معركة بغداد، كما يراها خبيران عسكريان غربي وعربي، تشهد الآن مراحلها الأخيرة، باعتبار ان العاصمة العراقية هي الهدف المركزي للحرب، وكل العمليات الحربية على مساحة العراق التي تبلغ نحو 420 ألف كلم مربع هي في خدمة هذا الهدف. أما العملية الأولى في المعركة في 20 آذار الماضي والتي بدت محدودة جداً وغير متوافقة مع مختلف السيناريوات العسكرية التي كانت تجمع على القصف الساحق بآلاف الصواريخ من نوع توماهوك والقنابل الذكية، فقد كانت عملية اغتيال معقدة جمعت بين سلاح الجو وأجهزة المتابعة الالكترونية بما فيها الأقمار الصناعية والعملاء الأرضيين.
ذلك ان القيادة الأميركية كانت ولا تزال تعتقد ان مقتل الرئيس صدام حسين سينهي الحرب سريعاً وبأقل الخسائر العسكرية والمدنية. وفشل هذه العملية الذي لم تعرف أسبابه بعد، وهل هي عائدة إلى خطأ في المعلومات أو وصول احداثيات الهدف متأخرة، أم بسبب القدرة الهائلة لصدام حسين ونتيجة لحسّه الأمني الاستثنائي في الخروج من الهدف في اللحظة المناسبة، هو الذي أدى إلى فتح الأجواء أمام كل أنواع الطيران الأميركي، وإلى استخدام أحدث ما أنتجته مختبرات الأسلحة والمصانع الأميركية من أسلحة، لعل مثالها المعروف حالياً القنابل العنقودية الجديدة التي تبلغ نسبة عدم التحكم فيها بسبب الهواء وسرعته نحو 5%.
ويقول الخبير العربي ان هذه الحرب ضد العراق مثلها مثل كل الحروب تشهد مبالغات كبيرة وعمليات خداع كثيرة، إلى استخدام وسائل جديدة لم يسبق أن استخدمت في حروب سابقة أو أنها استخدمت وطورت جداً. ويرفض الخبير محاولة وضع معركة بغداد في خانة معركة ستالينغراد السوفياتية أو معركة بيروت عندما حاصرها الإسرائيليون، ذلك ان بغداد وإن كانت مساحتها هائلة، إلا ان مبانيها منخفضة ومنتشرة باستثناء أحياء محدودة مثل الكرادة والصالحية حيث توجد المقرات الرسمية، لذلك فإن تقدم الدبابات ليس مغامرة مكلفة خاصة في ظل الحماية الجوية.
أما الخبير الغربي فيرى انه بعد فشل محاولة اغتيال صدام حسين من الجو، عاد الأميركيون إلى خططهم العسكرية الموضوعة سابقاً، والتي عندما صيغت كانت أمام ثلاثة سيناريوات في حصار العواصم وهي:
باريس عام 1944 عندما استسلم النازيون بعدما تأكد قادتهم ان برلين خسرت الحرب، وهكذا كانت الخسائر محدودة جداً من الجانبين.
بودابست عام 1944 التي خضعت لحصار دام ستة أسابيع مع قصف مستمر، والخسائر كانت كبيرة لكن تم تجنب الخسائر الضخمة.
برلين التي تم احتلالها دون أي حساب للخسائر، فسقط من المهاجمين 80 ألفاً في ثلاثة أيام فقط.
وهنا يتفق الخبيران الغربي والعربي، على ان معركة بغداد تعتمد أساليب وتكتيكات تجمع بين السيادة الجوية المطلقة للأميركيين، وعمليات القوات الخاصة المجهزة بكل أنواع المعدات الالكترونية حتى على المستوى الفردي، وكل ذلك يفترض ان يؤدي عملياً إلى قطع أوصال الجهاز العصبي للقيادة خصوصاً على صعيد الاتصالات مع مختلف القطاعات والنظام.
ويؤكد الخبيران ان ما يعلن ليس سوى جزء محدود مما يدور، وما نراه على شاشات التلفزيون ليس أكثر مما هو مسموح. وكمثال على ذلك ان الفرقة المجوقلة 1528 الأميركية التي تأخرت في تقدمها 48 ساعة بسبب عاصفة الرمال تضم 270 طائرة هليكوبتر اباتشي وغيرها.
