"ما جرى خلال القمة بين الرئيسين جاك شيراك وجورج بوش، لم يكن حواراً بين زعيمين بينهما قضايا مشتركة. كانت القمة، مناسبة لمنولوج متبادل بدون حرارة". هذا ما نقلته الأوساط المرافقة للرئيس الفرنسي، لدى انتهاء اللقاء الذي لم يزد على أربعين دقيقة وفي مقر الوفد الأميركي في الامم المتحدة. أكثر من ذلك، وتأكيداً للود المفقود بين الرئيسين، فإن الوفد الفرنسي، فوجئ بمغادرة الرئيس بوش فور انتهائه من كلمته، من دون أن ينتظر وقتاً اضافياً لسماع نظيره الفرنسي.
وفي مسلسل هذه العلاقات الباردة، فإن الوفد الفرنسي، ترك أجندة الرئيس مفتوحة ظهر لقائه مع نظيره الأميركي، على أساس أنه اذا كان الغداء الرسمي لم يتقرر رسمياً، فإن غداء عمل طبيعياً سيتبع اللقاء الذي تحدد موعده في الثانية عشرة والربع. لكن ما حصل أن بوش تعمد انهاء اللقاء دقائق قبل الواحدة بعد الظهر، حتى لا يضطر الى غداء عمل. وقد اضطر الوفد الفرنسي تحت هذه المفاجأة الى الاكتفاء بمباحثات عمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشار الالماني غيرهارد شرودر، بدلاً من غداء رسمي، حتى لا تتحول البرودة بين باريس وواشنطن الى جبل جليد يراه العالم بالعين المجردة.
وقد تعمد الرئيس شيراك، وهو يتحدث عن "استمرار الخلافات في وجهات النظر" مع نظيره الأميركي، التشديد مراراً على طابع الصداقة التاريخية بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية"، واستكمالاً لهذا التوجه المؤشر الى أن الخلافات عابرة مع عبور مرحلة بوش الابن، فإن هذه الأوساط قارنت بين "العلاقات الحارة والمتفهمة التي كانت قائمة بين شيراك وبوش الأب"، وما يجرى الآن مع الرئيس بوش الابن، وفي محاولة من شيراك للفت انتباه نظيره الى تلك العلاقات القديمة، فإنه تعمد مراراً الطلب منه نقل سلامه لوالده".
وأشارت مختلف الأوساط المرافقة للرئيس شيراك. وخاصة الصحافية منها الى ان شيراك حاول تهدئة الموقف، على الرغم من كل الانتقادات القاسية التي وصلت اليه مثل انه جاء "الاستاذ ليؤستذ علينا"، والتعليقات الصحافية العدائية التي منها ما كتبه توماس فريدمان في "نيويورك تايمز" من انّ "فرنسا عدوتنا". ولذلك تعمد شيراك جعل خطابه ناعماً وسلساً في الشكل"، علماً أن مضمونه بقي ثابتاً على مواقفه.
واسترعت الانتباه ثلاثة مواقف في خطاب جاك شيراك التي تؤكد ثبات موقفه وهي:
ان احدا لا يمكنه ان يفعل بمعزل عن الآخرين وفي ذلك انتقاد عميق للأُحادية الاميركية.
ان شعب العراق ذو تاريخ عميق، ولذلك يجب وضع نهاية لنظام الاحتلال الاميركي.
ان الامم المتحدة في حاجة الى التطور وان عليها ان تنتقل من حالة خطاب المواجهة الى ثقافة الفعل.
ونقلت مصادر فرنسية عن مصدر قريب للرئيس شيراك "ان شيراك مقتنع بأنه يحمل مهمة تاريخية تقوم على اقامة جسر بين الشمال والجنوب، وانه هو الذي سيحول دون قيام صراع بين الحضارات في وقت قرر الاميركيون بعد 11 ايلول 2001 شن حرب وقائية في مواجهة الارهاب وصعود الاصولية الاسلامية.
شيراك ذهب الى نيويورك وهو كما تقول الاوساط الفرنسية المرافقة له مطمئناً الى دعم شرودر، والامين العام للامم المتحدة كوفي انان، ولذلك تحرك وخاطب المؤتمرين سواء بالنسبة للعراق او اصلاح المنظمة الدولية بحرية وقوة. اما المفاجأة التي لم يتوقعها شيراك ولا الوفد الفرنسي، والتي صبت في مواقفه وخياراته من مستقبل العراق فكانت من احمد الجلبي الرئيس الدوري لمجلس الحكم الانتقالي العراقي، اذ ان الجلبي الذي طالب في مقابلة مع "نيويورك تايمز". "بنقل سريع وفوري للسيادة على العراق للمجلس الذي يرأسه"، كان على تناقض تام مع الموقف الاميركي الذي وصف هذا المطلب الفرنسي "بعدم الواقعية"، ولذلك تبدو الاوساط الفرنسية اكثر تفاؤلا حول المستقبل والمواجهة مع واشنطن بكل ما يتعلق بالعراق، لانه اذا كان "الحليف العراقي الاول للاميركيين يطالب بما يطالبون به، فماذا اذاً عن باقي العراقيين وخاصة خصومهم الذين يشنون حرب مقاومة شرعية ضد الاحتلال".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.