توقيت ضرب منظمة "مجاهدي خلق ايران" المعارضة المسلحة الايرانية، أثار العديد من التكهنات والسيناريوات حول الأسباب والدوافع والمصالح التي أوجبت مثل هذه العملية الفرنسية الواسعة التي من الواضح انها تتجاوز مبدأ توجيه "رسالة" في اطار المواجهة الشاملة مع هذه المنظمة التي مضى على وجودها في فرنسا منذ لجوء مسعود رجوي وأبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية في ايران. والمعروف ان القرار بوضع "مجاهدي خلق" على لائحة الارهاب مضى عليه سنة كاملة، فلماذا نفذت العملية الآن؟.
بداية، لأن مشاركة مجموعات من مختلف الأجهزة الأمنية الفرنسية تحت اشراف القاضي المختص بالقضايا الارهابية جان لوي بروغيير، يؤكد ان العملية قد أعدت على أعلى المستويات الرسمية ومضى على الشروع في الاعداد لتنفيذها عدة أيام وربما أكثر، اذ ليس عادياً تعبئة أكثر من 1200 شرطي و80 دركياً ونحو 300 من جهاز الاستخبارات الداخلية )T.S.D( وغيرهم للانتشار وتنفيذ العملية على مساحة مقاطعة كاملة ولتفتيش اكثر من ثمانية آلاف متر مربع من المباني والمقار التي يقيم فيها اعضاء هذه المنظمة التي تمتعت طوال عقدين من الزمن بتسهيلات نتيجة "الخدمات الاستخباراتية" التي قدمتها كما أشارت الأوساط الفرنسية، ضد النظام الايراني في فترة اتسمت فيها العلاقات الايرانية ـ الفرنسية بالمواجهات والاحتكاكات المتواصلة.
واستناداً الى أوساط مطلعة فرنسية وغير فرنسية، فإن تنفيذ العملية ضد مقار "مجاهدي خلق" وإلقاء القبض على اكثر من 163 من الناشطين فيها جاء نتيجة متغيرات سياسية لا يمكن تجاهلها وعدم التعامل مع نتائجها.
ولا شك في ان تطوّر "أنشطة المنظمة غير المشروعة" حسب الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية جان فرنسوا كوبيه، لعب دوراً أساسياً في العملية. والمقصود من هذا الاعلان وجود قلق فرنسي حقيقي من أن يؤدي استلحاق المنظمة بهزيمة النظام العراقي والتي تمثلت في المواجهة العسكرية مع القوات الأميركية ثم التوصل الى حل قضى بسحب كل السلاح الثقيل من بين أيديهم، ووضعهم تحت حماية هذه القوات والاشراف على تحركات أعضاء المنظمة، الى دفع قيادة "مجاهدي خلق" إلى البحث عن مركز قيادة جديد، يمكن من خلاله اعادة هيكلة المنظمة وضبط نشاطها خاصة وأن "مجاهدي خلق" منظمة مضبوطة الحركة بيد حديدية تصل الى حالة شبيهة بإمساك "المرشد" أعضاء أي فرقة دينية.
والخوف الفرنسي من أن تصبح أوفير سور واز هذه القاعدة الخلفية التي يتم منها اصدار التعليمات والتوجيهات والبيانات الى حقيقة مع العثور على أكثر من عشرة ملايين دولار نقداً، وقد يرتفع هذا المبلغ الى الضعف مع متابعة عمليات البحث والتفتيش، كما أن القبض على مريم رجوي الزوجة السابقة لمسعود رجوي والتي تعتبر حسب درجات التنظيم "رئيسة الجمهورية" المقبلة، قد رفع درجة المخاوف الفرنسية الى اليقين، خصوصاً وأن مريم رجوي تتمتع بحضور فاعل وسلطة قوية داخل التنظيم.
وفي هذا السياق، فإن العملية تمت لأسباب فرنسية ومصالح فرنسية بحتة مرتبطة من حيث الأساس بالاستقرار الأمني في ظل أوضاع دولية معقدة نتيجة للحرب الشاملة ضد الارهاب.
وتشير المصادر نفسها الى أن اطلاق سراح العديد من المعتقلين لا يعني توقف التحقيقات، ذلك ان الأجهزة الفرنسية التي صادرت أجهزة الكترونية كثيرة الى جانب صحون البث وغير ذلك تنتظر نتائج فرز "الموادّ" التي تم جمعها في الحواسيب الالكترونية خاصة على صعيد الحسابات المصرفية داخل فرنسا وخارجها اضافة الى امكانية الحصول على لوائح سرية للتنظيم وخططه وعلى ضوئها يمكن توجيه لائحة الاتهامات الى الأشخاص المعنيين.
