تجري الاحتفالات للثورة الاسلامية في ايران، في ذكرى مرور ربع قرن على انطلاقتها، على وقع ثلاث حالات واحداث تكاد تكون منفصلة بعضها عن بعض، لكنها في واقعها مشدودة في ما بينها بخيط رفيع يؤكد على توصيف حالة الثورة من جهة، ومستقبل الدولة من جهة أخرى. وهذه الأحداث والحالات هي: الانتخابات التشريعية، والاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان، وزيارة الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني.
الانتخابات التشريعية ستجرى في موعدها. وهذا الاستحقاق الانتخابي الذي يضاف الى مسلسل الاستحقاقات السابقة من تشريعية وبلدية ورئاسية كان يمكن له ان يضفي على هذه الديموقراطية ذات الخصوصية المفصلة على قياس الجمهورية الاسلامية، لوناً اضافياً يغني ألوانها وأطيافها، لولا هذا "الانقلاب" الخارج من مؤسسات الجمهورية نفسها والتي يمسك المحافظون بمفاتيحها.
هذا الامساك اكد مرة أخرى أن هيئات المراقبة هي التي تصنع القرارات والتوجهات تبعاً لتوجيهات مراكز القوى والضغط، بصرف النظر عما تريده الأغلبية الشعبية صاحبة المصلحة الأولى والأخيرة بمستقبل الدولة فكيف بالجمهورية الاسلامية نفسها!.
والصراع المكشوف بين الاصلاحيين بمختلف قواهم وتياراتهم وأحزابهم، والمحافظين الممسكين بالنظام في كل المواقع الحساسة لأوردته التي تسيل أو تقطع الحياة عنه، دفع لأول مرة وبشكل مكشوف "الولي الفقيه" آية الله علي خامنئي الى الواجهة، حتى قدمه على غرار خروج امبراطور اليابان من سرية الظهور العلني الى الصف الأول من الحياة السياسية. ومثلما أدى "الانقلاب" الذي وقع في اليابان الى تغيير في تركيبة النظام فانقلب الامبراطور من "سيد الأسياد" الى امبراطور يملك ولا يحكم، فإن شيئاً ما لا بد أن يقع في الجمهورية الاسلامية مع المرشد الحالي أو بعده.
ولا شك في ان صمت الشارع الايراني وقاعدته المشكلة من الشباب الايراني (نسبة الذين هم تحت سن الـ25 عاماً تتجاوز 65%)، يُثير الاستغراب، ذلك ان هذه الأغلبية هي التي تشكل التيار الاصلاحي بكل اطيافه من أقصى اليسار ـ اذا صح التعبير ـ الى أقصى الليبراليين الاسلاميين. والواقع ان الصراع الدائر في القمة يدور تحت "عباءة" النظام بين مجموعات مرتبطة الى حد ما ببعضها البعض، حتى أن الرئيس محمد خاتمي الذي جاء بقوة 21 مليون ناخب، أثبت أنه "البطل" الذي لا يريد ان يلعب دور "البطل" لأنه ابن هذه المؤسسة الدينية، ومن طبيعة التزامه المؤسساتي المحافظة عليها حتى ولو أدى ذلك الى تحوله الى "كبش محرقة" على الصعيدين السياسي والشخصي. وهو الى ذلك لا يريد ان يخرج في حركته عن "الشرعية" التي أوصلته اساساً الى الرئاسة. وفي هذا دعوة تخص هذه القاعدة من الشباب على الالتزام بالشرعية الدستورية.
لكن هذا الصمت والالتزام بالشرعية الدستورية لا يعنيان ان كل شيء يتوقف هنا، ذلك ان هذه القاعدة تعرف جيداً أن أي تحرك لها الآن في الجامعات أو الشارع سيؤدي الى تحرك "طالبان" المحافظين لضربهم بحجة تعاونهم مع الأميركيين. وهم يريدون تجنب السقوط في هذا الفخ ولو موقتاً. لكن الشرخ وقع لكون الثورة الاسلامية التي قادت الى تأسيس الجمهورية الاسلامية، قامت على تحالف تاريخي بين الجامع والجامعة بمعناهما الواسع أي الدين والحرية، ورجال الدين والمؤمنين من جهة، والطلاب والمفكرين والمثقفين من جهة أخرى. والشرخ الذي وقع وان لم يؤدِ حالياً الى طلاق ظاهر، فإنه على الأقل مثل الزلزال، الذي يعرف الجميع أنه يمر ولكن لا يستطيع حتى العلماء تحديد حركة الباطن فيه الذي ينتج الزلزال ويحدد مدى قوته وبالتالي نتائجه. ولا شك في ان الايرانيين يعرفون أكثر من غيرهم، معنى خط الزلازل الذي يمر في أراضيهم والذي أوقع مؤخراً مأساة "بم" الانسانية والثقافية معاً.
