علّق الرئيس رجب الطيب أردوغان، سلة مطالبه وطموحاته، على المسمار الذي زرعه في عين العرب (كوباني) وجلس يناور بهدوء وبرودة قاسية، غير آبه بحرارة القذائف والدماء التي يسمعها ويراها على الحدود. لا يمكن تجاهل تركيا موقعاً ودوراً وأمناً قوميًّا. العودة اليها، لها شروطها ومطالبها مع الكثير من الملح المرشوش على الجرح ثأراً لما وقع سابقاً. أردوغان يخوض عبر عين العرب (كوباني) عدة معارك في معركة واحدة.
رغم أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي، وحليف تاريخي للولايات المتحدة الأميركية، فإن الاثنين أصيبا بالصمم أمام صوت أردوغان مما يراه ويريده في سوريا. أوباما، لم يلتفت الى رأي أحد حول سوريا، بمن فيهم أردوغان. منذ اليوم الأول أرادها حرب استنزاف طويلة لا يخرج منها أحد سليما أو كما كان، خصوصاً بشار الأسد، والسوريين وإيران وروسيا. نجح أوباما في هذا الموقف كما لم ينجح أحد من قبل. وصلت الحرب في سوريا الى أن تكون جزءاً أساسيًّا من حرب دولية، ولم يتأثر، لأنه بقي بعيداً وبلا كلفة بشرية ولا مالية.
يعرف أردوغان أن سقوط عين العرب، يضع داعش على حدوده لتضم الدولة الاسلامية أراضي من العراق وسوريا حتى الآن. يفضل أردوغان كوليرا داعش على سرطان الأكراد ومطالبهم. كاد الأكراد في سوريا أن يحققوا حلمهم، والآن خسروا، لم يعرفوا كيف يلعبون اللعبة. وقفوا ضد الثورة فسقطوا في شباك الأسد. وبقوا معادين لتركيا، فأصبح الحزب الديمقراطي حزباً ارهابيًّا مرفوضاً في تركيا. الآن إما أن يعرف الأكراد كيف يلعبون بذكاء ودراية لموقعهم المحاصر أو يتجاهلون قواعد اللعبة فيخسرون مجاناً.
الرئيس أردوغان يعلن علناً ما كان يقوله مجزأً وأحياناً سراً. أولاً سقوط الرئيس بشار الأسد. هذا المطلب يقربه من السوريين الثائرين ومن الدول العربية خصوصاً السعودية رغم الحساسية من الاخوان المسلمين، وأن يقبل الأكراد في سوريا الانفصال عن حزب P.K.K التركي وهذا المطلب يقوّيه شعبيًّا في تركيا. دون ذلك لن يسمح بالمساعدات للمقاتلين في عين العرب إلا بما يضمن استمرار حرب الاستنزاف لداعش وللأكراد في وقت واحد. ضمن ضرباته التكتيكية وافق أردوغان على مرور 1500 مقاتل من الجيش الحر وخفض عدد البشمركة من 1500 الى 150 مقاتلاً. الأكراد في عين العرب، يقبلون بقوات الجيش الحر الذين يقاتلون معهم الآن، ويرفضون القادمين عبر الحدود التركية. الضد وضدّه معاً في الميدان.
لا يمكن أن يقبل أردوغان أيضاً تجاهل دور تركيا وما تريده، في وقت تغضّ فيه واشنطن النظر عن الدور الايراني في سوريا. اعادة التوازن الى الدورين، في صلب المناورات الأردوغانية. لا يستقيم أن تستمر إيران في مدّ الأسد ونظامه بالمال والخبراء وحتى الرجال مؤخراً، الى جانب حزب الله وميليشيات أبو الفضل العباس من العراقيين الشيعة، وأن يقفل الباب أمام تركيا وأردوغان الى سوريا الجارة والجزء من أمنها الاستراتيجي.
يرى الأميركيون، ان اعادة بناء الجيش العراقي تتطلب عدة أشهر. واستعادة الموصل، ليست قبل سنة من الآن. اذاً الحرب ضد داعش مستمرة في العراق لما بعد سنة، بعدها يتم البحث حول سوريا. من يصمد في حرب الاستنزاف القائمة حاليًّا يكون لرأيه موقع في صياغة النظام السياسي الذي سيتشكل في المنطقة. إيران تدفع كثيراً وتركيا مثل اميركا تدفع من كيس السوريين وقطر.
إيران لم تعد تخفي طموحاتها ولا تغطي أوراقها في سلة المفاوضات. أصبحت طهران تعلن مصادر قوتها. الجنرال سلامي نائب قائد الحرس قالها بوضوح إن إيران أقوى من أمريكا في المنطقة فهي تمسك الآن بالعراق واليمن وهي موجودة على الضفة الشرقية للبحر المتوسط أي سوريا ولبنان.
عندما يقول ذلك الايرانيون علناً، فهل يمكن للأتراك القبول بالتضحية بنفوذهم ومصالحهم لمصلحة الايراني الشره؟
يبقى في كل هذا التنافس الذي يجري تحت أنظار النسر الأميركي، أن العرب ضحايا يدفعون ثمن ضعفهم وغيابهم عن ملء موقعهم في لعبة الأمم.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.