رغم كل الليونة ومحاولات "ترطيب الأجواء" بين باريس وواشنطن، التي أبداها الرئيس جاك شيراك، في مداخلته المتلفزة السنوية المعتادة في مناسبة 14 تموز، الى درجة وصفه الخلافات مع الرئيس جورج بوش "بالسطحية" و"الإعلامية"، إلا ان الرئيس الفرنسي، ظل على موقفه "المتصلّب" بكل ما يتعلق بأصل الخلاف الفرنسي ـ الأميركي، وهو الملف العراقي.
بداية انطلق شيراك في تأكيد موقفه من الرؤية العامة للعالم. فهو رأى "أن صيغة شرطي العالم المرتبطة بأميركا، هي صيغة من الماضي، وأن الأزمة العراقية أكدت أولوية السلطة العالمية للأمم المتحدة لحل النزاعات"، وبهذا كرر شيراك ما كان يقوله قبل الحرب من أن الأمم المتحدة هي الهيئة الوحيدة التي يجب أن تقرر الحرب او السلام وأن يكون أي عمل تحت مِظلتها، وإلا فإن أي عمل خارجها يفتقد الشرعية الدولية مثل الحرب على العراق. وأكمل هذا الموقف، بإعطائه توصيفاً عاماً فقال: الآن أي أزمة أيا تكن طبيعتها وفي أي نقطة في العالم، تعني كل العالم وحلها تاليا يجب ان يكون على قاعدة وأخلاقية الأمم المتحدة والتي لا يمكن أن يحل أحد محلها، وأنهى هذا الإطار السياسي العام للعالم حالياً وفي ظل دروس الحرب على العراق فقال "ان الاحادية، أي أن تأخذ دولة واحدة سلطة القرار، ليست ممكنة الآن في هذا العالم. نحن في حاجة الى دولة تشجع السلام قبل أي شيء آخر"! جاك شيراك رفض صب الزيت على نار المناقشة التي أصبحت داخلية في أميركا حول امتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل، تاركاً للأمم المحددة الرد على ما اذا كان العراق يمتلك فعلا هذه الأسلحة ام لا. لكن ذلك لم يمنعه من اعادة التشديد، ضمنا على صحة مواقف فرنسا "لم يتركوا لنا الوقت للانتهاء من التفتيش ولذا لم انضم الى هذه العملية، وكان قراري هذا باسم المبادئ وليس للتضامن مع هذا او ذاك او معاداة لهذا او ذلك".
وفي شأن النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي فان شيراك الذي ابدى ارتياحه لالتزام الولايات المتحد الاميركية في الشرق الأوسط، وجه ـ انتقادات ضمنية لمسار النشاط الاميركي كله، في ضوء محاولات تطبيق "خارطة الطريق"، ذلك لانه بدأ بوصف الوضع بأنه "لا يحتمل"، ثم اشار الى "عدم تفاؤله الكبير"، ثم اردف موقفه هذا برفض احادية العمل الاميركي قائلا ان "لديهم مهمة خاصة، لا سيما لعلاقاتهم الخاصة باسرائيل وللوسائل التي يملكون، لكن لا يمكن ان تكون اميركا وحدها في هذه المهمة، فما زلت اعتقد ان اوروبا يمكنها القيام بامور كثيرة في هذا المجال".
وقد اعتمد شيراك الاسلوب عينه في حديثه عن الامور الداخلية الفرنسية، والذي غلب على معظم المقابلة، وهو اكد ان "السلام المدني من حق الكورسيكيين لكن العنف يبقى بدون افق" ولم ينس في الوقت نفسه التشديد على ضرورة تطوير البنى الادارية في الجزيرة رغم النتيجة السلبية للاستفتاء من وجهة نظر السياسة الحكومية.
وفي ما يتعلق بقضية المناضل النقابي جوزيه بوفيه، فإن شيراك اكد ان افكار ومواقف بوفيه هي مواقفه "لكن يجب ان يعلم النقابيون ان نضالهم لا يعطيهم الحق بانتهاك القانون " وذلك ردا على عدم اصداره لعفو خاص بكامل عقوبة بوفيه مكتفيا باربعة اشهر مما يعني بقاء بوفيه في السجن حتى نهاية العام.
وأخيراً فإن شيراك الذي أكد على تقديره للمياومين في القطاع الفني، والذي أدى اضرابهم الى إلغاء مهرجانات الصيف وخصوصاً مهرجان أفينيون المسرحي، فإنه أكد متابعة كل الذين استغلوا الوضع وملاحقة مفتشي العمل لهم، وفي الوقت نفسه منح الفنانين الشباب وسائل لتمويل عطاءاتهم الفنية.
الاجراءات الأمنية المشددة، لم تنعكس سلباً على جمال الاستعراض العسكري بمناسبة 14 تموز، بل كانت أوروبا الدفاعية نجمة الاستعراض على جادة الشانزيليزيه في باريس اذ افتتح المسيرة العسكرية 120 جندياً من الفيلق الأوروبي بقيادة جنرال ألماني. وفي العرض تحت قيادة الجنرال مارسيل فالنتان جرى الاستعراض تحت شعار "القوات الفرنسية الناشطة" اذ إن جميع الوحدات الممثلة فيه شاركت في عمليات عسكرية في الخارج، سواء في أفغانستان أو ساحل العاج أو دول البلقان.
وفي قصر الأليزيه، حيث يقام في حدائقه، الاستقبال السنوي الذي يحضره أكثر من ألفي مدعو، فتحت عدة مداخل للقصر بدلاً من الباب الرئيسي. وخصص كل مدخل لشريحة معينة من المدعوين. وكان التدقيق والتفتيش الالكتروني واحداً لجميع المدعوين، وعلى غرار السنوات الماضية لكن مع ترتيبات أكثر دقة، نصبت "الخيام" وكل واحدة لمنطقة أو أكثر لتقديم أنواعها الخاصة من المأكولات والمشروبات، في حين كانت فرقة عسكرية تعزف الأناشيد العسكرية وغيرها، تحت شمس حارقة تشابه شمس صيف العام 1976.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.