بعيداً عن تفاصيل الاجتماع الذي ضمّ شخصيات معارضة سورية في دمشق، ومن ضمنها معارضون لهم وزنهم في النضال والممانعة رغم سنوات السجون السوداء مثل: ميشال كيلو، وعارف دليلة وفايز سارة وأنور البني، فإنّه لا يمكن التعامل معها إلا باحترام كامل، سواء أصابوا أو أخطأوا بالموافقة على انعقاد اجتماعهم في فندق تحت أنظار الأمن السوري. لا شك أنّ عقد هذا الاجتماع الأوّل من نوعه منذ عقود، وإعلانه بأن نظام الاستبداد لا بد من زواله والعمل على وضع آليات للانتقال إلى دولة ديموقراطية، يشكّل ضمن هذا التوقيت السيئ قمّة في الشجاعة السياسية. أي تصعيد للمعارضة والمظاهرات في الأيام والأسابيع المقبلة ترجمته تكون في وضع أسماء مَنْ شاركوا ودعوا وناقشوا ونشطوا على رأس لوائح المعتقلين. هذا الاجتماع، إذا أحسن تظهيره من طرف المشاركين سيشكّل حتماً خطوة متقدّمة على طريق تشكيل جبهة واسعة للمعارضة السورية، يكون عمادها الداخل حتى لا تتكرر قصة المعارضات العراقية التي لم تسنح لها الفرصة للاجتماع في الداخل فكانت اجتماعاتها في الخارج ممراً للأطراف الخارجية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية.
طبعاً هذا الاجتماع لشخصيات معارضة، لن يشكّل مهما تطور وتبلور كل المعارضة. لمعارضة الداخل ولمعارضة الخارج مواقعها. التحالف الكامل بين الداخل والخارج يفتح كل الأبواب المغلقة.
النظام السوري، الذي يواجه لأول مرة ضريبة التعامل مع هكذا اجتماع للمعارضة، لم يكن ليقبل أو يسمح بلقاء أربعة من المجتمعين، لولا مائة يوم من المظاهرات و1400 شهيد وقتيل وآلاف الجرحى والمهجّرين.
طبعاً، النظام السوري الذي يرى كثيرون انه انتصر على ذاته وهو في عزّ الأزمة والمواجهة، يقول عالياً على لسان القادمين من دمشق انه لو لم يكن قد بدأ يشعر بالقوّة وانه تجاوز مرحلة الخطر وأنه حان الوقت لإحداث إصلاح وتغيير على القياس السوري لا زيادة ولا نقصانا، لما سمح به.
يشدّد القادمون من دمشق على ان شعوراً يتجاوز مرحلة الخطر يسود مواقع القرار، وانّ العمليات الأمنية التي ارتكزت على إغلاق بوابات سوريا الحدودية على الحدود التركية واللبنانية والاردنية والعراقية، قد أدّت وظيفتها في محاصرة المركز وهو دمشق وحلب، وأطفأت النار التي كان يجب أن تتحوّل حسب المعارضة إلى ثورة، وأنّ ما ساعد في كل هذه العملية شعور الأقليات بالخوف من هجوم القوى الإسلامية المتطرّفة التي جمعها النظام في سلة واحدة رغم التباعد القائم بين الاخوان المسلمين والسلفيين وبعض بؤر القاعدة التي كانت قائمة لمدّ التيار الانتحاري في العراق بالانتحاريين يومياً.
نجاح دمشق في وضع كل التيارات الإسلامية في سلة واحدة أمام الداخل السوري، تجاوزه كما يقول القادمون منها إن النجاح دق أبواب الغرب بقوة. حالياً يوجد صدى حقيقي لوجود هذه السلة، والدليل أن بعض الصحف الجادة مثل الصاندي تايمز كتبت بوضوح عنهم وعن أخطارهم. باختصار، نجحت دمشق في إبراز مخاطر العرقنة أمام الغرب، ولأن هذا الخطر ما زال قائماً، فإنه بالتأكيد لا يمكن تحمل تكرار المأساة والخطر في سوريا المفتوحة على كل الأزمات في المنطقة خصوصاً مع إسرائيل والسلام والحرب في الشرق الأوسط.
