8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القلق من البركان يجمع اللبنانيين والسوريين

لم يحدث أن جمع القلق بين اللبنانيين والسوريين ووحّدهم أمام المصير رغم وحدة المسار، كما يحصل الآن. طوال عقود طويلة، كان القلق لبنانياً مئة في المئة. معاناة اللبنانيين كانت رغم استثنائيتها خاصة بهم. لم تنتقل العدوى شعبياً إلى سوريا. ربما وُجدت داخل المجتمع السوري شرائح تعاطفت مع لبنان واللبنانيين في زمن الحروب الأهلية وممارسات قوات الردع، لكنها بقيت استثنائية وليست عامة وشاملة بدون تضامن وتكافل كاملين. ليس هذا في معرض الإدانة ولا التذكير بالماضي، وإنما لوضع اليد على الجرح الدامي حالياً. موقع سوريا الجيوستراتيجي وكونها مفتاح الحرب والسلام في المنطقة يجعل من الحدث السوري حدثاً لبنانياً دون أي تردّد. لا يوجد لبناني مهما كانت ذكرياته عن العقود الماضية يريد أن تغرق سوريا في مستنقع الدماء والدموع، لأنّ ذلك يُضعف لبنان مثلما يُضعف سوريا، ولأنّ نتائج الحدث السوري سواء كانت سلبية أو إيجابية، سواء عبَرت سوريا إلى الديموقراطية والحرية أو تراجعت وازدادت قيودها، فإنّ لبنان سيفرح أو يتألم في الحالتين.
كل التقديرات بعد حادثة طرابلس الأمنية أنّ الجيش سيبقى مستنفراً بين ثلاثة إلى ستة أشهر، حتى يخمد البركان السوري. مهما جرى رمي كرات النار لبنانياً، فإنّ الأساس فيما جرى في طرابلس الاعتداء على تظاهرة خرجت ضدّ ما يجري في سوريا. لا يكفي الجيش اللبناني والقوى الأمنية انها مستنفرة منذ ست سنوات، الآن عليها رفع درجة استنفارها لمواجهة استحقاقات الأزمة السورية في الشمال. من حظ الجيش والقوى الأمنية أنّ البقاع مضبوط لأسباب بقاعية بحتة، حتى لا يضطر الجيش إلى رفع وتوسيع درجة استنفاره مما سيضطره الى الانسحاب كلياً من الجنوب بعد أن اضطر إلى سحب جزء من قوّاته لمواجهة حادثة طرابلس وخطر تمدّدها في الشمال على الحدود مع سوريا.
انتظر السوريون ومعهم اللبنانيون خطاب الرئيس بشار الأسد بفارغ الصبر لعله يحمل جديداً يطمئنهم، فجاء الخطاب الثالث متأخراً في توقيته إلى درجة أنّه كان يجب أن يكون الخطاب الأول. لو حصل هذا في وقفة الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب، كان يمكن الحديث عن تحوّل ينتج عنه إخماد للبركان. أما الآن، فإنّ هذا الخطاب المتأخر في توقيته، والخالي في المضمون، لن يقدم ولا يؤخّر في تغيير المسار السوري كله، وهو من أوّله إلى آخره غير مقنع. القناعة الوحيدة التي خرج بها الجميع بعد الخطاب أنّ الأزمة طويلة. الأسد نفسه قال إنها قد تطول أشهراً وربما سنوات. السؤال كيف يمكن للبنانيين أن يتحمّلوا مثل هذه الفترة وهل لديهم خيارات أخرى؟
أي قراءة هادئة لخطاب الرئيس بشار الأسد المتأخر في الزمن والمضمون، تؤشر إلى:
[ وجود مفاتيح قليلة لقراءة الأزمة في سوريا. منها وكما كان الأمر دائماً، المؤامرة. المخرّبون. التكفيريون. الضغوط. أي الضغوط الخارجية لتغيير موقع سوريا ومواقفها الوطنية والقومية.
[ غياب المفتاح الأساسي للخروج من الأزمة. في خطاب يزيد على ستة آلاف كلمة، وبعد أكثر من 1600 شهيد وقتيل، وردت كلمة الديموقراطية مرة واحدة في معرض القول إنّ دراسة قانون جديد للأحزاب خطوة أساسية.. توسيع الحياة الديموقراطية.. أي ان الديموقراطية موجودة. المطلوب توسيعها. أما كل الهتافات والشعارات التي يقولها المتظاهرون في سوريا حول الحرية والديموقراطية، فإنّها بقيت مجرّد شعارات من مخرّبين وليس مواطنين حملوا دماءهم على أكفهم بشجاعة استثنائية طلباً لهذا الحق الإنساني والعالمي. لا شك أنّ هذا التغييب مرتبط بالقاعدة الأساسية للديموقراطية وهي تداول السلطة. هذا المبدأ الذي لم تعرفه سوريا منذ أربعة عقود يجب أن يبقى سارياً حتى ولو تغيّر الدستور.
الدعوة لقيام حوار وطني في سوريا تكاد تكون خارجة من طاولة الحوار الوطني في لبنان. علماً أنّ الحوار في لبنان جمع مختلف مكوّنات اللبنانيين السياسية، وطرح كل قضاياهم وهمومهم دون تنفيذ البنود المتفق عليها. بينما الدعوة للحوار في سوريا كما حدّدها الرئيس بشار الأسد حوار بين طرف واحد. لم يرد في الستة آلاف كلمة، كلمة المعارضة، علماً أنه توجد معارضة الشارع ومعارضة بدأت تتشكّل في مجالس وطنية، بسبب غياب الأحزاب وتجفيف وتصحير الحياة السياسية طوال العقود الماضية.
أما الغائب الكبير عن الخطاب الطويل في كل ذلك فهو الانفتاح على الاخوان المسلمين. كل قضية الاخوان ان ابناء حماة وغيرها أنّ ظُلماً لَحِقَ بهم بعد أن استبعدوا عن كل شيء، علماً ان أملاكهم ما زالت مصادَرة حتى اليوم. لا يوجد حوار دون الحوار مع الاخوان المسلمين سواء كان الأمر محمولاً ومقبولاً من شرائح واسعة من السوريين واللبنانيين على السواء أم مرفوضاً، هذه العملية مطلوبة سورياً واقليمياً خصوصاً تركياً.
توجد ملاحظات كثيرة على الخطاب، ربما أهمها أنّ الوضع الاقتصادي يشكّل نقطة أخيل القاتلة للنظام. وعي الاسد لذلك جعله يهدّد المقتدرين بالمساءلة الذين لم يتبرّعوا بعكس الفقراء الذين قدّموا الألف ليرة التي يملكونها. علماً أنّ معظم هؤلاء المقتدرين هم من صناعة النظام وسياسته.
لبنان بحاجة إلى سوريا جديدة. للأسف لم تخرج سوريا هذه من خطاب الأسد. على اللبنانيين الحذر كثيراً من تطورات الأزمة في سوريا. حالياً يكفي التضامن والتكافل مع الشعب السوري في التجربة البركانية التي يمر بها. السوريون قادرون على صناعة سوريا جديدة ديموقراطية بما يملكون من شجاعة وصلابة وإرادة.
اللبنانيون أيضاً يربحون ولادة لبنان جديد.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00