السكين على وريد الرئيس بشار الأسد. هذا هو الواقع، ولا حاجة الى النقاش والجدل. السؤال كيف ومتى وبأي طريقة ستنتهي العملية، بضربة عسكرية محدودة أم واسعة أو متدحرجة، أم بمفاوضات بين العواصم المعنية مباشرة وهي: واشنطن وموسكو وطهران والرياض؟.
سواء بالحرب أو المفاوضات، انتهى زمن المناورات الأسدية- البوتينية- الخامنئية، واللعب على الوقت. الجريمة ضد الإنسانية، التي وقعت بالسلاح الكيميائي، أقفلت كل منافذ الهروب والتهرّب من المسؤولية. الأسد مسؤول مسؤولية مباشرة عن هذه الجريمة الاستثنائية. أغرب ما يُقال اليوم إن مسؤولين من رتب متدنية هم الذين قاموا بالجريمة، علماً أنه قبل أربع وعشرين ساعة وزع تقرير يصف كيف أصبح الأسد قائداً هادئاً يتخذ كل القرارات وحده، بعد استشارة المحيطين به الذين نقصوا منذ فترة صهره. الأغرب أن المهللين لهذا النضوج المبكر للأسد يرون أن الحرب وراء ذلك، أي أن كل قتيل سوري في هذه الحرب قد راكم من هذا النضوج ولم يعد ينقص سوى الحديث عن حكمته.
قفز الأسد فوق كل الخطوط الحمر ولم يحاسب. اعتمد الأسد سياسة الجرعات حتى في السلاح الكيميائي، ونجح في تصعيده. ضرب المدن خصوصاً حمص بصواريخ السكود، وببراميل من وزن الطن من المتفجرات التي تدمر عشوائياً، واعتقل عشرات الألوف وقضى الآلاف تحت التعذيب، وبقيت ردود الفعل الغربية ضمن مفاعيل الحضارة الصوتية. حتى السلاح الفاعل حُجب عن الثوار، فكان أن وقعت المعارك بين الطائرات والدبابات من جهة والكلاشنكوف وما جرى تصنيعه محلياً من جهة أخرى. وما ذلك إلا لأنه تشكل تحالف من إيران وروسيا وحزب الله والميليشيات العراقية الشيعية، قوي ومتين وكريم بالسلاح والمال والرجال والخبراء والفيتو في مجلس الأمن، وبقي التحالف الآخر ضعيفاً وعاجزاً وبخيلاً بقرار، حتى دخل الإحباط واليأس والحقد الى قلوب السوريين فكانت النتيجة تضخم النصرة وأخواتها يوماً بعد يوم. الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية لحسوا المبرد في مواجهة هذا الحلف الذي حوّل النصرة الى خطر داهم، كما أيقظ شياطين الحرب الباردة في العالم.
السلاح الكيميائي، ليس سلاحاً قاتلاً فقط، إنه سلاح ينشر الرعب القاتل. الجبهات الغربية في الحربين العالميتين ذاقت هذا الرعب. كان الموت يأتي من دون إنذار، والمعاناة والآلام لمن بقي حياً رهيبة. الآن لا خيار أمام الغرب، وتحديداً الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي هرب من الحرب الى أن اقتحمت عقله قبل قراره. القرار كان يجب أن يكون سريعاً وحاسماً لكن ذلك لم يحدث. ليس أمراً بسيطاً ولا سهلاً قلب الرأي العام الغربي رأساً على عقب خلال ساعة. طوال شهراً نأى الغرب وواشنطن على رأسه بنفسه عن التدخل في الحرب بعيداً عن الصخب الصوتي في دعم الثورة. في كل هذا الواقع المعقد إسرائيل تقع في القلب. رفضها حتى الآن سقوط الأسد قيّد واشنطن والغرب. أمن إسرائيل كما تفهمه وتريده أساسي.
الآن مطلوب، الدخول في الحرب سواء بضربة كبيرة أو محدودة، والناس العاديون يريدون معرفة الى أين هم ذاهبون. الحرب ضد العراق أغنت الذاكرة الشعبية بالتجارب وعدم الثقة بما يقوله المسؤولون. حتى ولو لم تقع خسائر فإن القرار ليس آلياً. يجب انتظار تقرير خبراء الأمم المتحدة. يكفي أن يحددوا نوع الغاز المستخدم والسلاح الذي قصف به لتحديد مسؤولية النظام وعلى رأسه الأسد، لأن واشنطن تعرف بدقة من يخزن الغاز المستعمل ومن لديه السلاح المستخدم. ليس مهماً من هو الضابط الذي أعطى الأمر. مسؤولية الرئيس كاملة، خصوصاً في نظام مثل النظام الأسدي.
تدور أسئلة كثيرة حول طبيعة ونوع الضربة التي ستوجه. تعقيدات الشرق وفي قلبها سوريا، تعقّد يومياً الأمور وترفع منسوب الأسئلة. من ذلك أن الضربة التي لا تقتل الأسد (المقصود نظامه) تحييه وقد تقويه. أيضاً يجب معرفة موقف حلفائه وردود أفعالهم. بعيداً عن التهويل، لأن روسيا لن تقاتل وإيران ستقاتل بالتسعين ألف جندي حتى الجندي الأخير وليس لديها ما تخسره سوى بضعة خبراء ومقاتلي حزب الله، يمكن لكل هؤلاء متابعة الحرب بتخريب الحل. أمام هذا، من الطبيعي جداً أن تتواصل المحادثات والمفاوضات حتى يحصل كل طرف على حصته من الحل النهائي.
مطالب موسكو تعرفها واشنطن وباريس ولندن. الرأي موحد، لا يمكن التنكر لما تعتبره موسكو حقوقاً لها. المشكلة أن موسكو لم ترضَ حتى الآن القبول بالحل. أما طهران، فإن فيلتمان الذي زارها باسم الأمم المتحدة، هو أكثر المسؤولين الأميركيين معرفة بالملف المعقد الذي يضم إيران ولبنان وسوريا، والحديث عن ذلك كان شبه معلن. فيلتمان لن يكتفي بتحريره للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، من المؤكد أنه سيكون لديه الكثير ليقوله للرئيس أوباما.
الأميركيون يفاوضون الآن من موقع قوة لأن يدهم على الزناد. الحل، أو الضربة قادمة وتمهد للحل، سواء قبل قمة العشرين أو بعدها. المهم، أن الأسد قد يحتفل بعيد ميلاده في أيلول في الرئاسة لكن من المؤكد (يمكن التأكيد هذه المرة) أنه لن يكون في العام القادم في السلطة ليحتفل بعيد ميلاده في قصر الشعب الذي حوله الى قصر لتدمير سوريا وسحق الشعب السوري.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.