يحقق الرئيس فلاديمير بوتين في عدة سنوات، ما لم يحققه قادة الاتحاد السوفياتي والشيوعية في سبعين سنة. بوتين قيصر العالم بالشراكة أو التحالف أو بسبب الانسحاب الأوبامي من إدارة العالم، أو تبعا للتحولات السياسية الكبرى.
عرف بوتين مثل لاعب شطرنج بارع، في تحريك كل بيادقه لكي يربح، وقد ربح. آخر إنجازاته وليست الاخيرة، الفوز غير المتوقع لفرنسوا فيلون في الانتخابات التمهيدية لليمين الجمهوري، والذي يؤهله للفوز برئاسة الجمهورية في أيار العام القادم، بسبب وجود اليسار الاشتراكي والشيوعي معا في حالة الكوما العميقة. من المعروف ان فيلون أو الامير الاسود لتعلقه بالسرية في كل قراراته وتحركاته، صديق شخصي لبوتين، وهو يدعم عودة العلاقات المتينة مع روسيا، ويعتبر ان بوتين حسنا فعل بتدخله في سوريا وإلا كان داعش يحكمها.
قبل فيلون كان بوتين قد ربح تعاضد دونالد ترامب الذي انتخب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية معه، وهو متحالف مع إيران، ويصادق تركيا بعد خصام، وهو موجود ومتحالف مع إسرائيل دون ان يحمل اعباء وأثمان هذا التحالف كما واشنطن، ويدعمه في هذا مليون إسرائيلي من أصول روسية، ولم يخسر علاقته مع الفلسطينيين ولا مع الدول العربية، وتبدو مصر مشدودة نحوه، وعلاقته وثيقة مع عدة دول أميركية لاتينية، وتشكل الصين معه القوة المتكاملة في آسيا في مواجهة اليابان ودول النمور الآسيوية. باختصار شديد، نفوذ القيصر يتمدد كل يوم.
يلعب بوتين ويربح دون كلفة تثقل كاهله الاقتصادي المرهق أصلا. لا يعطي لأحد رشاش كلاشينكوف مجاناً فكيف بالطائرات؟ عكس الاتحاد السوفياتي الذي كان يعطي بالمجان تقريبا من الكلاشينكوف الى الميغ -25. لذلك خسارته محدودة جدا سواء كانت عسكرية أو مالية، حتى في سوريا التي تشكل الحلقة المركزية في الاستراتيجية البوتينية. ولا شك انه يستطيع ان يفاخر بأن تدخله العسكري في سوريا الذي يوصف بأنه وحشي ولا انساني يتفوق احيانا على الحرب ضد الشيشان، ولا يواجه سوى ببعض الادانة التي لا تردع ولا توقف سجادة القنابل التي تنفذها طائرات السوخوي وكأنها في عرض جوي وفي حالة تدريب ميداني واستعراضي تجاري للاسلحة الحديثة الموجودة في الترسانة الروسية.
عملياً، وما لم تقع معجزة، فقد ربح في سوريا. حلب برسم السقوط وادلب على الطريق. عرف بوتين مع الاسد كيف يسوق الحرب امام العالم خصوصا واشنطن وأوروبا، بأنها حرب ضد داعش والارهاب. من البداية قبل خمس سنوات تدخل سياسيا فاعتمد شلّ مجلس الأمن مستخدما حقه مع الصين في استخدام الفيتو، الى درجة ان وقوع أربعمائة مجزرة كان أعظمها بالسلاح الكيماوي، لم ينتج ادانة ولا محاسبة. ثم جاء اوباما فأرفد بانعزاليته وهجره للشرق الاوسط، كل ما يلزمه لربح الحرب.
رغم كل ذلك، لم يكن بوتين يربح في سوريا ويكسب الآخرين من الرؤساء الى جانبه، لولا خطايا المعارضات السورية. هذه المعارضات التي تناحرت وتحاربت في ما بينها اكثر مما قاتلت النظام الأسدي. لقد عجزت المعارضات السورية عن إسقاط النظام ولا حتى على إجباره على اتخاذ منحى التفاوض، لانها لم تمتلك طوال خمس سنوات الأدوات والأفكار القادرة على التطور لإلحاق الهزيمة به. وقد اكتمل هذا العجز الداخلي بالعجز الخارجي، حيث أنتج تمزق الحلفاء وأحيانا تنافسهم وتناحرهم، تعميق الخلافات بين الفصائل. لذلك فإن هذه المعارضات يبدو عجزها مضاعفاً امام القيصر.
قد تسقط حلب اليوم أو غداً. لكن ايضا الحرب لن تنتهي. ستبقى بؤر تقاتل وتصمد لانه لن يكون أمامها خيار آخر بوجود النظام الأسدي المستقوي بـالقيصر والمرشد الإيراني. ويبقى ايضا السؤال الكبير: ما هي سياسة دونالد ترامب بعد دخوله البيت الأبيض، وهل سيقبل ان يحكم القيصر العالم؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.