وخطورة ما يقع في الجمهورية الاسلامية في ايران حالياً ان كل ما يجري حالياً يتم على وقع الاحتلال الأميركي للعراق وافغانستان معاً، اي الشرق والغرب معاً. ولذلك فإن التغاضي عن هذا الواقع الجديد، هو عمى قاتل، والفرق في هذا الخطر وجعله حفرة يتم فيها وأد الآخرين بحجة استجابة دعوات الديموقراطية الأميركية، وكأن ما يجري ليس نتاجاً طبيعياً ومشروعاً للايرانيين، هو سيف ذو حدّين يذبح الآخرين من جهة ويمهد لاحداث نزف قاتل لحامل السيف من جهة أخرى. فالأميركيون يتعاملون مع الواقع ببراغماتية وهم يتعاملون مع المحافظين ويمكن لهم أن يرفعوا من درجة حرارة هذا التعامل والتعاون تحت ضغط الحاجات والتطورات في العراق وافغانستان، ولكن من المؤكد ان المقيمين في واشنطن سواء كانوا جمهوريين أو ديموقراطيين محافظين متشددين أو ليبراليين ديموقراطيين، يرغبون برؤية "عمامة" هذا النظام الذي وقف في وجههم بقيادة الامام الخميني معلقة على "مشنقة" تعيد لهم "ايرانهم" التي فقدوها!
وهذه الرغبة الاميركية التي اساسها ارادة بالتغيير لم تتبدل، رغم المعرفة الكاملة بانه بعد 25 سنة لم تعد الثورة التي حاربتهم هي الثورة ذاتها. ولعل قراءة لائحة المشاركين في احتفالات الثورة قبل ربع قرن، من الثوار والمتنورين وادعياء الثورة الى رؤية الامير تشارلز ولي العهد البريطاني ضيفاً بارزاً في احتفالات الثورة ـ بصرف النظر عن كونه ليس مدعواً لحضور الاحتفالات وان الدعوة كانت صدفة، فان ذلك يؤشر بالرمز فضلاً عن الوقائع الى ان الثورة التي عاشت طويلاً بسبب التغيير التاريخي والضخم الذي اوقعته، لم تعد هي نفسها ولذلك فان السؤال عما بقي من هذه الثورة غير الالتزام بالقضية المشروعة للفلسطينيين ولحزب الله في لبنان كحزب وكمقاومة، هو مشروع وحقيقي.
أياً كان عدد الاصلاحيين الذين سيفوزون بالانتخابات التشريعية، فان "الانقلاب الدستوري" قد وقع، وليس مهماً من سيكون الرئيس المقبل سواء اكان الشيخ مهدي كروبي ام حسن روحاني او احد "وكلاء" هاشمي رفسنجاني مثل عطاالله مهاجراني وغيره!
فما يحصل الان ومستقبلاً يحمل في طياته تغييراً عميقاً، يقال ان "بطله" هاشمي رفسنجاني هو الذي سيعيد مستقبلاً صياغة نظام الجمهورية الاسلامية بحيث تبقى الجمهورية، وتنزل ولاية الفقيه تحت عباءة الرئاسة، فتتوحد القمة بحيث يرضي ذلك اهل الداخل المعترضين على ولاية الفقيه، ويتقلص رفض الخارج وهاشمي رفسنجاني "رجل الدولة في الثورة"، و "رجل الثورة في الدولة" كما وصف منذ البداية قادر كما يقال على احداث هذا التغيير بخاصة انه يعرف جيداً ماذا يريد الاميركيون كونه "عراب" الحوار معهم في قبرص وجنيف وغيرهما، وما نتج من ذلك في افغانستان والعراق!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.