تعيد الديبلوماسية الفرنسية ترتيب أوراقها استعداداً للقاء الثلاثي يوم غدٍ الجمعة بين وزراء خارجية الترويكا المعارضة للحرب: فرنسا وألمانيا وروسيا. ويكتسب هذا اللقاء أهمية خاصة لانه يأتي غداة المباحثات التي جرت أمس في بروكسل بين وزير الخارجية الأميركي كولن باول ووزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف. وكانت المباحثات الروسية ـ الأميركية مثابة تمهيد للقاء القمة بين الرئيسين جورج بوش وفلاديمير بوتين منتصف الشهر المقبل في مدينة سان بطرسبرغ وذلك بمناسبة الاحتفالات بمرور 1300 عام على تأسيسها.
واستغربت مصادر فرنسية تأويل تصريحات وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان التي دعا فيها دول الشرق الأوسط الى ضبط النفس، والذهاب في ذلك بعيداً الى درجة رؤية تحول في الموقف الفرنسي من الأزمة العراقية.
وترى هذه المصادر أن دوفيلبان الذي يكرر دائماً التشديد على معرفة فرنسا بالعالم العربي أكثر من أي دولة اخرى، عبّر عن خشيته "من اشتعال المنطقة" وهو في دعوته الى عدم صب الزيت على النار فإنه لم يستثنِ أحد اضافة الى تذكيره بثوابت الموقف الفرنسي القائم على "أن تكون الحرب أقصر ما يمكن وان تتسبب في أقل أضرار ممكنة، وضرورة أن تعود "اللحمة الى المجتمع الدولي" الى "دور مركزي للأمم المتحدة لانها الآلية الوحيدة ذات الشرعية الدولية"، ووجوب الحذر من خطر معاداة الولايات المتحدة والغرب".
وتلاحظ مصادر فرنسية مطلعة، أن الرئيس شيراك الذي يمسك بملف الأزمة والحرب في العراق، اعتمد مؤخراً "الصمت، وأن الاليزيه ابلغ من يطالب بتدخل الرئيس مباشرة عدم رغبته في ذلك، وانه يفضّل حالياً عدم الدخول في تفاصيل الوضع العسكري، مع تأكيده تضامنه الكامل مع الأميركيين والبريطانيين بكل ما يتعلق بخسائرهم البشرية" فهم أولاً وأخيراً حلفاء لفرنسا وفرنسا حليفتهم".
ويبدو واضحاً أن ثمة مخاوف تسيطر على الحياة السياسية في فرنسا وأبرزها الآتي:
ـ أن تستتبع فترة الحرب واحتلال العراق من قبل القوات الأميركية ـ البريطانية فترة سلام قد لا تكون أقل مأسوية من فترة الحرب. وترجمة ذلك إمكانية تنامي مقاومة عراقية ضد الأميركيين، ولذلك فإن فرنسا تصر على ان تتولى الأمم المتحدة إدارة العراق وليس الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا الإطار فإن الرئيس شيراك تباحث مطولاً السبت الماضي على الهاتف مع طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني، ويبدو انهما متفقان على وجوب ان يكون للأمم المتحدة اليد الأولى في إدارة مستقبل العراق.
ـ أن يتنامى الشعور المعادي للأميركيين لدى الفرنسيين نتيجة للخلط بين معارضة الحرب ومعاداة الولايات المتحدة الأميركية. وقد زاد هذا الشعور نتيجة الاستفتاء الذي أجرته صحيفة "الموند" مع القناة الأولى للتلفزيون اذ أعرب 33 في المئة من الفرنسيين عن تأييدهم لأن يحقق العراق نصراً على الأميركيين في حين أن 53 في المئة فقط أيّدوا فكرة انتصار الولايات المتحدة الأميركية.
وأمام هذا التطور أكد رئيس الحكومة جان بيار رافاران "الاطلسي" الاتجاه (كان ينتمي الى حزب "الجمهوريين الديموقراطيين" سابقاً) انه "يجب علينا ألا نخطئ في تحديد عدونا، وفرنسا تتمنى الانتصار للأميركيين".
وتضيف المصادر الفرنسية، أن القلق من تنامي الشعور المعادي للأميركيين، يقوم على نزعة قديمة لدى الفرنسيين تصاعدت مع الحرب، فضلاً عن تنامي الشعور المعادي لدى الأميركيين ضد فرنسا، وكان من مظاهره الدعوات الى مقاطعة الانتاج الفرنسي، وكذلك قرار حاكم لويزيانا بإلغاء دعوة الى الرئيس جاك شيراك لحضور احتفالات انضمام هذه الولاية الى الولايات الأميركية بعد شرائها من الفرنسيين وما جرى تسريبه مؤخراً من أن الرئيس بوش رفض الرد على الهاتف عندما طلبه الرئيس شيراك. ويردد الفرنسيون "علينا ألا ننسى أن هذه الإدارة الأميركية اثبتت انها حقودة".
ـ مخاطر انتقال انعكاسات الحرب بكل نارها المشتعلة الى داخل المجتمع الفرنسي، مما سينعكس سلباً على "السلم المدني"، وعدا الأنباء المبالغ بها احياناً عن اعتداءات ضد افراد من الجالية اليهودية، من شبان عرب ومسلمين، فإن ظهور صور لصدام حسين اثناء تظاهرة السبت الماضي الى جانب لافتات تم فيها مزج نجمة داوود بالصليب النازي قد اثار "المخاوف والغضب". ويكرر المسؤولون الفرنسيون أن لا خلاف مع واشنطن على ضرورة تنحي الرئيس صدام حسين من السلطة، وان الخلاف هو حول الأسلوب فقط. ولوحظ أن وزير الداخلية ساركوزي الناشط والفاعل جداً، قام يوم الاحد الماضي بزيارة لأبرز المساجد والهيئات الاسلامية وبعضها محسوب على التطرف لمطالبة زعمائها بالدعوة الى التعقل وعدم نقل الحرب الى داخل جالياتهم.
وفي محاولة جادة لانقاذ التحركات الشعبية الفرنسية من أي "انحراف" او "خلط في الأهداف"، فقد قررت الهيئات المنظمة لتظاهرة السبت القادم منع ظهور صور لصدام حسين، ولافتات نجمة داوود الممزوجة بالصليب النازي او حتى أي شعار يعتبر معادياً للسامية، وكل ذلك في وقت اعتبرت بعض أوساط الجالية اليهودية أن حرق العلم الأميركي هو ايضاً من الأعمال المعادية للسامية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.