8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا خطاب روحاني يُقلق الأسد والحزب؟

يؤكد الرئيس حسن روحاني يوميا أنه يريد التغيير لأن إيران بحاجة اليه. تغيير الادارة مهم، لكن الأهم تغيير السياسات والنهج. أيضاً يدرك روحاني ان التغيير لا يعني الانقلاب، ولا حتى قلب الطاولة في نظام مثل النظام الإيراني. في الأساس روحاني إبن هذا النظام وهو يعرف جيدا كل قطبة وكيف حيكت فيه، لأنه صعد من تحت عباءة الامام الخميني الى الرئاسة بعد ان مرّ في معظم وأهم مواقع مؤسسات النظام. لذلك يعتمد روحاني التمايز الدقيق والمتواصل في المواقف عن القابضين على مراكز القرار منذ اكثر من عشر سنوات من الأصوليين المتشددين، ولكن أيضاً وهو الأهم مع الولي الفقيه آية الله علي خامنئي وان كان ذلك بكثير من الدقة والحذر.
ليس ما يقوله ويفعله الرئيس روحاني هو رد فعل او مجرد تسجيل موقف وانما هو نهج سياسي متكامل. لذلك يكتسب أهمية خاصة. ما يساعد روحاني، ان الإيرانيين تعبوا من التشدد والتطرف ويريدون الاعتدال الذي عرفه روحاني بأنه الموازنة بين المبادئ والواقع، والابتعاد عن الخيال والأوهام، وان الوضع الاقتصادي اكثر من صعب.
في الجلسة الاولى للحكومة الروحانية كشف أن الإيرادات لا تغطي سوى ثلث ميزانية العام القادم الذي يبدأ في آذار أي مليار دولار فقط، اما بالنسبة لما تبقى من السنة الحالية، أي نحو ستة اشهر، فالمشكلة اكبرلأنه يجب خفضها الى مليار دولار فقط، وهذا يتطلب حكما تخفيضات ضخمة للإنفاق في الوزارات والمؤسسات وبالتالي مشاريعها بما يتناسب مع القرارات الجديدة. أيضاً وهو مهم وحساس، ان روحاني يؤكد يوميا ان شريكه الاول هو هاشمي رفسنجاني ثعلب السياسة وحصن النظام ومعه محمد خاتمي، ولا شك في ان موقفهما يلعب دورا أساسيا في صياغة السياسة الروحانية، ورأيهما استمرار لمواقفهما المعلنة حول كل ما يعني إيران.
منذ انتخاب روحاني رئيساً في حزيران الماضي، كل كلمة قالها ويقولها هي موقف رسمي له وليس موقفا انتخابيا لكسب اصوات الإيرانيين. من ذلك ان الرئيس حسن روحاني لم يلفظ اسم الرئيس بشار الاسد مرة واحدة سواء في خطاباته او مؤتمره الصحافي او كلمته امام مجلس الشورى وباقي الوفود الرسمية، اكثر من ذلك حتى في رده على رسالة التهنئة تفادى مخاطبته. المخاطب كان دائماً الشعب السوري العظيم والشعبين والبلدين الصديقين . حتى عندما التقى الرئيس الإيراني رئيس الوزراء السوري محمد الحلقي قال: إن سوريا بعزيمة وإرادة وشكيمة أبنائها المخلصين والشرفاء والأوفياء ستخرج منتصرة . لكن تبقى خطوة التمايز الكبيرة، في قلب المواجهة الكيميائية . روحاني لم يدافع عن الاسد ولم يبرِّئه مكتفيا بالقول: إن الظروف التي تسود سوريا اليوم واستشهاد وإصابة العديد من الابرياء بالأسلحة الكيميائية يبعث على الأسف.