أيضاً، يشدد القادمون أن دمشق الخبيرة باللعبة الدولية والحصار عرفت كيف تخاطب هذا الغرب. لعل أكبر برهان على نجاح الخطاب الدمشقي، ما قام به وزير الخارجية السوري وليد المعلم، عندما هاجم أوروبا وشطبها من الخريطة السياسية السورية لكنه في الوقت نفسه حيّد واشنطن والرئيس باراك أوباما، كذلك هاجم آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي وحيّد في الوقت نفسه الرئيس نيكولا ساركوزي. كل ذلك ليس إلا دعوة ضمنية للحوار تلقتها واشنطن بإيجابية، تبلورت في متابعة دعوة الرئيس بشار الأسد للتغيير والإصلاح، وليس الى تغيير النظام. واشنطن ما زالت تأمل خيراً من وعود الأسد بالإصلاح، ولذلك فإن دمشق ترى بأن مرحلة جديدة قد بدأت باتجاه زرع بذور الحل.
أخيراً، فإن دمشق كما ينقل القادمون منها تعبر حالياً مرحلة دقيقة لتقطيع الوقت وهي تمتد حتى نهاية آب القادم، بعد ذلك تستطيع دمشق أن تتحرك بثقة وحرية أكبر. ذلك أن واشنطن ومعها الغرب كله سيغرقون في مياه إعلان الدولة الفلسطينية. دمشق الممانعة قادرة على لعب هذه الورقة بقوة ومقدرة وبالتالي مقايضتها بدعم من طهران بمكاسب حقيقية.
هذه الصورة الوردية توزعها دمشق على الخارج وخصوصاً في لبنان، معتمدة على خطاب يتم نشره بقوة وعمق وسرعة في قواعد حزب الله وحركة أمل الشيعية يقوم على أن الشيعة هم الخاسرون الكبار من انهيار النظام في دمشق، لانهم سيحاصَرون بين العدو الإسرائيلي في الجنوب وأخطار التيار السلفي المعادي لهم في الشمال، مما يدعم وحدة المسار والمصير بينهما.
رغم كل ذلك فإن القادمين من دمشق من غير الملتزمين أو المؤيدين للنظام، يقولون إن السوريين كسروا خوفهم فتغلبوا على الموت، وإن أساليب عديدة يتم استنباطها وفرزها يومياً، من ذلك: المظاهرات الطيارة في الشوارع الداخلية لدمشق وباقي المدن، الى جانب تقنية مستمدة من الثورة في إيران تقوم على التكبير عن الأسطح والشرفات في الليل، ولذلك كله فإن بقعة زيت المعارضة تنتشر على كامل رقعة النسيج السوري وإن ببطء في بعض المربعات والقطب. وأن واشنطن والغرب معها يستطلعون البديل الذي يجب أن يتشكل على نار سورية خصوصاً بعد التجربة الليبية، وانه متى عُرف البديل يمكن الخروج من الحذر والتعامل مباشرة مع التغيير. وأخيراً فإن كعب أخيل الاقتصادي يزداد وضوحاً في تبلور الأزمة الاقتصادية التي تتدهور بسرعة وبشكل واسع وتشمل كل شرائح المجتمع السوري.
كل هذا يؤكد ان مسارات الوضع في سوريا ومخاضاتها طويلة، ولن تظهر نهاياتها بين ليلة وضحاها. لذلك فإن التعامل مع هذه المسارات يجب أن يتم بتمهل شديد وحذر أشد ودقة حقيقية. ظهور السنونو يبشّر بـالربيع لكنه لا يتجسّد إلا بالأزهار.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.