قاعة المحاضرات والاجتماعات في البنتاغون، التي تجمع القيادات العسكرية البارزة والخبراء المدنيين، اثناء الاجتماعات الموسعة، تحولت في 27 من الشهر الماضي، حالة عرض سينمائي. الحضور هم انفسهم بكل نجومهم وأوسمتهم ومشيتهم الواثقة، الى المدنيين بملفاتهم السميكة، اما الفيلم الحدث، فكان "معركة الجزائر".
بطاقة الدعوة الى حضور "معركة الجزائر" تقول بالحرف الواحد: "أطفال يُطلقون النار وجهاً لوجه على الجنود. نساء يضعن القنابل في المقاهي. قريباً، كل الجالية العربية ستدخل في نوبة من الجنون. أفلا يذكّركم كل هذا بشيء؟".
والجواب كما تتابع الدعوة ان "لدى الفرنسيين مخططاً. لقد نجحوا في تحقيق إنجاز تكتِيّ، لكنهم تكبّدوا فشلاً استراتيجياً.
لكي تفهموا ما حدث تعالَوا وشاهدوا هذا العرض النادر".
فيلم "معركة الجزائر"، لمن لم يشاهدوه، او الذين شهدوه ونسُوا تفاصيله، يروي تفاصيل المعركة الأخيرة بين الجنرال ماسوا الفرنسي وقائد جبهة التحرير في العاصمة واصف السعدي. اخرج الفيلم جيللو بوتيكافو بمشاركة ممثلين غير محترفين حتى ان السعدي هو الذي أدّى دوره الحقيقي. ويبقى مشهد علي لابوانت المفصل في الفيلم او في المعركة هو الأكثر دراماتيكية إذ اختار تفجير نفسه في مخبئه على الاستسلام. لكن الإطار العام للفيلم الذي حاز جائزة النقد الفني في مِهرجان كانّ عام 1966، أخّر عرضه في الصالات الفرنسية خمس سنوات من تاريخ توزيعه، وحتى بعد كل هذه السنوات وضِعت قنبلة في إحداها، بسبب مشاهد التعذيب في غرف التحقيق التي مارسها ضباط وجنود فرنسيون ضد الجزائريين، مقاتلينَ ومدنيين. وقد يلفت واقعية هذه المشاهد ان بعضها أدّاها من تلقّى هذه الأنواع من التعذيب، لكن العديد من المشاهدين لم يتحملوها كما انها فتحت الباب للاقلام الفرنسية لمناقشة "أخلاقية الحرب الجزائرية".
والسؤال: لِمَ هذا العرض الاستثنائي للفيلم في "الاوديتاريوم" في البنتاغون؟!
متى عُرف السبب بَطَلَ العجب. فالداعي إلى لعرض، هو "إدارة العمليات الخاصة والنزاعات الحقيقية" أي إدارة عمليات حروب العصابات". وتفسير كل ذلك كما نقلت مجلة "تايم" عن مسؤول في وزارة الدفاع التي يرأسها دونالد رامسفيلد، ان هذا الفيلم يعطي رؤية تاريخية لمسار العمليات الفرنسية في الجزائر" وعرضه يسمح "بخلق أجواء من المناقشات المفتوحة حول التحديات التي واجهها الفرنسيون في الجزائر".
وطريقة "مواجهة الفرنسيين للتحديات"، يعني أولاً وأخيراً، التعذيب الذي مارسه العسكريون الفرنسيون ضد الجزائريين، وهو راوح بين استخدام الكهرباء وحمامات المياه والضرب وعدم النوم التي أدت في كثير من الحالات الى الوفاة.
والجديد المكتشف بعد العرض الأميركي، أن الفيلم نفسه ويُعرض بانتظام في الوحدات الاسرائيلية العاملة في الأرض الفلسطينية، ولسان حال الجميع، أميركيين وإسرائيليين: "أنظروا، إذا كان الفرنسيون المتشدقون بالديموقراطية وحقوق الانسان قد مارسوا كل هذه الصنوف من التعذيب، فلماذا ليس نحن، وخصوصا اننا نواجه الارهاب"؟!
الاسرائيليون يمارسون التعذيب ضد السجناء الفلسطينيين بوسائل أحدث تقنية وآلَم. وهذا ليس اتهاماً بل هو في تقارير "هيئة العفو الدولية"، التي هي ايضا وثّقت وشكت تعامل الجنود الأميركيين مع الأسرى العراقيين ولاسيما في سجن مطار بغداد. لذا، لا يرمي العرض الى أكثر من رفع الإشكالية الاخلاقية لدى بعض الجنود والضباط.
يبقى أن الأميركيين يعرفون أن الديموقراطية تمهل ولا تهمل، لان الفرنسيين حاكموا بعض جنرالاتهم بعد أكثر من ثلاثين عاماً على حرب الجزائر والتعذيب الذي جرى خلالها، وصدرت الأحكام عليهم ومنهم زعيم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة حالياً جان ماري لوبين والجنرال أوساريس. وأمام هذا اليقين، نقل الأميركيون بعض السجناء والأسرى العراقيين وغيرهم من جنسيات عربية وغير عربية الى دولهم التي تمارس أجهزتها كل فنون التعذيب دون خشية من المحاسبة الديموقراطية، شريطة حصول القيادات الأميركية على تفاصيل التحقيقات والاعترافات!؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.