فرنسا بلا مهرجانات فنية في الصيف، مثل ربيع بلا أزهار. مدينة افينيون بلا مهرجان المسرح العريق تعود مدينة منسية كما هي طوال الشتاء، ومارسيليا بلا مهرجانها، تعود مدينة متوسطية غارقة في الحر ومشاكل "قبائلها" المتناحرة، ومونبلييه بلا عروض الرقص الحديث، تبقى أسيرة لرداء جامعة الطب التي تشتهر بها، واكس أون بروفانس بلا مهرجان الشعر والغناء لا يبقى منها ما يشد فرنسياً اليها. والأمثلة كثيرة، يكفي ان مهرجاناً للموسيقى وخاصة الجاز معرضة للإلغاء هذا الصيف على طريق الجلجلة التي يعانيها مهرجان مارسيليا.
أما المواجهة التي فرضت تغييراً دامياً في ألوان صيف 2003، فتعود الى قرار يتعلق بحقوق "المياومين" في عالم الفن من مسرح وسينما. وذلك انه وبموجب سياسة حكومة جان بيار رافاران الاصلاحية تم اقرار اصلاح ضريبي، اعتبره المياومون اسقاطا لحقوقهم في الضمان الاجتماعي والصحي والتقاعدي. وعلى الرغم من أن فرنسا تعتبر بلداً مميزاً وفريداً في حماية الابداع الفني، فان الوضع لم يعد مقبولاً من حيث حجم الخسائر التي تلحق بصناديق الضمان الاجتماعي وتعويضات نهاية الخدمة. ذلك أن عدد "المياومين" في عالم الفن من مسرح وسينما يصل الى 75 ألفاً وهم ان كانوا يعملون معظم أيام السنة فإنهم يبقون "مياومين" حقوقهم محفوظة بسبب تميز فرنسا في حماية حقوق العمال وهم يأخذون بدل بطالة. والمشكلة هي كيفية التوفيق بين الطبيعة الخاصة لهؤلاء المياومين الذين يعملون أشهراً لاعداد عمل مسرحي أو سينمائي، وخفض التعويضات بما يتناسب مع التشريعات الخاصة بعمل المياومين في القطاعات.
النقابات العمالية انقسمت منذ اضراب التقاعد بين فريقين، الأول يضم النقابة القريبة من الحزب الاشتراكي وهي TDFC المعتدلة في مواقفها من الاضرابات، ونقابة TGC القريبة من الحزب الشيوعي التي قادت تيار التشدد في الاضرابات السابقة. وقد انعكس هذا التشدد في الاضراب الحالي حيث قاد الفريق الثاني عملية تعطيل العروض المسرحية أو الاعداد لها، فأعلنت ادارة مسرح مارسيليا إلغاء المهرجان، كما أعلن جان بول موستاري "ان هذا القرار يمزق قلبي ولكني مضطر إليه". وأكد مدير مهرجان أفنيون انه بدوره يتجه نحو إلغاء أشهر مهرجانات المسرح في العالم، لأنه لا يريد عروضاً غير كاملة أو معرضة للتعطيل أثناء عروضها.
وزير الثقافة جان جاك اياغون الذي يعتبر من أبرز الوجوه الثقافية يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه، ولذلك يعقد اجتماعات متلاحقة مع رؤساء المهرجانات لكن المشكلة ان المياومين في عالم الفن ذهبوا بعيداً وبسرعة، عندما لجأوا الى الاضراب وتعطيل التحضيرات للأعمال الفنية وكأن لا وقت لديهم للتعامل مع مطالبهم بدقة أكثر وبدون تطرف. فالوضع الآن يبدو وكأنه وصل الى طريق مسدود. فالنقابات لا يمكنها التنازل بسرعة ومن دون نتائج تقدمها لقواعدها، وفي الوقت نفسه فإن الحكومة الفرنسية لا يمكنها الرضوخ لهذه المطالب تحت تهديد المنع. ثم هل من المعقول كما تقول الأوساط الرسمية ان نقدم على حل وسط بعد أن تم "اغتيال" موسم الصيف الفني؟!
ومن الواضح ان "المياومين" أو بالأحرى نقاباتهم، تسرعت في اتخاذ قرار الاضراب لمدة ثمانية أيام قابلة للتمديد، والمهرجانات بعضها بدأ أو بعضها الآخر سيبدأ خلال أواسط هذا الأسبوع. اذاً، ما هي الخطوة التصعيدية التي يمكن أن يلجأوا إليها بعد أن عطلوا المهرجانات؟
إلغاء مهرجانات الصيف الفنية من مسرحية وغنائية وموسيقية يوجه ضربة قاضية للموسم السياحي الصيفي في فرنسا كلها. فهذا الموسم الذي يجلب عادة أكثر من ثلث السائحين السنويين والذين وصلوا العام الماضي الى أكثر من 70 مليون سائح، ضرب أصلاً بسبب ارتفاع سعر اليورو بالنسبة للأميركيين وغيرهم من خارج أوروبا، كما ان تداعيات الأزمة الاقتصادية في قطاع الطيران والسياحة عموماً، قد لعبت دوراً اضافياً في ضرب هذا الموسم. ومن الطبيعي في هذه الحال ان الفرنسي المتوسط الذي لا ينفك يتأفف في الأيام العادية، أن يصرخ مكيلاً الشتائم في وجه "الزمن الرديء"!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.