"أمير الظلام" ريتشارد بيرل، يعرف في فرنسا بأنه "ملك الظلمات". ومعرفته في فرنسا ولدى الفرنسيين ليست طارئة. ولذلك لم تخفِ الأوساط الفرنسية ولا سيما منها الإعلامية فرحها باضطراره للاستقالة، حتى ولو لم يكن السبب حرب العراق، ذلك أن بيرل وضع فرنسا منذ أشهر في خانة "الأعداء الاستراتيجيين لأميركا".
وإذا كان الحلفاء يخفون في السابق "غسيلهم الوسخ" طبقاً لقواعد التحالف، فإن المواجهة بين واشنطن وباريس حول الحرب على العراق، ساهمت في إسقاط المحظورات، ويتم يومياً الكشف عن أسرار جديدة. ومن الطبيعي أن يبدي الفرنسيون اهتماماً بوضع ريتشارد بيرل الذي سبق له أن حاضر في ندوة نظمها تيك غولدمان ساش حول الاستثمار وإمكاناته في عراق ما بعد صدام حسين، وذلك قبل اشتعال الحرب. وفي هذه المحاضرة قال بيرل "إن الديموقراطيين لا يشنون الحروب وحدهم الديكتاتوريون يشنونها". وتساءل "من كان يتخيل أن فرنسا وألمانيا يمكن أن يصبحا أعداءنا الاستراتيجيين، وأن يتصرفا هكذا؟".
وعندما سأل أحد الحاضرين عن إمكان استخدام صدام حسين الأسلحة الكيميائية رد بيرل بسخرية: "لا تنسوا أن الرئيس جاك شيراك قد أعلن أنه سيدخل الحرب إذا حصل ذلك" وأكمل متهكماً "لكن لا أحد قال لنا مع أي جهة سيحارب؟".
ولم يقف ريتشارد بيرل عند هذا الحد بل ذهب الى القول: "إن عقاب شيراك سيكون بعد الحرب، فالفرنسيون سيحاسبونه لأنه أراد ترك صدام حسين في السلطة، والعلاقات بين شيراك وصدام استثنائية".
وفي مسلسل الكشف عن أسرار الحرب ضد العراق ظهر دور "ترويكا الظلام" المشكلة من بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل واليوت ابرامز في اقناع جورج بوش بالحرب في 17 أيلول 2001، وإذا كان الاثنان وولفوفيتز وبيرل مرتبطان بعلاقة صداقة تعود الى العام 1970 عندما عملا معاً مع السيناتور هنري جاكسون، فإن الثالث المكلف بملف الشرق الأوسط كان ضد اتفاقات أوسلو وأحد أبطال فضيحة "ايران ـ كونترا" والمنظر لاسقاط صدام حسين.
وكان بيرل قد تولى كتابة الرسالة الموجهة الى الرئيس السابق بيل كلينتون في 2811-981- "حول ضرورة مهاجمة العراق للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة الحيوية في الخليج". كما كشفت الأوساط الإعلامية الفرنسية أن وولفوفيتز عقد مع ريتشارد بيرل ندوة داخل وزارة الدفاع، شارك فيها 15 خبيراً من "رجالهم"، انضم اليهم هنري كيسنجر في 291528-20011-، وخرج جميع هؤلاء بخلاصة مفادها وجوب مهاجمة العراق بعد أفغانستان. وخلال هذه الندوة، تم استدعاء أحمد الجلبي وإبلاغه بضرورة الاستعداد لذلك. وقد وافق جورج بوش على هذا الطرح، وفي 2911-20021-، صاغ دايفيد فروم الذي كلف بإعداد الرأي العام الأميركي للحرب شعار "محور الشر".
وأما السر الكبير الذي كشفته مجلة "نوفيل أوبسرفاتور" في عددها الأخير فهو أن اجتماعاً لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز مع قيادة الجيش الأميركي في 1091-20011-، لعقد مصالحة بينهم وتسوية الخلافات، فشل في التوصل الى نتيجة ايجابية ولذلك أعد رامسفيلد ووولفوفيتز استقالتيهما. لكن أحداث 11 أيلول، أنقذت "صقور" الإدارة الأميركية ووضعت خطة الحرب ضد العراق التي عمل من أجلها بيرل قبل سنوات طويلة. وقد أعلن بيرل "ندمه" في حديث مع صحيفة الفيغارو في 152821-20021- لأنه تعاون مع نظام الرئيس العراقي صدام حسين لإلحاق الهزيمة بإيران "لكن كان يجب الاختيار بين الشرير والأكثر شراً على أمل أن يتم الإطاحة بالثاني لاحقاً".
ريتشارد بيرل، المدير العام السابق لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، يعتبر أحد "صانعي الملوك" في واشنطن، فهو لا يتسلم منصباً حكومياً، وإنما هو عضو استشاري في وزارة الدفاع التي اضطر للاستقالة منها.
وقد كشفت صحيفة "نيويورك" التشابك بين مصالحه المالية وموقعه داخل وزارة الدفاع الذي يعتبر شبه رسمي.
ولا شك أن استقالة بيرل، أياً تكن أسبابها، تريح فرنسا في وقت دقيق تشن فيه أوساط أميركية حملة اقتصادية ضد المنتجات الفرنسية. ففرنسا لا تريد أن تصل المواجهة الى السقوط في فخ الحرب الاقتصادية، لأن هذه وإن كانت آثارها محدودة، تبقى مضرة في المدى الطويل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.