8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الخامس من حزيران لن يكون ساخناً

من حق لبنان واللبنانيين، أن يتهيّبوا وحتى أن يقلقوا هذا العام من ذكرى الخامس من حزيران. في مرحلة الرسائل الأمنية الدموية، يصبح هذا الشعور مشروعاً، خصوصاً أنّه مفتوح على احتمالات بعضها خطير يحمل مفاجآت لم يعد اللبناني العادي، مهما بلغ التزامه السياسي من عمق وحدة، قادراً على ملاقاتها والتعامل مع نتائجها. خلال ثلاثة أسابيع تقريباً، عاش اللبنانيون على وقع:
[ ذكرى 15 أيار، التي بدأت تظاهرة إنسانية مليئة بالعواطف الحقيقية والعميقة، وانتهت غارقة بدماء الشباب المتحمّسين الذين دفعوا من أرواحهم وجراحهم ثمن رسالة سياسية متبادلة وموجّهة من الداخل إلى الخارج والعكس صحيح. الأخطر ان هذه الرسالة تحوّلت بسرعة إلى ورقة ثمينة على طاولة المقايضات فيما بعد. لبنان الذي لا يمكن لأحد المزايدة عليه وعلى تضحياته من أجل تحرير أرضه، وجد نفسه فجأة أمام اختبار جديد، الخيارات أمامه محدودة. اندفاع الشباب الفلسطيني العاطفي، بعد أن تنشقوا هواء فلسطين، تحول إلى مجزرة لا يتقن القيام بها إلا الأنظمة العنصرية أو الاستبدادية، وضع الجميع في الجنوب أمام خطر الانفجار بحيث ان منع الشباب يشكل خطأ صعب تحمله، ومشاركتهم والاندفاع معهم يشكل خطأ أكبر لأنه يمكن أن يؤدي إلى حرب غير محسوبة في عنفها ونتائجها.
[ الاعتداء الدموي ضدّ قوات اليونيفيل، وتحديداً ضد القوات الايطالية التي لم يرَ الجنوبيون منها إلا التفهم والتفاهم والأعمال الإيجابية، هذا الاعتداء الذي توافق بالدقة مع اختتام قمة الثمانية في مدينة دوفيل الفرنسية، بدا رسالة مكشوفة العنوان والمضمون. يمكن أن يقال ان فتح الإسلام وراءها أو أي تنظيم إرهابي آخر. المهم مَن باعها واستثمرها في معارك مكشوفة في كل تفاصيلها. العالم لم يعد يخاف من هكذا رسائل. زمن الرهائن ومقايضتهم انتهى. مأساة الاستونيين - الرهائن ليست في انهم من دولة صغيرة وضعيفة، وإنما لأن جريمة اختطافهم جاءت في الوقت الغلط بالنسبة للخاطفين والمصممين والمحرضين والمنفذين. لم يعد أحد في العالم يتحمل الدخول في سوق المقايضات مهما كانت التجربة قاسية. لو كان الاستونيون السبعة قد خُطفوا قبل عام من الآن، لكانت المفاوضات غير المباشرة وحتى المباشرة تجري بين عدة عواصم في وقت واحد. الآن يمكن الانتظار طالما انّ المعركة مفتوحة وهي معركة عض أصابع. المجتمع الدولي قادر على الصبر وكتم ألمه وانفجاره حتى الوقت المناسب.
ما يؤكد ان الرسالة مقروءة لأنها مكشوفة، ما قيل عن العثور على صواريخ موجهة ضد إسرائيل، توتير الوضع في لبنان مهنة احترفتها قوى عديدة. فشل هذه العملية يفتح الباب أمام القيام بعمليات أخرى قد تكون أكثر تنظيماً ودقة. مضمون الرسالة واضح. إما الهدوء الشامل واما إشعال المنطقة. البعض يعتبر ان إشعال المنطقة سهل جداً لأنها برميل بارود موضوع بالقرب من النار. مشكلة بسيطة جداً، ان اللبنانيين وتحديداً أهل الجنوب مستعدون لتقديم آلاف الشهداء وتحمل الدمار الشامل في حرب يحافظون فيها على حريتهم وسيادتهم وكرامتهم. أما الدخول في حرب لا يكونون فيها أكثر من لحم مدافع لخدمة قضايا لا علاقة لها بالتحرير وبالإنسان، فإنّها مرفوضة جملة وتفصلاً. وحزب الله أكثر مَن يعرف هذه المشاعر الوطنية والإنسانية في الجنوب خصوصاً ولبنان عامة.
أمام هذا الواقع فإنّ لا أحد من اللبنانيين سيقع في شراك احتفال بذكرى 5 حزيران لا علاقة لها بالذكرى. لذلك الآلاف المؤلفة التي توجهت في 15 آيار لن تتوجه في 5 حزيران. مسؤولية المحافظة على لبنان واللبنانيين مسؤولية جسيمة وخطيرة وليس أكثر من الجيش اللبناني ابن هذا الوطن الحقيقي مَن يعرف خطورة ما يُحاك للبنان وكيف يمنع تنفيذه من دون ضجّة وضجيج.
إسرائيل دولة غاصبة وعنصرية. الحرب معها طويلة وهي ليست عسكرية فقط. فشلت الشعوب العربية مجتمعة في حرب العام 1967 وخسرت سيناء والجولان والضفة الغربية، لأنها كانت وما زالت حتى أسابيع قليلة، قد تركت قراراتها لقيادات لا تفكر إلا بالسلطة والمحافظة عليها. جمال عبدالناصر رغم كل وطنيته وإيجابياته فشل في العام 1967 لأنه كان أسيراً للعبة السلطة وتوازنات مراكز القوى. لا يمكن لأي شعب أن ينتصر في مواجهة عسكرية وحضارية وهو يعيش بلا حرية ولا كرامة ولا سيادة. صناعة النصر تبدأ من صناعة المواطن المالك لكرامته وحريته وقراره. اللبنانيون انتصروا ضد الجيش الإسرائيلي لأنهم ملكوا قرارهم فأعطوا أرضهم دماء شبابهم وأرواحهم وأرزاقهم من دون حساب. من دون هذه المشاركة المباشرة وليدة القناعة الكاملة بعدالة قضيتهم لا يمكن لأي شعب أن ينتصر.
مهما قيل عن الربيع العربي وان فيه ماركة أميركية مسجلة، فإنّ التغيير الذي يحصل وسيحصل سينهي أنظمة الطغيان والاستبداد. يكفي النظر إلى مصر والتحولات التي تجري فيها لادراك عمق ما يجري. عندما بدأت ثورة 25 يناير، لم تكن علاقة مصر بقضايا أمتها قد نهضت من جديد. مع مرور المئة يوم الأولى احتفل الفلسطينيون والمصريون بفتح معبر رفح، والقادم مهم وواعد أكثر.
الخوف من الربيع العربي لن يصل إلى نتيجة. الرسائل الأمنية الدموية لن تُركِّع أحداً.
فلسطين وليس الجولان فقط سترجع ، عندما ينهض العربي ويصنع تاريخه بنفسه.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00