8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سيناريوان سوريان يرسمان مستقبل المنطقة

رغم تظاهرات جمعة الشيخ صالح العلي، التي وحّدت المدن السورية من درعا في الجنوب إلى حلب في الشمال مروراً بمدن حمص وحماه والقامشلي ودير الزور وبوكمال وغيرها، فإنّ الواقفين من اللبنانيين مع دمشق سواء قالت: إنّ اللبن لونه أسود وحتى أحمر وليس أبيض، يبدون تفاؤلاً استثنائياً. هذا التفاؤل مبني على سيناريو محبوك جيداً، لكن تنقصه الوقائع الثابتة. رغم ذلك، من الجيّد وحتى المنتج، ملاحقة تفاصيله، إن لم يكن من باب المعرفة التي يمكن أن تبنى عليها استراتيجية مستقبلاً، على الأقل من باب زيادة العلم والخبر تمهيداً لحسن قراءة سيناريو معاكس له مئة بالمئة.
اللبنانيون المؤيّدون لدمشق بدون تحفّظ ولا مناقشة، يقولون: إنّ حلف الممانعة الذي نجح في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية في السابق إلى درجة لوي ذراعها سياسياً، مثلما حقّق الانتصار على إسرائيل ولوى ذراعها عسكرياً، محققاّ بذلك لأوّل مرة توازن رعب افتقده العرب منذ اغتصاب فلسطين، هذا الحلف كان وما زال يعتبر دمشق الحلقة المركزية فيه إن لجهة موقعها الاستراتيجي أو بسبب قيادتها السياسية، لن يقبل مطلقاً كسر هذه الحلقة مهما كانت الكلفة. طبعاً لا يدّعي أعضاء هذا الحلف أنّهم قادرون على شنّ حرب شاملة مهما بلغت حدّة الخطابات والتصريحات. البديل موجود. منطقة الشرق الأوسط غنية بالمواقع الساخنة والحسّاسة جداً.
الجمهورية الإسلامية في إيران، التي يهوّل بعضهم بأنّها ستخوض، إذا اقتضى الأمر، حرباً واسعة وشاملة مع تركيا لإنقاذ دمشق ليست بهذا الوارد. طهران لا تحارب بدلاً عن أحد. من الممكن أن تمد الآخرين بكل ما يلزمهم للحرب، إلا مشاركتها المباشرة خصوصاً ضدّ تركيا، وذلك لأسباب جيوستراتيجية ومذهبية وأطلسية. لكن هذا الموقف لا يحول بين طهران وتقديم البدائل. يؤكد المؤيّدون لدمشق، أنّ طهران وبالاتفاق مع دمشق، قدّمت عرضاً للأميركيين الذين رحّبوا به لحاجتهم إليه، وهو بقاء قوّة أميركية ضخمة في العراق بأمن واستقرار وأمان، من دون قلق من أي هجوم عليها. هذا العرض على طاولة المقايضة، يقابله دعم واشنطن لبقاء النظام في دمشق، مع إجراء الاصلاحات الضرورية والملحّة، التي وعد بمعظمها الرئيس بشار الأسد. بهذه العملية تكون طهران قد ضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد: الأول بقاء حليفتها دمشق حاضرة، والثاني حماية ظهر حزب الله واستمرار اطلالتها عبره على حدود فلسطين، وثالثاً محافظتها على وجودها في بغداد بالاتفاق مع واشنطن، بذلك تكسب استراتيجياً ولن تخسر شيئاً إلا من خطابها المعادي للأميركيين.
الدليل على صحّة هذا السيناريو، أنّ نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، أبدى تأييده لبقاء الجنود الأميركيين، وأن رامي مخلوف عمود الفساد في سوريا كما يقول السوريون، تبرّع بجزء أساسي من أمواله التي جمعها طوال عقد من الزمن وحده وبلا مساعدة ولا دعم ولا شراكة من أحد، للكادحين السوريين. وأنّ خطوات لاحقة ستتم خلال الأسابيع المقبلة أبرزها إلغاء قيادة حزب البعث ونظام إعلامي جديد وانتخابات تسمح بالتعدّدية، وأخيراً أنّ الرئيس بشار الأسد لن يبقى رئيساً إلى الأبد، وبذلك سيكون هو الرئيس الذي ينقل سوريا من ضفّة إلى ضفّة ليدخل بذلك التاريخ من بابه العريض.
أما بالنسبة للحلقة اللبنانية، فإنّ دمشق استعجلت تشكيل الحكومة رغم أنها غير راضية على الرئيس نجيب ميقاتي. لكن كان من الضروري الإسراع بذلك حتى ولو جرى كسر العرف القائم طالما أنّ الرئيس نبيه برّي، المعني مباشرة بخسارة الحقيبة الوزارية، سيؤكد زعامته الشيعية الراسخة من جهة وسينتج عن ذلك من جهة اخرى الإمساك بمفاصل القرار في الحكومة، ذلك أنّ عدد الوزراء ليس المهم، وإنما الوزن السياسي الراجح الذي يصوغ السياسات ويبلور إعادة رسم الخريطة السياسية والإدارية لعقد كامل من الزمن وربما أكثر.
بعيداً عن الجوائز الناتجة في سوق المقايضات خصوصاً العراق الذي تحوّل إلى جائزة كبرى يتنافس عليها الجميع، فإنّ هذا السيناريو يؤكد أن ليس فقط المسارات العربية هي قيد الرسم خارج العواصم العربية المعنية، وإنما أيضاً استمرار قاعدة قديمة تقوم على أنّ كل شيء قابل للمقايضة بما فيها مطالب الشعوب بالحرية والكرامة والاستقلال.
هذا السيناريو ليس يتيماً. السيناريو الآخر وهو نتاج الأحداث والمواقف اليومية، يقول إنّ اتفاقاً من هذا النوع لن يحصل حتى ولو جرى التلويح به، وأنّ كل شيء مرتبط بالتطوّرات الشعبية، خصوصاً وأنّه لا يبدو في الأفق ان أي توجّه رسمي حقيقي بالإصلاح الذي ينتج عنه التعدّدية وأبرز مظاهرها السماح لكل القوى بما فيها الاخوان المسلمين بالعمل السياسي والمشاركة في الحكومة والإدارة ولو بنسبة محدودة ومقبولة. يبدو أنّ تركيا تلعب دوراً رئيسياً في محاولة إقناع دمشق بمشاركة الاخوان المسلمين سواء في السيناريو الأول أو الثاني. بهذه المشاركة تقع مصالحة تاريخية، تفتح أبواب الاستقرار والنمو والازدهار أمام دمشق المترددة وحتى الرافضة حتى الآن، بذلك فإنّ الحل الأمني مستمر حتى النهاية.
الربيع العربي، طويل وساخن. والتحوّلات المقبلة أعمق بكثير من الصياغات المعلنة، لأنّ حركة الشعوب كانت وما زالت وستبقى مفاجئة في قوتها وتوجهاتها النهائية.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00