الانتخابات التشريعية في البحرين، لم تكن حدثاً محلياً. هي حدث عربي بامتياز، في موقعها وتوقيتها.
فالبحرين، "لبنان" منمنم في جغرافيته وتركيبته السكانية والمذهبية. ولذلك لا يمكن التعامل مع انتخابات تشريعية جرت بكل شفافية، شاركت فيها المعارضة بقوة وفازت، وكأنها مجرد تجربة ديموقراطية عادية.
صحيح أن البحرين، ليست غريبة على الممارسة الانتخابية، لأن هذه الدورة هي الثالثة منذ العام 1975، لكن بعد التجربة الأولى، نامت الحياة الديموقراطية ربع قرن، وللصدف فإن ذلك حصل حين كان يشتعل لبنان ومن ثم يحاول أن ينهض ليبني ويعمّر ويعوّض عما مضى. وفي التجربة الثانية في العام 2002 امتنعت المعارضة عن المشاركة، فالوضع لم يكن قد نضج لمثل هذه المشاركة، خاصة أن جسور الثقة لم تكن قد اكتمل بناؤها بعد.
البحرين والتجربة الديموقراطية
فالبحرين التي لا تزيد مساحتها على 678 كلم مربع، وعدد سكانها نحو ستمئة ألف نسمة، كانت تعيش تحت وطأة تمييز مذهبي حوّل قسماً منها الى ما يشبه الغيتو المحاصر بحيث لا يمكن دخوله ولا الخروج منه بعد التاسعة ليلاً، ما زاد في الفرقة وصعود تيارات متطرفة ونموّها في ظل الثورة الايرانية علماً أن الغالبية المطلقة من الشيعة هي من العرب، أما الشيعة ذوو الأصول الايرانية فهم أقلية. ولأن الحصار يولد التمتمة، والقلق ينتج مزيداً من الفرقة، فإن البحرين كانت، وكان "بحراً" يفصل بعضه عن بعضه الآخر.
وبقي هذا "الانفصال" حتى جاء الملك حمد بن عيسى آل خليفة، فأخرج السلطة من القلق واقتلع الخوف بعد أن أزال الحواجز، ففتح الضفتين بعضهما على بعض، واكتشف الجميع ان الحوار يقيم جسور الثقة ويدفع باتجاه آفاق مستقبلية واعدة.
وأيضاً البحرين التي كانت بوابة سياسية للخليج وهي كانت ولا تزال تعيش امتدادات السياسة العربية، عادت مع هذه الانتخابات الى ماضيها بهدوء ومن دون انغلاق وانطواء فكري وايديولوجي. واذا كان الشيوعيون بمرشحيهم الثلاثة قد أخفقوا في الانتخابات، فإن مشاركة جمعية "العمل الوطني الاجتماعي" "وعد" في الانتخابات وامكانات فوزها في الدورة الثانية للانتخابات بمقعدين أو ثلاثة ليس عادياً أبداً. ذلك أن "وعد" هي "جمعية" (حزب بالتقويم السياسي العام) منبثقة عن الجبهة الشعبية لتحرير البحرين".
وخصوصية هذه الانتخابات انها جرت على وقع "العرقنة" التي "حطبها" الخلافات المذهبية. ومجرد فوز "الوفاق" بأكبر كتلة في البرلمان والتي تضم 17 نائباً وهي التي تضم الشيعة بزعامة الشيخ علي سلمان الذي درس في قم وأُبعد الى لندن بعد سجنه لأعوام، فإن ذلك يعد ضربة مباشرة لأي حديث عن "العرقنة". فالاطفائية الحقيقية لنار "العرقنة" هي هذه المشاركة المباشرة في السلطة التشريعية والتنفيذية. وكان لافتاً أن الشعارات الأساسية تتمحور حول "صون" الوحدة الوطنية، والدفع باتجاه مواطنة متساوية من دون تفريق على أساس العائلة او الدين أو الطائفة.
ومما يشجع أكثر على انجاح هذه التجربة ان المعارضة التي امتنعت في العام 2002 من المشاركة في الانتخابات، شاركت الآن وهي واعية جداً للسقف الذي ستتحرك تحته، ولذلك يشدد الشيخ علي سلمان على أن المعارضة التي يزعمها "تعرف حدودها"، لذلك لا حاجة الى الرهان مطلقاً على متغيرات تؤدي إلى اختراق هذا السقف. فالتطوير الديموقراطي يحتاج إلى وقت والمشاركة من الداخل هي الآلية الاسلم للوصول إلى هذه النتيجة.
الشراكة في التفهّم والتفاهم
إذاً، بين سلطة مدركة لإيجابيات الانفتاح والتفاهم والحوار ومعارضة مقتنعة بالمساحة القادرة على التحرك داخلها، هي التي تجعل من دخول البحرين حالاً من الاستقرار والاطمئنان عملية طبيعية. وهي أيضاً، وهو الأهم الذي دفع جزيرة مثل البحرين تعتمد في اقتصادها على الخدمات التي تشكل أكثر من 53 في المئة من إنتاجها الوطني، إلى الدخول في فورة اقتصادية غنية. فالتنافس بين العائلات والقوى الاجتماعية والسياسية يدور الآن في مزيد من الإعمار تتجلى معالمه في صعود أبراج حديثة لم يكتمل بناؤها بعد.
طبعاً هذه التجربة وشفافيتها لا تعني ان البحرين تحولت بين ليلة وضحاها "جنة" ديموقراطية تغالب بريطانيا في عمقها وأهميتها. ذلك أن المقص الرسمي، عرف كيف يقتطع من منطقة ليعطي منطقة اخرى أكثر مما تستحق أو ما يوازي كثافتها السكانية، بهدف التحكم دستورياً ببعض النتائج. وهذا الوضع لا تنفرد البحرين به، فلبنان عاش دورات كثيرة على غرار هذه التجربة بصورة أو أخرى. كما أن نظام المجلسين أي البرلمان والشورى، يحقق أكثر فأكثر التوازن من جهة، وإمساك الملك بدفة التوجيه وبفاعلية، من جهة اخرى.
حالياً، وفي استكمال لهذه التجربة الديموقراطية، تعمل البحرين على "تحصين" الداخل المذهبي، بالدفع تجاه مزيد من الاعتدال بطريقة مدروسة، وتتجلى هذه العملية بإنشاء مجلس استشاري لتشجيع الاعتدال المذهبي بالعلم والفقه. ولم تكتفِ البحرين بعلمائها كأعضاء لهذا المجلس، بل هي استعانت بعلماء وفقهاء عرب ومسلمين.
فأهل البحرين، يريدون الاستفادة من هذا التشابه مع لبنان مستثمرين إيجابيات تعدديته وتجنّب "اللبننة" القاتلة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.