أكد الدكتور أحمد الجلبي، الموجود في الناصرية، في حوار هاتفي مع "المستقبل" ان الولايات المتحدة الأميركية ملزمة الدفاع عن سيادة العراق ووحدته وقيام نظام ديموقراطي وأن الوجود الأميركي في العراق سيكون قصيراً لأن الإدارة الأميركية تعرف حجم المشاكل التي ستواجهها إذا بقيت فيه.
وأشار الجلبي إلى انه سيتم قريباً جداً إعلان حكومة مؤقتة لن يشارك فيها، وأن الجنرالات السابقين يستطيعون العمل في السياسة شرط ألا يعودوا عسكريين، أو أن يعملوا في الجيش فقط ويتخلّوا عن العمل السياسي.
وهنا أبرز النقاط التي أثارتها "المستقبل" مع الجلبي في حوار شامل كان يميل أحياناً إلى السخونة:
دكتور الجلبي، ما هو شعورك وأنت في العراق بعد هجرة وتهجير استمرا أربعين عاماً أو أكثر؟
ـ أنا كنت في العراق منذ فترة قصيرة، في الشمال العراقي. لكن هذه أول مرة أزور فيها مدينة الناصرية. وأنا سعيد جداً بأن أكون بين أبناء الشعب العراقي، وسعيد جداً مما لقيته من انسجام وترحيب، إلى التفاهم العام حول المواقف السياسية وضرورة أن يكون العراقيون هم أصحاب السيادة في وطنهم وليس حاكماً عسكرياً أجنبياً.
الآن أنتم في الناصرية، كيف هي الحال فيها وفي المنطقة إجمالاً، هل الوضع هادئ عسكرياً أم انه لا تزال هناك مواجهات؟
ـ ثمة فرحة عارمة بالخلاص من (الرئيس) صدام حسين وارتياح شعبي كامل لخروج أجهزة صدام القمعية من هذه المنطقة، وكل من قابلناه سواء من الناس العاديين أو الكادرات وكبار القوم، روى لنا قصصاً عن المعاناة على أيدي النظام. الشعب سعيد جداً وهو يتطلع إلى مستقبل عراق حرّ وديموقراطي.
هل فوجئت بضعف المقاومة في بغداد؟ وأين الجيش العراقي؟!
ـ الجيش العراقي لن يقاتل دفاعاً عن صدام، وأفراده إما التحقوا بالمعارضة أو اكتفوا بالعودة إلى منازلهم وعائلاتهم. والشعب العراقي والجيش العراقي يريدان الخلاص، وكان النظام يدفعهما إلى القتال بالإرهاب وفرق الاعدام خلفهم من أفراد الحرس الجمهوري والقتلة الذين استأجرهم صدام لقيادة حروبه ومغامراته العسكرية.
الآن والكلام يدور حول عراق ما بعد صدام حسين، كيف يبدو هذا الأمر من جانبكم؟
ـ نحن نرى المستقبل في عراق حرّ مستقل موحّد ديموقراطي تعددي فيدرالي، واستناداً إلى دستور يقرّه الشعب العراقي في استفتاء حرّ. الشعب العراقي هو الذي سيختار النظام..
... ولكن نائب وزير الدفاع الأميركي وولفوفيتز تحدث عن وجود أميركي في العراق مماثل لذلك الذي عرفته المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، فما هو موقفك من هذه المسألة؟
ـ يجب أن يحكم العراق العراقيون وأن تكون سيادة العراق للعراقيين، ووجود الجيش الأميركي في العراق ضروري لفترة حتى تتم أول انتخابات ديموقراطية حسب الدستور، وقيام حكومة ديموقراطية في العراق. الدولة العراقية دولة دمّرها صدام حسين والجيش العراقي تبعثر، والسيادة العراقية في مهب الريح، نحن نسعى كعراقيين لإعادة بناء سيادة العراقيين وإعادة تأهيل الدولة العراقية بحيث تستطيع الدفاع عن العراق. ونحن نعتقد انه في خلال هذه الفترة ان الولايات المتحدة الأميركية ملزمة الدفاع عن سيادة العراق ووحدته وعن قيام نظام ديموقراطي.
