8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فرنسا ضد خروج أميركا من العراق الآن: خطر جداً وليس في مصلحة أوروبا

"لا تريد فرنسا حالياً خروج الولايات المتحدة الأميركية من العراق، لأن خروجها بسرعة هو خسارة للجميع"، هكذا ترى مصادر مطلعة في باريس الموقف الفرنسي، وتضيف أن إصرار باريس على صدور قرار جديد من مجلس الأمن يتعلق بتشكيل قوة دولية محددة المهمات والواجبات والصلاحيات ومدة انتشارها في العراق، لا يعني مطلقاً أن باريس تسعى أو حتى ترغب بأن تلحق الهزيمة بالولايات المتحدة الأميركية "لأن ذلك ليس في مصلحة أوروبا كلها، ولأن أميركا تبقى الحليفة الدائمة والتعامل معها يتم بإيجابية الحليف المشارك وليس التابع".
وتذهب المصادر إياها في عرض تفاصيل الموقف الفرنسي من العراق سواء المُعلن أو ما هو من بواطن الديبلوماسية الصامتة، فتقول: "إن خروج القوات الأميركية الآن أمر خطير جداً كون الفوضى لا يسيطر عليها أحد، لكن في الوقت نفسه فإن أميركا على الرغم من أنها أكدت للمرة الألف أنها "ديناصور" عسكري يكتسح كل شيء أمامه، ويسحق كل ما يجده في طريقه، فإنها غير قادرة وحدها على إدارة الوضع العراقي، فهي لا تعرف كيف تدير السلام وإعادة البناء بمهارة وانضباط وبأقل خسارة ممكنة، كما حصل ويحصل عندما تخطط للحرب وتنفذ مخططاتها".
ولا تخفي باريس كما تقول المصادر المطلعة نفسها، قلقها الشديد إزاء تطوّرات الوضع العراقي في ظل الاحتلال الأميركي. وهي ترى خاصة بعد تشكيل مجلس الحكم "أن خطر مذهبية العراق أصبح واقعاً. فتشكيل المجلس "لبنن" النظام العراقي، ولا يمكن لأي نظام قادم مهما كان مستقلاً أن لا يأخذ في الاعتبار لدى تشكيل أي حكومة "الحصحصة" التي بني عليها المجلس الانتقالي، والذي كان في صلبه تثبيت الشيعة العراقيين أغلبية مطلقة ولو بنسبة لا تزيد عن 55 في المئة بدلاً من 65 في المئة، كما يطالب بعض الشيعة. كما لا يمكن بعد الآن إخراج المسيحيين أو التركمان من معادلة "الحصحصة"". وتتابع المصادر بالقول: "إن العرف يكون أحياناً بقوة الدستور ويكفي متابعة يوميات النظام اللبناني للتأكد من ذلك".
ولا يقف "القلق الفرنسي" عند هذا الخطر بل يذهب أبعد من ذلك ويرى أنه على الرغم من صعود "الوطنية العراقية بقوة لدى مختلف الاثنيات بما فيها الأكراد، والمذاهب بما فيها الشيعة، فإن العراق بات يعيش حالة كردية يجب التعامل معها بدقة وحذر لئلا يستيقظ العراقيون يوماً على مواجهة كردية ـ عربية لأسباب تبدو واهية بالنسبة للماضي، لكنها مهمة جداً حالياً ومستقبلاً بعدما جرى تثبيت الخصوصية الكردية في صلب النظام".
أما أخطر المخاطر التي تولدت بعد الحرب الأميركية في العراق على ما ترى المصادر في باريس، فهو أن "الأميركيين لا يدركون حتى الآن، ماذا ارتكبوا عندما فككوا الدولة العراقية، فالأميركيون بدلاً من تفكيك السلطة العراقية برئاسة صدام حسين، فككوا الدولة وذلك عندما حلوا الجيش والإدارة، وهكذا بدلاً من فصل "الرأس" عن جسد الدولة أطاحوا بالدولة كلها. ولذلك فإن مسألة إعادة تشكيل الدولة العراقية ستكون مهمة طويلة وصعبة ومعقدة جداً، خصوصاً في ظل التوازنات التي قامت بين الاثنيات والمذاهب". وتضيف هذه المصادر: "إن إعادة بناء الدولة العراقية على أساس الرجل المناسب في المكان المناسب قد تصبح معجزة، إذا ما أصرت هذه الاثنيات والمذاهب على "حصحصة" الإدارة كما هو حال في لبنان".
وتختم المصادر هذه الرؤية للمخاطر المُحدقة بالدولة العراقية بقولها: "إن الحصحصة ستكون خطراً كبيراً على تشكيل الإدارة العراقية وفاعليتها، ولكن ماذا لو قامت الفيدرالية، وأصر كل طرف على عدم المزج في إدارته بحيث يحتكر هو تشكيلها؟
وأمام هذا المأزق الذي يقف فيه "الديناصور" الأميركي، وهو ضرورة عدم الانسحاب فوراً، والفشل في إدارة الوضع العراقي الى درجة أن يتدهور أكثر فأكثر يوماً بعد يوم فإن المخرج الوحيد هو الأمم المتحدة. فالعودة الى مجلس الأمن وإصدار قرار جديد حول العراق لناحية تشكيل قوة دولية، يفرض حكماً إخراج العراق من حالة "الاحتلال" وإنهائه، لأنه لا يمكن للقوة الدولية أن تكون "قوة احتلال". وقد عبر كوفي أنان عن ذلك عندما قال في 22 تموز الماضي "إن هدفنا المشترك يبقى تحقيق نهاية سريعة للاحتلال".
وخلاصة كلام المصادر عن الموقف الفرنسي من الوضع العراقي: "إن باريس التي لم تبلع حتى الآن انقسام أوروبا بين فريقين (مع الحرب الأميركية وضدها)، ترى بأن يشارك الاتحاد الأوروبي بقوة أوروبية تعمل في إطار القوة الدولية التي يمكن أن يحددها قرار جديد، يجري طبخه بهدوء وصبر على نار استمرار تدهور الوضع في العراق. هذا التدهور الذي خلافاً لما يرى الأميركيون لن يتوقف مع أسر أو مقتل صدام حسين، لأن تغييب صدام حسين يزيل ثقلاً يقيد حركة قوى كثيرة، خصوصاً الشيعة العراقيين. فهذه القوى تخشى من استغلال صدام حسين للمقاومة، سواء لإعادة الاعتبار له ولنظامه، أو حتى للعمل من أجل العودة الى السلطة. إن الديبلوماسية الفرنسية المتحركة بصمت لا يستفز الأميركيين تريد أن تكون دورة الأمم المتحدة القادمة، دورة العراق واستعادة الأمم المتحدة لدورها الشرعي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00