لا يعني ذلك كله ان إيران ستترك سوريا والأسد لمصيرهما في عزّ المعركة وعلى خطوة من المفاوضات، لكن من الواضح جداً ان روحاني لا يصفق وحده ولا هو يغرد من خارج السرب. جذورهذا الموقف في مواقف محمد خاتمي وجمهور الإصلاحيين الواسع. خاتمي اختصر لبنان عندما زاره بقوله: لبنان خاتم من الالماس يرصع أصبع الشرق الاوسط. على الحكومة والشعب ان يلتفا حوله بالوحدة الوطنية والتكاتف. ايضا رفسنجاني الذي قال لدى ترشيح نفسه للرئاسة على أن الشعب في سوريا يقاوم كذلك قال ابرز مستشاريه صادق زبيبا كلام: رفسنجاني يعارض ربط مصير المصالح الإيرانية بنظام آيل للسقوط ومستمر في الحكم نتيجة للدعم الخارجي. ويبدو ان المرشد آية الله علي خامنئي الذي يعرف دقائق وتفاصيل وضع ايران اكثر من الجميع، والذي يحسب حساب موازين القوى الداخلية جيدا وهو يقرر، أخذ بعين الاعتبار المتغيرات، فلم يستقبل موفد الاسد مع أنه رئيس الوزراء الحلقي الذي حمل له رسالة من رئيسه له كما جرت العادة حتى مع موفدين اقل رتبة، واكتفى بإيفاد مستشاره علي ولايتي للقائه.
الطريف ان الحلقي شدد على تطوير العلاقات الاقتصادية، في حين ان ايران تبحث عن حلول لمشاكلها.
العلاقة مع حزب الله مختلفة جداً، لكن لا يعني ذلك انها مكعبة غير قابلة لتدوير الزوايا. الحزب هو الابن الشرعي والوحيد للثورة الاسلامية في ايران، أيضاً ان ايران السلطة أيا كانت هويتها تعتبر ان لجبل عامل فضلا على ايران. لهذا فإن العلاقة مع الشيعة اللبنانيين خاصة وتكاد تكون من طبيعة علاقة الأم الحنون بكل ما يعني ذلك من واجبات الرعاية والحماية . لكن لأن العلاقة حاليا قائمة على ثلاثية تجمع ايران مع الاسد والحزب، فإن ما يصيب احدهما يصيب الآخر وان اختلفت الدرجات. اي تحول سياسي إيراني لا بد ان ينعكس سلبا او إيجابا . لذلك فإن التغيير سيكون مهماً لكن مع المحافظة على الجانب الاستراتيجي في العلاقة. ولا شك في ان التغيير سيعتمد على تجربة خاتمي مع لبنان ودعوته إلى علاقات مع كامل لبنان واللبنانيين. ولذلك فان روحاني في رده على تهنئة السيد حسن نصر الله له شدد على الإشادة بجهاد كوادر الحزب في ميادين المقاومة ضد الكيان الصهيوني ولم يأت على ذكر المواجهة في سوريا.
الانفتاح على العالم ابتداء من المحيط الإقليمي وفي مقدمه السعودية، والخارجي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية، يتطلب تبادل التنازلات لاحقا والتي لا بد ان تترجم هنا وهناك.
الأسد ماض في الحرب وهو يريد تغيير موازين القوى لمصلحته ولو باستخدام السلاح الكيميائي، قبل نهاية ولايته في الربيع القادم، وايضا لانه يعرف ان ميزانية ايران للعام القادم التي تبدأ في آذار لن تسمح بدفع المليارات لدعمه لان الشعب الإيراني قبل الآخرين.
يبقى حزب الله الذي يدرك ان ايران مقبلة على تغييرات حقيقية ولا بد له من أخذ هذا كله في حساباته، في علاقته مع اللبنانيين ولبنان خصوصا في هذه المرحلة حيث النار تحرق وتقتل من دون حدود أو حسابات. لعل ما قاله خاتمي وهو المرشد الفكري لشرائح واسعة من الإيرانيين والنظام، قد يشكل بوصلة لمسار الحزب عاجلا قبل ان يكون آجلا بأمر من الولي الفقيه : في كل مرة تواجه فيها الدين مع الحرية تكبد الدين الخسائر، ولدى تناقض العدالة مع الحرية، خسرت الحرية.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00