آية الله محمد مهدي الخالصي، هو حفيد قائد ثورة العشرين في النجف الامام محمد مهدي الخالصي الكبير. من مواليد عام 1938، في المنفى وكان والده آية الله محمد الخالصي قد نفاه الحاكم البريطاني السير بيرسي كوكس بسبب دوره في حركة الجهاد والمقاومة. وقد جاهر الأب الخالصي بمناهضته للشاه رضا خان مما عرّضه أيضاً للمضايقة والهجرة من جديد. عام 1945 عرف آية الله محمد مهدي الخالصي العراق حيث أكمل دراسته في الحوزة ثم في جامعة بغداد حيث حصل على اجازة الحقوق، وخدم في الجيش العراقي، وحكم عليه بالاعدام لرفضه المشاركة في الحرب ضد الأكراد. خرج نهائياً من العراق عام 1979 وبحقه حكمان آخران بالاعدام بعد أن تولى الاشراف على الحوزة العلمية في المدرسة الخالصية المعروفة باسم جامعة العلم التي منها تخرج السيد المرعشي النجفي والسيد الخونساري والسيد الخوئي.
وفي هذه المقابلة التي أجرتها "المستقبل" معه عبر الهاتف في لندن ـ يدعو آية الله الخالصي، إلى جعل ذكرى أربعين الامام الحسين مناسبة لرفض الاحتلال الأميركي وإلى مغادرة الأميركيين بلاد الرافدين لكي يقيم العراقيون عراقهم الحر المستقل لكل ابنائه، وهنا نص الحوار مع الخالصي:
سماحة آية الله مهدي الخالصي، يوم الأربعاء القادم، تقع ذكرى أربعين الامام الحسين ويتوقع أن تشهد كربلاء تجمعاً بشرياً عظيماً وقد دعوتم الى المشاركة فيه. كيف ترون طبيعة احتفال هذا العام في ظل الاحتلال الأميركي ـ البريطاني للعراق؟
ـ لا يخفى عليكم ان لذكرى الأربعين ولمدينة كربلاء الحسين عليه السلام، شأنا خاصا في مقاومة الظلم والطغيان والغزو الأجنبي، وقد شهدت كربلاء ثلاثة مؤتمرات لمقاومة الغزو البريطاني للعراق، الأول كان في سنة 1914 لإعلان الجهاد ضد الغزو البريطاني، والثاني لإعلان ثورة العشرين المسلحة، والثالث عام 1922 لإعلان رفض الاحتلال ورفض مشاريعه الاستعمارية المتمثلة بالانتداب وحكومة النقيب الدمية.
وهذه المؤتمرات الثلاثة عقدت في كربلاء الشهادة، كربلاء الحسين. في وقت تحتل القوات الأميركية والبريطانية العراق، بعد 80 سنة من المقاومة، دعينا الى هذا الاجتماع الذي سيكون في ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام، لتحديد الأهداف في رفض الاحتلال ورفض جميع المشاريع التي جاؤوا بها ولكي نقول بصوت واحد: لا للاحتلال، ولا لأصنامه المتعاونين معه، ولا لأية سلطة تستند الى الاحتلال ولا لمشاريعه، ولكي يكون العراق للعراقيين ولنجعل من يوم الحسين ويوم الشهادة منطلقاً لعراق جديد تعلو فيه راية التوحيد والعدل والاخاء والاستقلال، ولكي تنطوي الى الأبد عهود الفساد والظلم والاستبداد، وعهود العملاء والمبادئ المستوردة، ولنمضي جميعاً انطلاقاً من هذا الاجتماع الى بناء عراق ينعم فيه الجميع وبلا استثناء من عرب وأكراد وسنّة وشيعة وغيرهم بالأمن والرخاء وبإرادة عراقية خالصة لا يشوبها زيف او اكراه.
كم تتوقعون ان يبلغ حجم الحشود في هذا اليوم؟
ـ لا يخفى عليكم، أن هناك تقليداً عراقياً تأسس منذ عقود وربما أكثر من قرن، يقضي بأن يجتمع العراقيون جميعاً وبلا استثناء شيعة وسنّة وعرباً وأكرادا وسائر الزائرين من أقطار اخرى وخاصة العربية، ان يجتمعوا في زيارة الأربعين في كربلاء، وكانت الزيارة ممنوعة على العراقيين بأمر من الحكومة السابقة، والناس متعطشون الآن للمشاركة في الاجتماع، للاحتفال بذكرى الإمام الحسين ورفض الاحتلال والإلتزام بالتحرر والديموقراطية وحق تقرير المصير، وكل ذلك على المحك، ونحن ندعو للمشاركة تحت شعار "لا لأميركا ولا لصدام" وهو شعارنا منذ وقعنا في أسر المنافي.
