8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حزام النار السوري يهدّد لبنان


التمديد للأخضر الإبراهيمي حتى نهاية العام الحالي، خبر جيد وسيئ في وقت واحد. الجيد، لأنه يعني أن الأمم المتحدة لم تيأس بعد من الحل السياسي. السلبي، يعني أن الأزمة السورية مرشّحة لأن تطول وسط بحر من الدماء والدموع والخراب. عندما ينتهي كل شيء ويعود السلام إلى سوريا، لن يكون قد بقي من سوريا شيء، لا وحدة اجتماعية ولا اقتصاداً ولا حتى موقعاً في لعب أي دور في صناعة القرار السياسي العربي لسنوات طويلة. التجربة العراقية دليل يومي مستمر منذ سنوات. التجربة السورية ستكون أصعب بكثير. لا بترول يقيها العوز والطلب. وبقاؤها ضعيفة يريح الكثيرين. لقد تنمر الأسد حتى لم يعد يرى رجالاً أمامه، وصار يأمر وينهى فيبلغ الرئيس نيكولا ساركوزي أن لا مكان للرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة اللبنانية، ويوقّت إقالة حكومته والحريري مجتمع مع الرئيس باراك أوباما.
العالم وليس سوريا وحدها على موعد مع القمة الروسية - الأميركية. نجح القيصر فلاديمير بوتين، في إعادة فرض روسيا على طاولة صياغة رسم القرارات الدولية. نجح بوتين لأن الحسابات الإنسانية آخر همومه، أيضاً لأن أوباما يبالغ في خوفه وليس فقط قلقه من انزلاق بلاده في حروب لا يعرف كيف ستنتهي. المشكلة أن كثرة الهروب تسمح للآخرين بتحقيق انتصارات خطيرة على المدى الطويل على الحضور الأميركي في العالم. لا أحد يعرف ما هي الاتفاقات التي سيتم التوصل إليها في القمة، ولا كيف سيتم تنفيذها. المشكلة في سوريا أن للسلاح كلمته، والرئيس يرى نفسه هو سوريا، وحليف يؤمن بأن خسارة الأسد هي خسارته للحرب.
كل يوم تأخير في الحل، يعرض المنطقة كلها لمزيد من الأخطار. حزام النار الذي يحيط بسوريا بدأ يتمدّد. للأسد مصلحة أساسية في هذا التحول حتى يكون طرفاً في الحل. عسكر أولاً الانتفاضة نتيجة للقمع غير المسبوق في العالم والذي كانت آخر حلقاته قصف منطقة واحدة بأربعين صاروخ سكود (الإيرانيون هم الأكثر خبرة وتضرراً منه، والذي طالهم في الحرب مع العراق) وأنتج عامل ضعف المناعة زائد تراكم الخبرات في توريد الإرهاب إلى انضمام آلاف المتطرفين إلى الثوار مما صب في طاحونة المبالغة في رسم المخاطر تمهيداً لتجفيف المال والسلاح عن الثورة.
لبنان هو الحلقة الأضعف. خيمة النأي بالنفس خدمت لبنان طوال عامين بدعم عربي ودولي مفتوح. الآن كرات النار اخترقتها وتكاد تحرقها. الحدود أصبحت مفتوحة على كل المخاطر. كل فريق يجد لنفسه ألف عذر وعذر لتبرير التقاطه للجمر السوري ونقله إلى لبنان. لا تكفي المشاعر السياسية الصادقة مع الثورة والثوار، لتفسير ما يحصل أحياناً على الحدود الشمالية. أخطر ما يعانيه اللبنانيون على مختلف توجهاتهم أنهم جعلوا الانتصار في سوريا انتصاراً لهم في لبنان تتم ترجمته برفع منسوب الاستقواء على الآخر.
المشكلة الكبيرة أن حزب الله انزلق بقوة إلى قلب حزام النار السوري لأنه يرى أن هزيمة الأسد تعني خسارته لعمقه الاستراتيجي وتفكك محور الممانعة. طبعاً لا يمكن عزل هذا الموقف عن موقف الولي الفقيه آية الله علي خامنئي. حزب الله ذهب بعيداً في مواقفه من الثورة في سوريا (طبعاً هو مثل إيران والأسد لا يرى ثورة ولا ثواراً وإنما حرباً كونية ). إيران منخرطة في المواجهات. الحزب منخرط في ما يسميه المشاركة في الدفاع عن القرى الشيعية في سوريا. هذا تطور خطير على المدى الطويل. سوريا ستبقى للأسف ممزقة طائفياً ومذهبياً لسنوات طويلة. الأسد لن ينتصر. أي حل ينفذ مستقبلاً سيكون للسنة فيه موقع شريك إن لم يكن أساسياً. لا مصلحة للبنان وتحديداً للشيعة وتخصيصاً الشيعة في البقاع مخاصمة السنة في سوريا. شيعة البقاع محكومون بالجغرافيا والمصالح اليومية بحسن الجوار والعلاقات الأخوية إن لم يكن أكثر مما سينعكس حكماً على طبيعة علاقات الشيعة البقاعيين بالحزب نفسه. يستطيع حزب الله منذ الآن تلافي الأضرار المستقبلية التي ستلحق به قبل البقاعيين. وفي الوقت نفسه منع تعميق الانقسام المذهبي.
في الأساس، النظام الأسدي همّش السنّة باسم العلمانية. كذلك فعل صدام حسين بالشيعة في العراق. في النهاية لجأ الشيعة والأكراد إلى الأميركيين لتحريرهم من صدام. في الحالة السورية إذا بقي العالم متجاهلاً السوريين يصبح لجوؤهم إلى النصرة هو الحل مع كل ما يستتبع ذلك من فتح أبواب الجحيم على مصراعيها أمام نار الحروب المذهبية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00