ربع الساعة الأخير من الثورات والحروب يكون دائماً الأقسى على جميع المستويات، كل طرف يعمل لتحسين وضعه ميدانياً من أجل رفع رصيده في الحل النهائي، حتى ولو كان النصر بين يديه. في الحرب العالمية الثانية كانت هزيمة اليابان محسومة، لكن الولايات المتحدة الأميركية صاحبة القرار في الحرب أرادت إلغاء اليابان وليس هزيمتها فقط، فقصفتها بدل القنبلة النووية الواحدة قنبلتين من دون الاهتمام بنوع الكارثة وحجم الخسائر البشرية والمادية غير المسبوقة في تاريخ الحروب. وكان لها ما أرادت، فألغت اليابان عسكرياً وسياسياً حتى الآن.
سوريا تمر الآن في ربع الساعة الأخير، لذلك يرتفع منسوب التصعيد عسكرياً وبالتالي الخسائر البشرية والمادية. وأيضاً، وهو مهم جداً رغم أنه من النوع المضحك المبكي، فإنّ السيناريوات المتداولة تراوح بين قتل سوريا والسوريين بالموت السريع أو الموت البطيء، والتي تبدأ باللبننة وتصل إلى الصوملة مروراً بالتقسيم ورسم خرائط إقليمية وكونية ولكن المؤلم فيها أنّ خريطة سايكس - بيكو تبدو أمامها لعبة أطفال.
لا شك أن الوضع في سوريا خطير جداً، لذا فإن خلاصها صعب جداً الكلمة الأخيرة هي للقوى الكبرى التي من الطبيعي جداً أن تكون مصالحها أضخم وأوسع بكثير من سوريا. للأسف سوريا ومآسيها مجرد تفصيل في مشاريعها ومصالحها وملفاتها. أمام هذا الواقع المر فإن كل ما يُطرح من مشاريع وتوقعات يبقى في معظمه جزءاً من لعبة الأمم. كل لاعب يضع الخط الأحمر وسقفاً لمطالبه، ليحصل على أقصى ما يمكنه من التنازلات من خصومه وحتى من حلفائه أحياناً لتحقيق أهدافه وطموحاته.
في الحالة السورية من المسلّم به من مختلف القوى بما فيها المعارضة، أن أمام سوريا خمسة أعوام من عدم الاستقرار حتى ولو اتفق العالم كله. بعد الحل يأتي دور الأطراف السورية، التي لم تتفق في ما بينها لتحقيق انتصار الثورة بأقل خسائر ممكنة وبأسرع وقت ممكن طمعاً من بعضها بالفوز بحصة من جلد الدب قبل قتله، فكيف بعد ذلك؟. أيضاً إذا كانت مصر التي لم يتسورن جيشها ويقتل المصريين، يلزمها خمس سنوات لتستقر ويقوم النظام النهائي، فيصبح من الطبيعي أن تعيش سوريا هذه الحالة مع فارق أساسي وهو غرقها في تصفيات، العديد منها دموي.
المؤكد أن سوريا في مواجهة كل الاحتمالات، لأن النظام الأسدي برع في تصحير الحياة السياسية وشيشنتها. الأب حافظ الأسد بدأ والابن بشار عمل للتفوّق عليه. الأول اغتال خصومه ومنافسيه ولاحقهم كما العقيد القذافي في أنحاء العالم وأبرزهم صلاح الدين البيطار في باريس، وشيشن حماة، ما دفع أكرم الحوراني الذي مات في المنفى إلى أن يوصي بألا تنقل رفاته وبيت الأسد في السلطة. أما الوريث فقد اغتال ربيع دمشق وبالغ في التصحير وشيشن كل سوريا وحولها الى ملعب بعد أن كانت لاعباً لها كلمتها في رسم مسارات منطقة الشرق الأوسط. أما الاحتمالات فهي كثيرة وخاضعة للكثير من التحولات والتطورات الإقليمية والدولية، وأبرزها:
* لبننة: يجب الاعتراف أولاً أن سوريا تحولت إلى قطاعات طائفية، وأنه لسنوات طويلة مثلاً لن يطمئن علوي للعيش باستقرار وأمن جاراً لابن حمص مثلاً خصوصاً إذا كان معروفاً بدوره في المواجهات مثله في ذلك مثل السنّي الذي شارك في معارك واسعة أو معروفة. رغم هذا التطور المؤلم فإنّ سوريا لن تتلبنن عسكرياً. الفرق كبير بين لبنان وسوريا. لا يمكن ضبط اللبننة ومفاعيلها في سوريا. في لبنان ضبط حافظ الأسد الإيقاع، فكان يعمل بالقوة وافتعال الحروب الأخوية والاغتيالات، على فرض ما هو مرسوم وليس ما يريده أمراء الحرب، أمّا في سوريا فمَن هو القادر على لعب دور الأسد من الأب إلى الابن الفاشل؟ لو لم تكن سوريا تهدّد العالم بنار حروبها لكان يمكن تركها لمصيرها، أما وأنّ موقعها الجيوستراتيجي يفرض هذا الرعب فإنّ لبننة سوريا غير عملية وحتى ليست واقعية.
* الصوملة: هي أيضاً ممنوعة حتى ولو كان يوجد اليوم في سوريا عشرة آلاف إسلامي يجاهدون، وأكثر من تسعين في المئة منهم غير سوريين. من الممكن حصرهم مهما طالت الأزمة. هؤلاء المتطرفون ومنهم إرهابيون فعلاً مثل البدو الرحل، ما أن ينضب الماء وينتهي الكلام حتى يرحلوا إلى مكان آخر. كذلك هؤلاء سيرحلون باتجاه ساحات وملاعب أخرى طلباً لما يسمونه الجهاد وهو في الواقع حرباً ضدّ الأمة. كذلك ليس مقبولاً أن تتحول سوريا إلى دولة فاشلة. يكفي بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية أنها خرجت من كل المعادلات والمسارات لأكثر من عقد.
* التقسيم: هذا الاحتمال فزاعة حقيقية. تقسيم سوريا محدلة لن تتوقف عندها ولا في لبنان، ببساطة ستكون البداية وستكون تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان وربما دول أخرى، طالما أن التقسيم سيخضع للفرز الديني والمذهبي، وهو يمكن أن يطال الهند وبنغلادش ودولاً من القوقاز. حتى لو أثار هذا الاحتمال الاستغراب والسخرية فإنه ممكن. السؤال هل الغرب مستعد لتحمّل عواقب مثل هذا التحوّل الكبير والتعرض لموجات غير محدودة من اللاجئين؟ قطعاً لا، خصوصاً أوروبا قبل غيرها.
لا شك في أن مفاوضات حقيقية تجري بين موسكو وواشنطن بعلم قوى محدودة. في جميع الطروحات، من المؤكد أن بشار الأسد خارج الحلول. موسكو تكرر بأنّ ما يهمّها الدولة والمؤسسات وأولها الجيش وليس الأسد، وواشنطن تكرر أن الأسد انتهى. إذاً، لم يبقَ سوى بعض التفاصيل. عندما يلعب الكبار من الممكن التخلي عن تفصيل من هنا وهناك حتى ولو بدا ظاهراً من الأمور المستحيلة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.