ولكن تأتي هذه الذكرى والعراق يشهد الاحتلال الأجنبي من جهة ومشاكل في جنوب العراق من جهة اخرى كما في النجف وكربلاء...؟
ـ النقطة الأساسية هي رفض الاحتلال. ثم ان المشاكل انما هي متأتية من الاحتلال، وكل ما يحصل لا سبب له سوى ما يفتعله الاحتلال.
فليس في النجف الأشرف مشكلة بين الناس والمراجع، ولا بين السنّة والشيعة في أماكن اخرى من العراق ولا بين العرب والأكراد، فطالما عاش العراقيون شعباً واحداً تحت راية الاسلام، وليرحل الاحتلال وسيجد أن العراق هو شعب واحد يعملون لبناء عراق حر سيّد ومستقل.
ولكن مولانا، رغم كل هذا الكلام الجميل، لا يمكن اخفاء وجود المشاكل. وما مقتل السيد الخوئي سوى مظهر من مظاهر الخلافات؟
ـ على العكس تماماً. ان مقتل هذا الرجل انما يأتي دليلاً على أن العراق لن يسمح بعد اليوم في أي عهد كان، وفي أي زي كان، وفي أي اسم كان أن يركب الدبابات الأجنبية ويأتي الى هذا البلد، هذا الرجل دخل على رأس دبابة وفي متن القوات الأجنبية المحتلة. ولذلك كان الشعب العراقي العظيم له بالمرصاد، ومجرد ان غفل عنه حراسه المارينز في داخل مدينة النجف، ومجرد ان وضع رجله في داخل الصحن العلوي، انقض عليه العراقيون لكي يقولوا للاحتلال وعملائه لسنا بعد اليوم نرضى بالاحتلال وفي أي زمن كانوا. وإذا كان بعض الناس يأتي بزي الدين ويستند إلى نسب، لكي يخدم الإسلام والوطن فأهلاً وسهلاً، ولكن الشعب لن يسمح بأن يتلبسوا بلباس الدين ويحاربوا الوطن كما رأينا أيضاً في مؤتمر الناصرية عندما قدموا رجلاً مغموراً بلباس الدين ليروج للأميركي الصهيوني للقضاء على الإسلام وكل الحركات الملتزمة به.
ان مؤتمر الناصرية انعقد في ظل الاحتلال ومن عناصر حضرت مؤتمر لندن المشبوه وتحت رعاية الجنرال غارنر الذي هو من الأكثر تطرفاً بين الصهاينة، ولكن هذا لن يمر إن شاءالله.
ما هو موقفكم من اتهام السيد مقتدى الصدر باغتيال السيد الخوئي؟
ـ هذا من افتراءات الاحتلال والصهاينة، وذلك في محاولة لإلقاء الفتنة بين المسلمين، وبعد ان عجزوا عن إلقاء الفتنة بين الشيعة والسنّة، يحاولون ان يلقوا الفتنة بين الشيعة، بين بعضهم البعض وفي النجف الأشرف مقر المرجعية. وأكرر لا يد للسيد الصدر في ذلك وإنما هو جميع الشعب العراقي الذي يتربص بعملاء الاستعمار بأي زيّ كانوا. فبالرغم من الظلم الذي لحق بآية الله محمد صادق الصدر (والد السيد مقتدى الصدر) أعلى الله مقامه، من هذا الرجل (أي السيد عبد المجيد الخوئي) ومن مؤسسته ومن آخرين في إيران (يقصد آية الله محمد باقر الحكيم) فإن الشعب العراقي هو الذي تولى الأمر وليس لآل الصدر حفظهم الله وأبقاهم أي يد في هذا الأمر إلا ما يعتري في صدور الأمة الإسلامية والشعب العراقي، من الشعور بالظلم الذي حاق بهذا الرجل (أي محمد صادق الصدر).
ولكن ماذا عن محاصرة منازل المراجع الأربعة وعلى رأسها الإمام علي السيستاني؟
ـ هذه فرية أخرى من إعلام الاحتلال. وقد سبق ان كذّب مكتب السيستاني في لندن وفي بيروت ذلك أو أن يكون أي حصار أو اساءة للسيد السيستاني.