وحول الاختراق السريع للقوات الأميركية الذي أدى إلى وصولها إلى مطار بغداد واحتلاله يوم الجمعة الماضي علماً ان التوقعات كانت ان معركة بغداد الكبرى لن تبدأ قبل اليوم الاثنين، يقول الخبير العربي ان العالم نسي كما يبدو ان كل المنطقة الممتدة من الفاو وأم قصر إلى الخط 33 كان يتم "تنظيفها" جوياً وعلى مدى 12 عاماً، وانه لولا البصرة والنجف وكربلاء لكان الوصول إلى بغداد قد تم في اطار السرعة الميكانيكية للدبابات والآليات، هذا دون إغفال التفاف القوات الأميركية على الكوت وتجنب المواجهة فيها استناداً إلى دروس التجربة التاريخية للقوات الانكليزية في بداية حملة احتلال العراق الأولى.
وفي شأن معركة بغداد واحتلالها، يرى الخبير الغربي ان "الأميركيين يعمدون إلى التقدم والتراجع، لاختبار مراكز التموضع العسكري العراقي، ومن ثم التقدم نهائياً بعد كشفها للطيران الذي يتبع سياسة "السجادة الخضراء" وهو تعبير مستخلص من عمليات قصف الطيران للمدن اليابانية والالمانية". ويضيف الخبير ذاته ان أنواع الأسلحة التي يستعملها العراقيون وهي في معظمها أسلحة خفيفة تؤكد مدى تأثير الضربات الجوية على الوحدات المدرعة والمضادات الجوية.
ويتفق الخبيران الغربي والعربي، على ان القوات الأميركية تعمل على تطويق بغداد من كل الجهات مع ترك ممرات للمدنيين للخروج، لتخفيف الخسائر وتجنب المواجهات، وبالتالي احتلال مربعات صغيرة تشكّل كل واحدة جزيرة يتم تأمينها ومن ثم وصل عدة "جزر" في أرخبيل أو سلسلة على طريق الاستيلاء على بغداد.
ويؤكد الخبير الغربي ان القوات الأميركية التي تتقدم حالياً في اطار خطة مدروسة على مساحة العراق وتبعاً لكل منطقة على حدة مع الأخذ بالاعتبار طبيعتها الجغرافية والسكانية والعرقية والسياسية، تهدف إلى تصفية القيادة العراقية، لأن ذلك سيؤدي، في رأيها، إلى انهيار كل القيادات وإنهاء الحرب. ولذلك تم حتى الآن عدم التفرغ لتصفية المقاومة نهائياً حتى في البصرة وكربلاء والنجف، علماً ان ذلك يقلل الخسائر ويفتح الباب نحو التفاهم مع السكان المحليين وكل ذلك بمساعدة عناصر من المعارضة العراقية.
ويخلص الخبير الغربي إلى القول ان الأميركيين يستثمرون جيداً دروس حربي يوغوسلافيا وافغانستان ليس على الصعيد العسكري فقط وإنما أيضاً على صعيد التعامل مع المناطق. ولذلك فإن الأميركيين لا يبدون مستعجلين لكي يأخذوا الموصل وكركوك منعاً لدخول الأكراد إليهما، وربما ذلك يشكّل جائزة ترضية للأتراك.
وحتى لا تتكرر قصة كابول مع التحالف الشمالي الذي دخلها بسرعة وقبل أن ينهي الأميركيون استعداداتهم مما أدى إلى نتائج لا يرغبونها. كما ان الأميركيين الذين لم يجدوا في المعارضة العراقية حليفاً قوياً مثل تحالف الشمال الافغاني، يعمدون حالياً واستناداً إلى الخبرات البريطانية التاريخية والحديثة إلى إغراء شيوخ العشائر والزعماء المحليين لضمهم إلى جانبهم وتهدئة الأوضاع بعد كسب ثقتهم.
أما الخبير العربي فينهي كلامه بالقول ان احتلال بغداد يعني نهاية معركة وليس نهاية حرب، وكل شيء معلّق على طبيعة الاحتلال الأميركي ومدته، فكلما كان واضحاً وعميقاً وطويلاً تحوّلت المقاومة إلى حرب مفتوحة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.