انتقال فرنسا من "حالة المبادئ" الى "مسار البراغماتية" أدى الى مبادرة الرئيس جاك شيراك لكسر الجليد مع الرئيس جورج بوش. فقد بادر الرئيس الفرنسي بالاتصال بنظيره الأميركي، بعد انقطاع بينهما بدأ في 7 شباط واستمر حتى أمس الأول. ويشدد المسؤولون الفرنسيون على ان هذا الجليد في العلاقات بين الرئيسين لم يمنع حركة الاتصال والتواصل بين مختلف المسؤولين والديبلوماسيين وان كان أقل من السابق وبحرارة منخفضة.
ويقول فرنسوا ريفاسو الناطق باسم الخارجية الفرنسية إن وزير الخارجية دومينيك دوفيلبان بادر قبل يومين بالاتصال بنظيره الأميركي كولن باول وتركز الحوار على العراق ومنطقة الشرق الأوسط.
وشدد ريفاسو "على ضرورة عودة الوحدة الى الأسرة الدولية واشاعة مناخ الحوار والتشاور والانفتاح".
وخلال الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الفرنسي والأميركي الذي وصفته كاترين كولونا الناطقة باسم قصر الاليزيه بـ"الايجابي" في حين وصفه آري فلايشر الناطق باسم البيت الابيض بـ"المهني"، جرى تبادل الرأي في خلال عشرين دقيقة، وهو وقت قصير نسبياً، وبحضور مساعديهما كما جرت العادة حول الوضع في العراق ومنطقة الشرق الأوسط.
واستناداً الى أوساط الاليزيه، فإن شيراك شدد بداية على استمرار تحليله وعدم تغير موقفه من ان الحرب لم تكن ضرورية وانها أسوأ الخيارات وكان يجب ترك الباب مفتوحاً أمام المفتشين الدوليين لنزع السلاح العراقي. وبعد هذا المدخل المستند الى "حالة المبادئ" انتقل الرئيس شيراك الى التأكيد على "استعداد فرنسا للتحرك بطريقة براغماتية، ومعالجة كل ملف على حدة".
وحول الملفات، أشارت المصادر نفسها الى ان المرحلة القادمة في العراق تقوم على معالجة الملفات التالية:
نزع السلاح العراقي، ومن الطبيعي هنا التشديد على ضرورة عودة المفتشين الدوليين بأسرع ما يمكن الى العراق.
إعادة إعمار وبناء العراق. وفي هذا الجانب خاصة فإن فرنسا تؤكد على دور الأمم المتحدة في هذا الجانب خاصة وان توني بلير يتحدث حالياً عن "دور مفتاح" للأمم المتحدة بعدما كان يقول بدور حيوي للأمم المتحدة.
ملف الحكومة الموقتة، حيث تريد فرنسا معرفة توقيت إعلانها ومدة بقائها.
ملف النفط الأكثر حساسية ذلك ان باريس تعتبر أن انفراد واشنطن بهذا الملف واحتكارها للانتاج العراقي في وقت ليس لها اي وجود بين الشركات العاملة في العراق، لا يمس فقط المصالح الفرنسية مباشرة، بل يؤكد أن الهدف المعلن لهذه الحرب وهو إسقاط صدام حسين ونظامه، لم يكن سوى ذريعة للوصول الى النفط.
وأخيراً فإن باريس تشدد على وجوب قيام المجتمع الدولي بكل ما في وسعه وبأسرع ما يمكن لترك مكان أساسي للأمم المتحدة في مستقبل العراق، أن ذلك هو مصلحة الجميع.
وحول اسباب هذه المبادرة الفرنسية لكسر الجليد على مستوى القمة، فإن الأوساط الفرنسية تتخوف من "الصعود المخيف لكبار الصقور، في الادارة الأميركية، نتيجة لانتصارهم في الحرب ضد العراق، وأن تكون ترجمة هذا الصعود المزيد من السياسة العدائية. فهؤلاء "السوبر صقور" كما يشير مصدر فرنسي بارز، أثبتوا انهم يفعلون ما يقولون ويقولون ما يفعلون. ولذلك فإن تهديدات نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز ضد فرنسا وضرورة معاقبتها تؤخذ على محمل الجد خصوصاً في الجانب الاقتصادي منه. ومما يؤكد ذلك ان رئيس هيئة رجال الأعمال الفرنسيين ارنست ـ انطوان ساليير حذر ضمناً من هذه السياسة العدائية عندما أشار "الى وجود عناصر سلبية ضد الشركات الفرنسية في الولايات المتحدة الأميركية". كما أشار مصدر فرنسي آخر الى ان باريس تلقت "رسائل سلبية أيضاً حول خفض حجم التعاون العسكري بين واشنطن وباريس.
الى ذلك، فإن الديبلوماسية الفرنسية، التي لمست تصعيد كبار الصقور ضد سوريا بعد العراق، تريد العمل من خلال البراغماتية، لإعادة الموقف الأميركي الى براغماتيته والتعامل مع الملف السوري وجبهة الشرق الأوسط بشكل خاص بهدوء، والعمل لإعادة دفع عملية السلام لأنها الطريق الوحيد للاستقرار والأمن في المنطقة والعالم.
يبقى أن الرئيس جاك شيراك، الذي يريد انجاح قمة الثمانية الكبار التي ستعقد في مطلع حزيران المقبل، لم يكن امامه سوى القيام بمبادرة الاتصال، على أساس ان اذابة الجليد خلال 45 يوماً تسمح "بالحوار العميق والجاد وصولاً الى حلول واقعية تضمن عودة الوحدة الى المجتمع الدولي، والعمل في اطار الشرعية الدولية".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.