ولكن رغم كل ما تقوله يتم تكليف الجنرال جاي غارنر بإدارة العراق...
ـ عمر إدارة الجنرال غارنر قصير، لأن الولايات المتحدة تتحرك بسرعة لكي يقوم العراقيون بتأسيس السلطة الوطنية المؤقتة.
هناك كلام عن فترة ستة أشهر وسنتين، وحتى عن وجود أميركي طويل..
ـ ليس هناك كلام عن ستة أشهر ولا سنتين، نحن نعتقد ان الأمور تتم بسرعة. والولايات المتحدة الأميركية ترى ضرورة ان يحكم العراقيون العراق بسرعة، وهم يرون الآن حجم المشاكل التي ستواجههم إذا هم حكموا العراق مباشرة. والشعب العراقي لا يبحث عن ادلاء ومترجمين يعملون عند حكام أميركيين. الشعب العراقي يريد قادة سياسيين يثق بهم ويتولون إدارة الأمور في العراق حتى يتم إقرار دستور دائم وتجري انتخابات تفضي إلى قيام حكومة عراقية. الأميركيون تفهموا ذلك وقرر الرئيس بوش دعم سلطة عراقية مؤقتة بسرعة فائقة، ريثما تنتهي العملية ضد صدام باستثناء أسلحة الدمار الشامل التي تتولاها القيادة الأميركية مثلما تتولى تدمير أجهزة القمع والاستخبارات وكذلك عملية اجتثاث حزب البعث من المجتمع المدني والسياسي وكل فاعليات العراق، إضافة إلى إعادة هيكلة الجيش العراقي، على أن تتولى السلطة العراقية تأسيس جيش عراقي جديد تكون مهمته الدفاع عن العراق بعيداً عن التدخل في السياسة وعن المغامرات العسكرية.
ضمن كل ما يقال عن عراق ما بعد صدام حسين، يتردد انه لا مكان لك فيه أو أنك ستكون مهمشاً؟
ـ لست مرشحاً للحكم وقلت ذلك قبل الآن، وقلته لك شخصياً في تصريح سابق قبل الحرب بأشهر (راجع مقابلة "المستقبل" 1/7/2002). وأكرر انني لست مرشحاً لأي منصب سياسي في العراق. ولكن أعتقد ان لا أحد يستطيع تهميش أي سياسي عراقي، لأني أثق بأن الأميركيين لا يسعون إلى التدخل بهذه الصورة في اختيار حاكم للعراق.
لقد قالت كونداليزا رايس، مستشارة الرئيس بوش، في وقت سابق "اننا لن نتوج أي شخص رئيساً للعراق"، هذا أمر حكيم وتركه للشعب العراقي أمر صحيح وحكيم أيضاً.
وماذا عن الجنرالات ومنهم الخزرجي والصالحي؟ يقال انهم أصبحوا داخل العراق ويستعدون للمشاركة في السلطة؟
ـ الكل واحد، لن يكون هناك حكم عسكري مستقبلي في العراق، ولن يكلف أحد بإعادة تشكيل الجيش العراقي، إلا أبناء العراق الذين لهم سجل بعيد عن الاضطهاد وعن المشاركة في أعمال الاضطهاد. وإذا كان هؤلاء الجنرالات يريدون القيام بدور سياسي فإن عليهم الابتعاد عن الجيش.
أما إذا أرادوا أن يلعبوا دوراً في الجيش فعليهم ان يلاقوا القبول من السلطة السياسية التي ستتولى مقاليد النظام في العراق، ولن يستطيع أحد من الأميركيين أو من أجهزة استخباراتهم فرض أي شخص على العراقيين. أعتقد ان الاستخبارات الأميركية لن يكون لها دور في بناء الديموقراطية في العراق لأن ذلك ليس من عمل الاستخبارات.
