8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باسكال بونيفاس وحيداً في مواجهة "اللوبي اليهودي"

في فرنسا، يستطيع الفرنسي العادي والمسؤول، انتقاد كل مسؤولي الدولة بمن فيهم رئيس الجمهورية، ويمكن لهذا الفرنسي المطالبة بتغيير النظام القائم. وعلى الرغم من ذلك لا توجه اليه أي تهمة رسمية أو غير رسمية. بالعكس يعتبر الآخرون، أن ما يقوله هذا الفرنسي، أفكار تغني المناقشات على طريق تحسين الأداء أو الاصلاح والتطوير. لكن انتقاد اسرائيل، أو حتى رئيس وزرائها أرييل شارون غير مسموح به، وأصغر تهمة توجه "للمجنون" الذي يقوم بذلك هي "معاداة السامية"، وهي تهمة خطيرة يعاقب عليها القانون بالسجن لسنوات اذا ما ثبتت والأهم من ذلك أنها تعتبر جريمة بحق الضمير والمجتمع.
هذا الكلام الخطير ليس لعربي يؤمن بنظرية "المؤامرة" لتفسير الأحداث. إنه للأكاديمي والكاتب باسكال بونيفاس مدير معهد الدراسات الدولية، والمختص بالقضايا والعلاقات الدولية التي أصدر حولها ثلاثين كتاباً، كان آخرها كتاب بعنوان "هل مسموح انتقاد اسرائيل". والثمن الذي دفعه بونيفاس نتيجة لكتابه هذا وسلسلة من الكتابات والمواقف باهظ جداً، الى درجة وصفه في الأوساط الأكاديمية الفرنسية: "بالانتحار السياسي والثقافي". ولعل قراره الأول بالاستقالة من الحزب الاشتراكي الذي انضم اليه في العام 1980، يمثل العلامة الأولى على لائحة الأثمان الباهظة التي دفعها وسيدفعها في المستقبل المنظور.
والقصة التي انتهت بهذا الكتاب الفريد من نوعه في فرنسا، جاءت في إطار مسار طويل بدأه باسكال بونيفاس في عز الحملة الانتخابية للرئاسة الفرنسية في نيسان من العام 2001. فقد وجه بونيفاس "رسالة" الى الأمين العام للحزب فرنسوا هولند وسكرتير الهيئة الدولية في الحزب ركز فيها على مجموعة قضايا منها ان اسرائيل تحتل اراضي ليست لها منذ العام 1967، وعلى الرغم من كل القرارات الدولية، ما زالت تحتلها وتمارس سياسة قمعية ضد الفلسطينيين. وأن رئيس وزرائها مرتبط مباشرة بارتكاب مجازر ضد المدنيين. وأن الخلط بين مكافحة "معاداة السامية" والدفاع عن اسرائيل هو غير منتج. وخلص بونيفاس الى وجوب الأخذ بالاعتبار النمو العددي للجالية العربية ـ الاسلامية في الحسابات الانتخابية الرئاسية. وقد تم تجاوز هذه الرسالة في خضم سقوط ليونيل جوسبان على الرغم من أن قراءة بونيفاس لصعود الصوت العربي ـ الاسلامي قد تأكدت من النتائج.
وما إن انتهت الانتخابات الرئاسية، حتى بدأت حملة منظمة ضد بونيفاس، شنتها أوساط الجالية اليهودية الفرنسية، وشارك فيها السفير الاسرائيلي في باريس الذي كتب مقالاً في "الموند" تضمن انتقادات مباشرة ضده. وخلال المؤتمر العام للحزب الاشتراكي خاض فرنسوا هولند معركة حامية للحفاظ على موقعه كأمين عام للحزب في مواجهة "الفيلة" واندفع تحت ضغط "اللوبي المؤيد لإسرائيل" الى ازاحة باسكال بونيفاس من عضوية المؤتمر الوطني (اللجنة المركزية للحزب) ومن قسم العلاقات الدولية وأعلن ذلك اثناء غداء عمل، وبعد أن تولى بيار موسكوفيتش سكرتير الدولة للشؤون الأوروبية السابق والمعروف بانحيازه الشديد لاسرائيل، الأمانة العامة للهيئة الدولية. وقد ذهب موسكوفيتش في تبريره لإزاحة بونيفاس الى "أن شروط العمل لم تعد متوفرة".
وفي الثاني من الشهر الجاري، أرسل بونيفاس كتاباً الى فرنسوا هولند اختصر فيه كل أسباب الأزمة كاشفاً بجرأة لا مثيل لها واقع الحزب الاشتراكي بكل ما يتعلق بالنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. وقد ورد في "الكتاب" الذي لم ينشر نصه كاملاً بعض النقاط الآتية:
ان الأولوية داخل الحزب هي للذين يمارسون قراءة عرقية للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي.
لقد جرى تصويري كشيطان من قبل أصدقاء اسرائيل وذلك في اشارة واضحة الى دومينيك ستراوس الذي كان وزير المالية الأسبق وصديق ليونيل جوسبان الذي وصفه، أثناء مهرجان 12 ساعة للصداقة الفرنسية ـ الاسرائيلية في 22 حزيران "بالبائس"، وكل ذلك كما يقول بونيفاس في وقت يهاجمني فيه اليمين المتطرف من اليهود الفرنسيين.
كيف يمكن مهاجمة النمسوي هيدار والتعامل بشكل عادي مع الاسرائيلي شارون؟
على الرغم من كل ذلك، يرفض باسكال بونيفاس الحديث عن "لوبي يهودي" ما، علما أنه ربما يكون أول فرنسي في هذا المستوى يهاجم في كتابه بالاسم المجلس اليهودي الفرنسي (CRIF). ويضرب مثلاً لذلك في كتابه مستعيناً بما قاله روجيه كوكرايمن رئيس المجلس. عندما اتهم السينمائي الاسرائيلي ابال سيفان بأنه من "حماس". ويتساءل بونيفاس: هل من الطبيعي أن يقوم رئيس هيئة تتكلم باسم يهود فرنسا بهذا الخلط.
ويضيف أن هذا غير مهم لأن أحداً لن يتجاسر على قول أي شيء.
استقالة باسكال بونيفاس من الحزب الاشتراكي هي البداية. اذ ترى الأوساط الأكاديمية أن استقالة لوران فابيوس وسيرج وبيرغ (مدير مخازن برانتان ولاردوت) من عضوية مركز الأبحاث الذي يرأسه ستؤدي الى إقالته لاحقاً.
الطريف في القصة، التي لم تكتمل فصولها بعد أن بونيفاس يجد نفسه في مواجهة حملة يقودها ضده، الى اقطاب اليمين المتطرف في الجالية اليهودية الفرنسية، كل من لوران فابيوس (المرشح الرئاسي القادم) وبيار موسكوفيتش، وبيار شابيرا نائب رئيس بلدية باريس وصديقه جوسبان!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00