لكن العشائر هي التي نزلت إلى النجف وفكت الحصار عن منازل المراجع الأربعة.
ـ هذه فرية أخرى، لم يكن هناك حصار لكي يفك إنما حاول رجال العشائر المخلصون للإسلام والعراق العمل للقضاء على الفتن التي يريد الاحتلال بذرها بين المسلمين، مقام المرجعية محفوظ وكل الشعارات واليافطات التي نزلت في الشوارع في الناصرية كانت تأييداً للمرجعية.
يقال أيضاً ان ما يجري في النجف يعني منافسة أخرى تقوم على العمل لاستعادة النجف مكانها الطبيعي؟
ـ لم يكن في التاريخ كله أي منافسة بين النجف وقم وخراسان وسائر البقاع، والغرض من هذه الفرية التي يقول بها الأعداء تمرير الفتنة، ان جميع الحوزات في النجف وقم والكاظمية وسامراء وغيرها، وسائر مراكز العلم في الأزهر وقيروان، كلها يد واحدة ضد المحتل.
صحيح لا توجد منافسة ولكن منذ قيام الثورة الإسلامية في قم وبسبب قمع النظام العراقي للعلماء في النجف، أخذت مدينة قم وحوزة قم الموقع التاريخي للنجف طوال الفترة الماضية، والوضع يشير إلى العمل لاستعادة النجف موقعها السابق؟
ـ هذا تحليل ضعيف في حقيقة الأمر، لأنه منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني أعلى الله مقامه، كان من الطبيعي جداً ان يكون مرتكز المراجع حيث توجد الثورة ومقاومة الاحتلال ومقاومة الصهيونية، وبما ان النجف الأشرف وكل العراق كان تحت حكومة استبدادية ظالمة واستعملتها أميركا والصهيونية لمحاربة الثورة الإسلامية، والعراقيون يدينون أميركا لأنها دمرت العراق مرتين، مرة عندما سلطوا هذا النظام على العراق وعملوا لوقف مدّ الثورة الإسلامية، والمرة الثانية عندما أتوا بجميع قوى الشر العالمي، ودمروا العراق وحافظوا على النظام.
مولانا، كلامكم سليم ولكن ماذا لو رجعتهم إلى تحليلي ان الثورة في إيران والقمع الاستبدادي سحبا الموقع التاريخي للنجف ووضعاه في قم.. لماذا لا نعترف بذلك؟
ـ هذا التحليل ليس مبنياً على روح المرجعية ومدينتي قم والنجف اللتين ينبعث منهما الدفاع عن الإسلام، فليس هناك مغانم يتقاتل عليها أهل النجف وأهل قم، وهذا ليس موجوداً في أجندة المرجعية ولا أجندة الإسلام، فحيث تكون المقاومة تكون المرجعية، ولهذا فإن الإسلام والدولة والدين لا تنفصل عن بعضها البعض في ظل المفهوم الإسلامي للحياة وفي فترة من الفترات انتقلت المرجعية من النجف الأشرف إلى سامراء، كما كانت في زمن الميرزا شيرازي في ظل ثورة التنباك.
يقال الآن ان المراجع التي لا تتفق مع مبدأ الولاية المطلقة كما في إيران، ترغب في العودة إلى النجف لاسترجاع استقلاليتها استناداً إلى مبدأ تعددية المراجع..
ـ النجف وحوزتها مفتوحة للجميع، المهم بالنسبة لنا ان من يأتي إلى الحوزة وإلى النجف الأشرف ان لا يأتي مواكباً للاحتلال أو عبر الاحتلال، ونحن لدينا ثقة بالمراجع الفاضلة في مواقفهم من الاحتلال أينما كانوا، أما مسألة الاتفاق أو الخلاف مع الولاية المطلقة فهذا طبيعي وللجميع حرية اتخاذ الموقف الذي يرونه من هذه المسألة.
سؤال أخير: هل أنتم مع قيام جمهورية إسلامية في العراق؟
ـ أنا مع قيام دولة إسلامية في العراق.
ما معنى دولة إسلامية؟
ـ معنى دولة إسلامية، انها دولة تحكم بشريعة الله ولا تخضع للأفكار الواردة الكافرة التي تريد مصادرة الدين، الدولة الإسلامية في العراق هي الدولة التي تحتكم إلى شريعة الله وتحترم حقوق البشر جميعاً وحقوق جميع أصحاب الأديان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.