لا جديد في إعلان الرئيس حسن روحاني عن الحضور الإيراني في اتخاذ أي قرار حاسم في المنطقة، رغم كل مرارته، فقد سبق أن قاله المرشد آية الله علي خامنئي وقائد الحرس الجنرال محمد علي جعفري وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي يتجوّل في ميادين وساحات دول أربع هي سوريا والعراق واليمن ولبنان، وكأنّه في بلاده إيران. هذه المرارة ليست كل شيء، وإنما أساساً في كون التصريح خطيراً لأنه صدر من الرئيس حسن روحاني رمز القوى المعتدلة والوسطية المُفترض أنها في مواجهة يومية ضد تيار المتشدّدين.
إلى جانب ذلك، وهو المهم، أنّه بهذا يضمّ جناح الدولة إلى جناح الثورة الذي يقوده المرشد والحرس الثوري. بهذا يقع الاتحاد في الموقف بين الثورة (أو بقاياها) والدولة القائمة التي ما زالت وليدة لم تكتمل قوتها بعيداً عن وجود مؤسسات قديمة بعضها متين.
أيضاً، وهو مهم جداً، توقيت هذا الإعلان داخلياً، حيث الصراع على خلافة المرشد الذي يبدو وكأنه يقود خلافته بنفسه لأنه يريد ممن سيخلفه أن يكون على مثاله في ضمان الخط الخامنئي وعدم الدخول في مساءلة ما فعله طوال ربع قرن من السلطة المُطلقة. ولا شك أنّه في هذه الحالة، يكون روحاني في وارد تقديم أوراق اعتماده للمرشد وللحرس بأنه لن يخرج عن خطهما واستراتيجيّتهما في حال أصبح الولي الفقيه.
الواقع، أنّ هذا الالتزام الروحاني، لا يبدو مفاجئاً ولا يجب أن يكون سقطة. ذلك أنّ المرشد آية الله علي خامنئي، قد نجح في تحويل استراتيجيّته إلى استراتيجية إيرانية تشكل جزءاً من الأمن القومي الإيراني. باختصار، إنّ التمدد الإيراني بقوة تتناسب
حسب الدوائر الجغرافية المحيطة بها، هو جزء من استراتيجية تجمع بين الدفاع عن الداخل من الخارج أولاً وثانياً في تحويل الوجود من قوة إقليمية غير معترف بها إلى قوة إقليمية كبرى حاضرة مع الدول الكبرى في كل المفاوضات حول مستقبل المنطقة، بكل ما يعني ذلك من مكتسبات وامتيازات سياسية واقتصادية لإيران.
إيران تمددت وأكدت حضورها في المنطقة ليس دائماً بقوة السلاح. الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، أثبت أنّه قائد عسكري بارع واستراتيجي ماهر. لكن كل هذا ليس كافياً.
نجحت إيران لأنها مارست أيضاً السياسة والديبلوماسية والإنفاق ببراعة حيث يجب. الرئيس حسن روحاني، لا يمكنه إلغاء الاستراتيجية الخامنئية حتى ولو أصبح الولي الفقيه. لأنّ ما زُرع وما حُصد منه لا يمكن تجاهله. إيران أنفقت في سوريا وحدها 130 مليار دولار تقريباً. كذلك أنفقت المليارات في لبنان والعراق (حتى ولو ناصفت العراقيين في نفطهم وغازهم) واليمن. لذلك أكثر ما يمكن أن يفعله روحاني لاحقاً تصعيد العمل السياسي والديبلوماسي وتخفيف العمل العسكري. وهذا ممكن لأنّ المرحلة المقبلة ستكون مرحلة مفاوضات صعبة تتطلب أحياناً العمل العسكري لإثبات القوة أو الحضور، ولكن ليس الحرب الدائمة والمكلفة، وهذا يتطلب تصعيد دور الوزير جواد ظريف وتخفيف دور الحرس والجنرال سليماني.
في حالة من هذه، تعرف كل الأطراف المتحاربة والمتفاوضة، أنّ عليها في النهاية تقديم تنازلات مؤلمة، للحصول على مكاسب مهمة أو جيدة، ولا شك أن سوريا التي أصبحت الميدان الكبير لكل الحروب ولصياغة مواقع كل القوى، ستبقى الساحة - المركز مستقبلاً، لتحديد أحجام القوى ومكاسبها. في مثل هذه الحالة فإن:
* إيران المتحالفة مع روسيا في الحرب تتنافس معها في السيطرة على سوريا بعد الحرب. لكن مهما بلغ التنافس بينهما فإن كليهما سيعملان على ألا يؤدي التنافس بينهما إلى صِدام يُلحق الضرر بهما. ما يدفع أكثر إلى هذا، أنّ موسكو وطهران تأخذان في الاعتبار واشنطن وما تريده وما يمكنها أن تفعله وما يسعدها في إضعافهما كلما تواجتها. إيران التي تواجه واشنطن بصدر مكشوف ليس من مصلحتها أن تكشف ظهرها الروسي.
لذلك فإن إيران إذا ما حققت هدفها الأول وهو بقاء الأسد وتثبيت خطوط الإمداد لـحزب الله ثانياً، فإن تقاسم النفوذ والمصالح في سوريا ما بعد الحرب مع موسكو يصبح عملية حسابية تخضع فيها الأرقام للتمدد والتقلص وللجمع والطرح والقسمة.
* إسرائيل يهمّها إبعاد الوجود العسكري الإيراني – حزب الله – الميليشيات الشيعية عن حدودها الجنوبية أربعين كلم إلى داخل سوريا. إسرائيل تتحرك وتضرب داخل سوريا بحدود. لا يمكنها مواجهة موسكو التي تطالبها بوضع سقف لعملياتها (مؤخراً أبلغ وزير الدفاع الروسي ذلك للإسرائيليين عندما التقى المسؤولين في إسرائيل). باختصار، إنّ حرية الحركة مسموحة لإسرائيل للقيام بعمليات واسعة النطاق، لكن الحرب الواسعة ممنوعة. ما يعزّز ذلك أنّ واشنطن متفاهمة مع موسكو لأنها تريد أكلَ الكستناء وليس إحراق يديها طالما أنّه يوجد مَن يقوم بذلك عنها أي موسكو.
مشكلة إسرائيل كما يراها الإسرائيليون أنها بدون موقف معلن ونهائي من نظام الأسد ومستقبل سوريا، رغم أن ما تفضّله تحول سوريا إلى دولة فيدرالية وعدم عودتها إلى نظام مركزي كما ترغب طهران.
ليس من الخيال، الحديث عن حرب إسرائيلية شاملة ضد لبنان لكسر حزب الله وليّ إرادة إيران السياسية في سوريا أولاً والمنطقة ثانياً، لكن البناء على هذا الاحتمال والعيش تحت خيمته ليل نهار، ينتج توتراً يُستثمَر في تنازلات داخلية أولاً ومن ثمّ لزيادة الضغط من أجل الحصول على تنازلات أساسية في المفاوضات اللاحقة. وهذا إذا ما حصل يؤكد النجاح الإسرائيلي والفشل اللبناني - العربي – الإيراني، فهل مَن يسعى إلى ذلك؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.