لا يمكن إعفاء بشار الأسد، من مسلسل الجرائم المتنقلة من سوريا الى لبنان وعلى خطين، ذهاباً وإياباً بدرجة واحدة من العنف الأسود والدامي. أيضاً، الذين سيرون أن اتهام الأسد أصبح شماعة لكل الاتهامات، ولذلك يجوز التشكيك وإبعاد شبح المسؤولية عنه خصوصاً مع وجود النصرة والأم الحاضنة القاعدة، هم إما سذج أو أبرياء، أو يرون ويتعاملون مع الآخرين على أنهم مجرد وعاء يمكن ملأه بما يريدون، أو أنهم فعلاً شركاء بالجرائم.
لا يجب الفصل بين الجرائم المتلاحقة. جميعها من صنع آلة واحدة حتى وإن اختلف المنفذون. الرويس في الضاحية. الصواريخ على بعبدا. ضرب عرسال بمحيطها والعكس صحيح. الصواريخ على الجليل. طرابلس أمس، وقبل ذلك في الحرب الصغيرة بين باب التبانة وجبل محسن، وأخيراً وليس آخراً الغاز ضد الغوطة. بالنسبة للأسد الأب والأسد الابن اللبنانيون والسوريون شعب واحد في دولتين، لذلك من الطبيعي جداً أن ما يصيب السوريين يجب أن يصيب اللبنانيين.
القول إن لا مصلحة للأسد بضرب الغوطة بالسلاح الكيماوي، يتناسون أنه ملك في وضع ظهر الجميع الى الحائط. منذ البداية خطط ونفذ سياسة تجعل السوريين أولاً والعالم بعدهم أمام خيار وحيد هو: أنا أو النصرة. لم يترك وسيلة دموية إلا واستخدمها على الطريقة الإسرائيلية، اضرب بقسوة فإذا لم يقتنع اضربه بقسوة أكبر. هذه السياسة نجحت لأن الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية لعبت اللعبة نفسها، حتى أحبط العنف والحصار، الشعب السوري فتمددت النصرة وربح الأسد رهانه الكبير. حالياُ، وبعد أن تعامل الأسد مع واشنطن بسياسة الجرعات المحسوبة ونجح في ذلك، ذهب الى أبعد ما يمكنه وهو وضع الجميع أمام خيار: أنا أو المنطقة.
شيمون بيريز اكتشف أخيراً أن الأسد قاتل وسفاح، كما أن موشيه يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي اعترف بأنها ليست هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الأسد السلاح الكيماوي. سكوت رئيس الولايات المتحدة عن النتائج المحدودة للجرعات الصغيرة، شجع الأسد على ارتكاب الجريمة الكبيرة. الآن شعرت إسرائيل، أن السكين يقترب منها، لأن استخدام السلاح الكيماوي هو تحدٍ مباشر لها. السلاح الكيماوي ليس مدمراً أكثر من صواريخ السكود، لكن تأثيره النفسي أكبر بكثير، لأنه يزرع الرعب ويؤدي الى وقوع جرائم جماعية. أيضاً إسرائيل هي أكبر من استثمر في الدعاية النفسية أخطار هذا السلاح الذي لم يُستخدم يوماً ضدها. اليوم إذا تغاضت إسرائيل ومعها واشنطن عنه، فإنها تفتح الباب أمام القاعدة وغيرها لاستخدامه مستقبلاً ضدها وضد العالم. ما هو مقبول هنا يصبح مقبولاً في كل المدن والدول. المعالجة تكون اليوم أو لا تكون أبداً. ليس مطلوباً تكرار غزو العراق، المطلوب مساعدة الثوار لضرب الأسد والنصرة معاً، لأن سقوط الأول يلغي حاجة الشعب السوري للثانية.
التضامن والتكاتف والتنديد لا يرد ميتاً في الحالة الأسدية. المبادرات وسبل التنفيذ، تخرج لبنان وسوريا ومعهما المنطقة من قلب لهيب النار. واشنطن وتحديداً الرئيس أوباما الذي ما زال يعتقد أن سوريا لا تعنيه كثيراً وأن تحويل سوريا الى مساحة مفتوحة للتخلص من كل الأصوليات السنية ومؤخراً الشيعية، ودفعها للتذابح حتى آخر واحد منها، للتخلص من شرورها بعيداً عن العالم الحر، سيجد نفسه وفي ما بعد بلاده أمام غول من الإرهاب، ليست القاعدة وأخواتها إلا جنيناً أمامه. كما انتج يأس المجاهدين في أفغانستان القاعدة وبن لادن فإن ترك سوريا ليتذابح بها المسلمون سيؤدي الى انتاج ألف نوع من القاعدة والغرب سيدفع الثمن الأكبر لهذا الموقف - الجريمة.
أما بالنسبة الى لبنان، فإن من حق اللبنانيين أن يتساءلوا أولاً: لماذا لم تضرب إسرائيل يوماً مخازن الصواريخ في الناعمة الذي تحت إمرة القيادة العامة؟ طوال حرب تموز ، بقي موقع الناعمة في سلام؟ حتى أمس لم يُضرب مباشرة، رغم أن إسرائيل برسالتها هذه تحدد عنوان من أطلق الصواريخ ضدها والتي من الواضح أنها لتغطية غيمة غاز السارين بفرقعة الصواريخ.
أيضاً من حق اللبنانيين مطالبة الجميع من المستقبل الى حزب الله، بالعمل سريعاً لإخراج لبنان من قلب النار السورية. الأسد يريد حرق الجميع. مسؤولية الحزب كبيرة لأنه شرّع مشاركته بالحرب في سوريا، الآخرون لم يشاركوا وإن دعموا، ومن لا يدعم شعباً مظلوماً في مواجهة ظالم؟. السرعة ملحة وضرورية ويجب أن تكون سريعة. الواقفون مع الشعب المظلوم ضد الظالم عليهم ألا ينتظروا سقوط الأسد ليحكموا مواقفهم، والحزب عليه ألا ينتظر أمر المرشد ليتحرر ويحرر معه الشيعة من الكارثة الأسدية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.