغل موقع المنسق العام للأمن في الحرس الثوري والباسيج.
ما يحدث في إيران يهم العالم، وبنسبة أكبر الشرق الأوسط وخصوصاً لبنان. إذا أردت أن تعرف ماذا يجري وسيجري في العراق وفلسطين ولبنان عليك أن تعرف ما هي تطور المسارات السياسية في إيران؟.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00