جولة وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان في منطقة الشرق الأوسط، والتي ستكتمل في مرحلتها الثالثة بزيارة أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، أكثر من جولة استطلاعية، كونها تضع حجر الأساس لمرحلة ما بعد طي صفحة من الملف العراقي، هذا ما يقوله مصدر ديبلوماسي في باريس، مضيفاً أن "باريس تعتبر أن الأشهر الستة المقبلة، ستكون فترة ترقب ومراقبة لكل ما يجري في العراق وحوله وفي ملف النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي".
ويرى مصدر عربي مطلع، أن الإدارة الفرنسية التي أوفدت الى المنطقة دو فيلبان رجل الثقة لدى الرئيس جاك شيراك، تريد من خلال جولته التأكيد على مجموعة من المواقف والتطلعات أبرزها:
ـ ان فرنسا التي تعتبر أن حالة المبادئ التي عاشتها بقوة وتصميم ونجحت في تحقيق انتصار واضح فيها عندما سحبت غطاء الشرعية الدولية عن الحرب الأميركية ضد العراق، قد انتهت من دون أن تسقط تلك المبادئ. ذلك أن فرنسا ما زالت متمسكة بمبادئ الشرعية الدولية والمسؤولية الجماعية، وأن أبرز مؤشرات ذلك أن الرئيس شيراك تعهّد في اتصاله الهاتفي الأول مع الرئيس جورج بوش قبل أسبوع بعد قطيعة استمرت منذ 7 شباط الماضي، التأكيد في البداية على استمرار اقتناعه بصحة موقفه وموقف فرنسا من الحرب وكل ما دار داخل مجلس الأمن قبل الحرب.
ـ ان الانتقال الى مرحلة البراغماتية كما أكد دو فيلبان تتناول فقط المشاكل المطروحة ميدانياً، وأن هذه البراغماتية منفتحة على كل الثوابت والمتغيرات.
ويوضح المصدر العربي في هذا الشأن، أن دو فيلبان، سعى خلال جولته الشرق أوسطية حتى الآن الى الاستماع بانفتاح وتجاوب مع كل ما طرحه المسؤولون لأن فرنسا تريد أن تعرف وهي تدخل مرحلة جديدة في التعاطي مع ملف العراق وتطوراته، في أي حقل تسير والاتجاه الذي تأخذه، وأخيراً وهو الأهم مع مَنْ ستسير. وتشعر فرنسا أن سياسة التهديد الأميركية التي تستخدم أسلوب العصا والجزرة، ليست مجرد تصريحات للاستهلاك الدولي، فالصقور الذين قادوا الولايات المتحدة باتجاه الحرب ضد العراق وربحوها، تحولوا الى "سوبر صقور"، وهم يريدون متابعة تهجمهم والعمل لتنفيذ سياسة "الثواب والعقاب".
وفي الوقت نفسه، فإن باريس وإن كانت قد خففت لهجتها لأنها لا تريد في الوقت الحالي استفزاز واشنطن، تعرف جيداً أن الإدارة الأميركية تتبع سياسة "استدراج العروض" من فرنسا للمرحلة القادمة، وباريس التي تشدد على الدور المستقبلي والدائم للأمم المتحدة في مرحلة إعادة إعمار العراق، تعلم جيداً أن واشنطن ستحتاجها عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي يمكن في الوقت المناسب التحدث باللهجة المناسبة.
ويكشف المصدر أن دو فيلبان أراد من جولته خصوصاً في الدول العربية المعنية معرفة طبيعة الموقف العربي في المرحلة القادمة، وإذا ما كان العرب سيظلون كما كانوا قبل الحرب وخلالها مجرد متفرجين يرتعشون من انتصار الأميركيين أو من صمود نظام صدام حسين. ويشرح أن فرنسا ترى أنه إذا ذهبت الولايات المتحدة الأميركية بعيداً في تنفيذ تهديداتها ضدها، يجب أن يكون بإمكانها تشكيل "جبهة صمود وتصدي حقيقية الى حين حصول تغيير دراماتيكي خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية".
يبقى أن الجولة المقبلة للوزير الفرنسي في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل ستتجاوز الملف العراقي، لبحث سبل إعادة إطلاق مسار العملية السلمية، خصوصاً وأنه يمكن الاستناد من جهة الى تسلم محمود عباس "أبو مازن" رئاسة الوزراء، ومن جهة أخرى وجود "خارطة الطريق" المطلوب طرحها سريعاً على المجتمع الدولي، لكي تصبح البراغماتية أسلوباً ناجحاً للخروج من وضع "حافة الهاوية" التي حشرت فيه منطقة الشرق الأوسط.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.