الخلاف بين باريس وواشنطن يبدو مستمراً وحاداً، ولذلك كرّر الرئيس جورج بوش في لقائه مع الصحافة الحديث عن "إحباطه" نتيجة موقف فرنسا. والتباين هنا ليس من قبيل المزاحمة أو المنافسة، وإنما مردّه إلى اختلاف الرؤية للنزاعات في الشرق الأوسط، وتحديداً التوافق الأوروبي ـ العربي على ضرورة أن تشمل عملية السلام المسارين السوري واللبناني.
ذلك ان باريس وعلى لسان وزير الخارجية دوفيلبان، ترى ان "السلام والعدالة لا يمكن تجزئتهما، ولذلك يجب معالجة أزمة العراق والشرق الأوسط بالتصميم إياه وفي جميع أوجهها". وبذلك يكون دوفيلبان حسب مصدر فرنسي مطلع، قد قدم قبل قمة إيان للدول الثماني "خارطة طريق" لكل النزاعات في الشرق الأوسط، أي العراق والنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والسوري ـ الإسرائيلي واللبناني ـ الإسرائيلي، في حين ان واشنطن قدمت "خارطة طريق" للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي فحسب.
وكانت "المستقبل" نقلت انه تم التطرّق في اجتماع وزراء خارجية الدول الثماني الكبرى في باريس الأسبوع الماضي إلى ضرورة إعداد "خارطة طريق" للبنان وسوريا تنفذ بالتزامن مع "خارطة الطريق" الفلسطينية وصولاً إلى سلام شامل في المنطقة. وبناء على هذا البحث بدأ تحرك اللجنة الرباعية على هذا الخط لصوغ مشروع حلّ شامل يتناول المسارين السوري واللبناني.
وفي هذا السياق، لاحظت مختلف الأوساط الفرنسية ان الرئيس جورج بوش لم يذكر ولا مرة واحدة في حديثه الصحافي الذي شاركت فيه صحيفة لوفيغارو المقرّبة من الرئيس جاك شيراك، النزاع السوري ـ الإسرائيلي أو لبنان. فالرئيس الأميركي أكد التزامه الكامل بالعمل لحل المشكلة الفلسطينية، أما الباقي فإنه يأتي لاحقاً، وكأن هذه النزاعات حلقات منفصلة وليست متداخلة ومتشابكة.
ومن الطبيعي أمام هذا الإصرار الأميركي على استبعاد الربط بين المسار الفلسطيني والمسارات الأخرى، ان يتم إدخال كل النزاعات في "ثلاجة" حل النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، علماً ان "ورقة" وزراء خارجية الدول الثماني الكبار في 22 الجاري التي اعتبرت "ان خارطة الطريق تمنح النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي فرصة تاريخية لحله وإنهاء عقود من الألم"، قد أشارت إلى ان الوزراء "ناقشوا الوسائل التي يمكن ان تؤدي للتوصل إلى حل شامل يشمل سوريا ولبنان، وأن الأطراف الثمانية يؤكدون دعمهم الكامل لهذا المسار".
وفي قراءة للموقف الأميركي من العلاقات الفرنسية ـ الأميركية، أشارت المصادر الفرنسية اياها إلى ان الرئيس جورج بوش أنهى حواره مع الصحافة بحضور جان لاميرشيتي عن "الفيغارو" بالقول "تحيا فرنسا"، على طريقة الجنرال شارل ديغول. واعتبرت هذه الخاتمة "رسالة" واضحة للرئيس جاك شيراك بأن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تحب وتريد "فرنسا الحليفة" بديغول القديم وليس النيوديغولية التي تحت غطاء التحالف الايجابي تعمل "لإحباطه" على الساحة الدولية. ولذلك كله، سيكون للرئيس جورج بوش "مناقشة مفتوحة مع شيراك" وليس كما في السابق "صديقي شيراك" في قمة الثمانية الكبار في إيان.
هذه "الرسالة" ليست رسالة يتيمة، إذ أبلغت الأوساط الرسمية الأميركية الرئاسة الفرنسية "استمرار شعورها بالإحباط ورفضها إصرار الرئيس جاك شيراك على نزع الشرعية عن الحرب ضد العراق"، خاصة في حواره مع صحيفة "الفايننشال تايمز" التي قال فيها "ان الانتصار في الحرب على العراق لا يكسب هذه الحرب الشرعية".
والرسالة الثالثة والعلنية هي امتناع الرئيس الأميركي عن المشاركة الكاملة في قمة الثماني، وما قرار بوش مغادرة إيان قبل نهاية القمة بحجة المشاركة في قمة شرم الشيخ وجولته الأوروبية "سوى قلّة احترام لفرنسا وبقية الدول المشاركة" كما أشارت الأوساط الفرنسية.
أما الرسالة الرابعة والجارحة من الرئيس جورج بوش، فقد كانت تأكيده وجود قضايا مشتركة يمكن التعاون فيها مع الرئيس جاك شيراك وهي مكافحة "السيدا" ومساعدة افريقيا، أي اختصار الدور الفرنسي في القضايا الإنسانية طالما انها "تحارب الحروب"، أما الشرق الأوسط ونزاعاته، فلا يعني سوى واشنطن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.