وماذا عن احتمال سحب الجامعة العربية الاعتراف بأي نظام يتم تنصيبه من جانب الأميركيين وفي ظل الاحتلال الأميركي؟
ـ نحن نأسف لذلك، ونأسف ان تقوم جامعة الدول العربية بهذا الأمر إذا قامت به، وهو سيكون قراراً أليماً للعراق والعراقيين.
هل تشرح لنا أكثر هذا الأمر...
ـ هذا الأمر يخص العراقيين، والعراق دولة عربية مهمة وهي عضو عامل في جامعة الدول العربية، فإذا أرادت هذه مقاطعة العراق، فإنها ستعود للتعاون مع العراق بعد فترة وبعد ان يزول غضبهم.
متى تتوقع دخول بغداد؟
ـ بغداد ساقطة عسكرياً ونحن نعمل في كل مناطق العراق وسنرسل بعثة إلى بغداد قريباً جداً وأنا سأعود إلى هنا في القريب العاجل.
هل ستعلنون حكومة مؤقتة قريباً؟
ـ نحن نعمل الآن على تأسيس سلطة عراقية، ونحن نعمل بشكل جاد لذلك وبالتنسيق مع كل قوى المعارضة وتحت إشراف قيادة المعارضة العراقية.
هل سيتم إعلان الحكومة قريباً من صلاح الدين أم من بغداد؟
ـ هذا الأمر قيد البحث الآن، وسيتم إعلان السلطة العراقية في الوقت المناسب وبالتنسيق مع جميع أطراف المعارضة.
هل يمكن تشكيل حكومة مؤقتة في الكويت؟
ـ نحن لا نسعى إلى حكومة في المنفى، لا نريد إعلان أي سلطة خارج العراق، نحن نسعى إلى إعلان سلطة في الداخل.
ممن؟
ـ من كل العراقيين الذين لهم القدرة والطاقة للعمل في عراق المستقبل.
دكتور أحمد الجلبي، كلما أشيرَ إلى اسمك تعاد اثارة قضية البنوك، حتى في صحيفة "الموند" بالأمس، ما هو ردّك؟
ـ نعم، ما جرى في الأردن في 2 آب عام 1989 كان اعتداء سافراً، ساهمت فيه أطراف من الحكومة الاردنية مع نظام صدام حسين للاستيلاء على أموالنا ومنها بنك البتراء في الأردن. وهذا الموضوع تم بقرار من الحاكم العسكري الاردني ووقع عليه المرحوم زيد بن شاكر رئيس الوزراء، ولم تكسب الحكومة الاردنية أي قضية أمام المحاكم في الخارج، أي القضايا التي رفعتها ضدنا رغم انها صرفت الملايين من الدولارات من دون نتيجة. وأنا أدعو الحكومة الاردنية إلى رفع الحيف وتعويضنا نتيجة هذه الأعمال العدوانية التي قامت بها السلطات الاردنية في ذلك الحين، وإثارة هذه القضية من أطراف معادية لنا لن يؤدي إلى نتيجة، فالقضية عمرها 14 سنة والاعتداء قائم علينا ونحن نسعى لرفع الاعتداء.
يعني انت مستعد لمواجهة القضاء؟
ـ نحن سنعمل لنأخذ حقنا لاحقاً، فالوقت الآن ليس للقضايا الشخصية، نحن سنحصل على حقنا وتعويضنا الأضرار التي لحقت بنا لاسيما المعنوية منها.
وماذا عن الأمير الحسن بن طلال الذي عرض نفسه للحكم؟
ـ الأمير الحسن لم يعرض نفسه للحكم، هو ابن ملك وحفيد ملك وشقيق ملك، ولذلك لا حاجة لديه ليعرض نفسه من أجل منصب، وهو سياسي عربي ودولي أكبر من الأردن، وأنا أحترمه وأقدر دوره في العمل السياسي العربي، وهو سيكون له دور سياسي مهم على المستوى العربي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.