ولا شك في ان فرنسا في هذا التوقيت بالذات قد قدمت "هدية" مهمة للسلطات الايرانية، التي تواجه اضطرابات داخلية من أجل التغيير والاصلاح، ولكن بحسب مصادر فرنسية وغير فرنسية، فإن هذه "الهدية ليست مجانية ولا هي مجرد محاولة لتعزيز الوضع الفرنسي في دائرة القرار الايراني"، ذلك أن فرنسا التي أظهرت تصلباً غير مسبوق خلال الاجتماع الأوروبي بما يتعلق بالنشاط النووي الايراني، وبما يعزز المطالبة الأميركية لإيران لوقف هذا النشاط، تريد في الوقت نفسه التوصل الى ابلاغ طهران وفي هذا الوقت بالذات أن تعاونها مع المجتمع الدولي ومطالبه التي لم تعد أميركية وإنما أوروبية ايضاً في مجال النشاط النووي، سيقابله تقديم المساعدة والدعم لها في مجالات اخرى ولا شك في ان ذلك سيعزز مكانة فرنسا لدى طهران ويسمح لها بالاضطلاع بدور مباشر في اي حوار مع واشنطن حول ايران أو بين واشنطن وطهران لاحقاً.
وتضيف هذه المصادر ان باريس مقتنعة بأن الجناح المتشدد أو "الصقور" في الإدارة الأميركية يبحث عن سبب "يشرّع" مواجهته مع ايران والنظام الاسلامي لإكمال حلقة التغيير في المنطقة.
وترى المصادر أن باريس التي صعّدت موقفها قبل القمة الأوروبية أرادت من ذلك دفع طهران باتجاه التعاون بدلاً من أن يؤدي التشدد في مواجهة واشنطن الى السقوط في فخ "الصقور" الأميركيين ومنحهم الذريعة الشرعية لمهاجمتها.
يبقى أمر مهم جداً، وهو أن باريس مثلها في ذلك مثل باقي العواصم الأوروبية ومنها لندن، وإن كان بوتيرة "أكثر حرارة"، ترى ان التغيير والاصلاح في ايران يجب ان يتم بإرادة ايرانية، وبحركة ايرانية داخلية وبدون تدخل أو ضغوط خارجية على غرار ما تفعله واشنطن. ذلك أن مثل هذا التدخل ولو بالتصريحات، يصب الماء في طاحونة المتشددين المحافظين الايرانيين الذين يتهمون الاصلاحيين بأنهم يلعبون لمصلحة واشنطن وحتى بتوجيه وتعاون مع واشنطن. وترى الأوساط الفرنسية المطلعة ان باريس ومعها أوروبا ترى ان التيار الاصلاحي الذي يقوده الرئيس محمد خاتمي حالياً قادر في النهاية وضمن شروط اللعبة الداخلية الايرانية على فرض التغيير ان لم يكن خلال الفترة الرئاسية الحالية، فعلى الأقل خلال الفترة المقبلة مع خاتمي أو من دونه. ومن مؤشرات هذه الإمكانية، أن الطلاب الايرانيين كسروا حاجز الخوف وكل الممنوعات عندما هتفوا لأول مرة ضد المرشد خامنئي وأن أكثر من 248 شخصية اصلاحية وقعت على بيان جاء فيه "ان وضع اشخاص في مواقع السلطة المطلقة والالهية هو هرطقة واضحة اتجاه الله وتحدٍ واضح لكرامة الانسان". وفي هذا الكلام الأول من نوعه في ادبيات السياسة الايرانية "إدانة كاملة ومطلقة لولاية الفقيه التي هي المبدأ الأساسي للنظام الحالي في ايران".
وتشير المصادر الفرنسية الى أن باريس التي "نسجت شبكة علاقات مهمة مع التيار الاصلاحي وخاصة مع الرئيس محمد خاتمي منذ زيارته الرسمية لباريس، استقبلت قبل أسبوع أحد مساعدي خاتمي، وهو بالتأكيد ليس مستشاره علي ابطحي كما اشيع. وهذه الزيارة التي لم يكشف عنها ليست سوى حلقة في مسلسل الاتصالات المستمرة بين طهران وباريس".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.